رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي 8 أغسطس، 2010 0 تعليق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (6)

 

 

«الجزء الحادي عشر»

الفائدة السادسة والعشرون:

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين} (يوسف: 35).

قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين} فـ {بدا} فعل ماض، فلا بد له من فاعل، والجملة المؤكدة باللام لا تكون في موضع فاعل أبدا، وإنما تكون في موضع المفعول بـ «علمت» أو «علموا»، فهي ههنا في موضع المفعول، وإن لم يكن في اللفظ «علموا» ففي اللفظ ما هو في معناه؛ لأن قوله: {بدا} ظهر للقلب لا للعين، وإذا ظهر الشيء للقلب فقد علم، والمجرور من قوله: {لهم} هو الفاعل، فلما حصل معنى العلم، وفاعله مقدم على الجملة المؤكدة باللام: صارت الجملة مفعولا لذلك العلم؛ كما تقول: علمت ليقومنَّ زيد، ولام الابتداء وألف الاستفهام يكون قبلهما أفعال القلب ملغاة (بدائع الفوائد: 3/42).

 

 

الفائدة السابعة والعشرون:

 

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (يوسف: 37).

 

الملة: هي الحنيفية وهي التوحيد، ولهذا بينها بقوله: {حنيفا وما كان من المشركين} وقال يوسف الصديق: {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء}، وقال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، فالملة في هذا كله: هي أصل الإيمان من التوحيد والإنابة إلى الله وإخلاص الدين له. وكان رسول الله [ يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد [ وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين» (تحفة المودود ص139-140).

 

 

الفائدة الثامنة والعشرون:

 

أن الله سبحانه سمى الجد أبا في قوله: {ملة أبيكم إبراهيم} وقوله: {كما أخرج أبويكم من الجنة} وقوله: {أنتم وآباؤكم الأقدمون} وقول يوسف: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} (إعلام الموقعين 1/375).

 

 

الفائدة التاسعة والعشرون:

 

أن الصديق لم يختلف عليه أحد من الصحابة في عهده أن الجدَّ مقدم على الإخوة، قال البخاري في صحيحه في باب ميراث الجد مع الإخوة: «وقال أبوبكر وابن عباس وابن الزبير: الجد أب، وقرأ ابن عباس: {يا بني آدم}، {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}، ولم يذكر أن أحدا خالف أبا بكر في زمانه، وأصحاب النبي [ متوافرون. وقال ابن عباس: «يرثني ابن ابني دون إخوتي، ولا أرث أنا ابن ابني». ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت أقاويل مختلفة» انتهى (إعلام الموقعين: 1/375).

 

 

«الجزء الثاني عشر»

 

الفائدة الثلاثون:

 

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} (يوسف: 39).

 

إذا قيل: إن علو الله تعالى وعظمته مجرد كونه أعظم من مخلوقاته وأفضل منها: فهذا هضم عظيم لهاتين الصفتين العظيمتين، وهذا لا يليق ولا يحسن أن يذكر ويخبر به عنه إلا في معرض الرد على من سوّى بينه وبين غيره في العبادة والتأليه، كقوله: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ألله خير أم ما يشركون} وقول يوسف الصديق: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}، وقوله تعالى عن السحرة إنهم قالوا لفرعون: { إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى} فهذا السياق يقال في مثله: إن الله خير مما سواه من الآلهة الباطلة، أما بعد أن يذكر أنه مالك الكائنات، ويقال مع ذلك: هو أفضل من مخلوقاته، وأعظم من مصنوعاته: فهذا ينزه عنه كلام الله (الصواعق المرسلة: 4/1372-1373).

 

 

الفائدة الحادية والثلاثون

 

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباوكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 40).

 

إنما عبدوا المسميات، ولكن من أجل أنهم نحلوها أسماء باطلة كاللات والعزى، وهي مجرد أسماء كاذبة باطلة لا مسمى لها في الحقيقة: فإنهم سموها آلهة وعبدوها؛ لاعتقادهم حقيقة الإلهية لها، وليس لها من الألوهية إلا مجرد الأسماء لا حقيقة المسمى، فما عبدوا إلا أسماء لا حقائق لمسمياتها. وهذا كمن سمى قشور البصل لحما وأكلها، فيقال: ما أكلت من اللحم إلا اسمه لا مسماه، وكمن سمى التراب خبزا وأكله، فيقال: ما أكلت إلا اسم الخبز، بل هذا النفي أبلغ في آلهتهم؛ فإنه لا حقيقة لإلهيتها بوجه، وما الحكمة ثم إلا مجرد الاسم، فتأمل هذه الفائدة الشريفة في كلامه تعالى: (بدائع الفوائد: 1/19).

 

 

الفائدة الثانية والثلاثون:

 

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} (يوسف: 42).

 

لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة: عوقب بالخروج منها، ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا: لبث فيه بضع سنين. فيا مخنث العزم، أين أنت والطريق: طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد [، تُزْهَى أنت باللهو واللعب؟!

 

فيا دارها بالحزن إن مزارها

 

            قريب ولكن دون ذلك أهوال

 

(الفوائد ص 41، 49)

 

 

الفائدة الحادية عشرة

 

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يأيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاط أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} (يوسف: 43-49).

 

 

الفائدة الثالثة والثلاثون:

 

أما خاصية السبع؛ فإنها قد وقعت قدرا وشرعا، فخلق الله عز وجل السماوات سبعا، والأرضين سبعا، والأيام سبعا، والإنسان كما خلقه في سبعة أطوار.

 

وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعا، والسعي بينه الصفا والمروة سبعا، ورمي الحجارة سبعا سبعا، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى.

 

وقال [: «مروهم بالصلاة لسبع». «وإذا صار للغلام سبع سنين: خير بين زبويه» في رواية، وفي رواية أخرى: «أبوه أحق به من أمه». وفي ثالثة: «أمه أحق به».

 

وأمر النبي [ في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب، وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال، ودعا النبي [ أن يعينه الله علي قومه بسبع كسبع يوسف، ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة.

 

والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها دأبا سبعا.

 

وتضاعف الصدقة إلى سبعمئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفاً.

 

فلا ريب أن لهذا العدد: خاصية ليست لغيره، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان، والوتر كذلك، فهذه أربع مراتب شفع أول وثان، ووتر أول وثان، ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة، وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة، أعني: الشفع والوتر والأوائل والثواني، ونعني بالوتر الأول: الثلاثة، وبالثاني: الخمسة وبالشفع الأول: الإثنين، وبالثاني: الأربعة.

 

وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة، ولاسيما في البحارين، وقد قال بقراط: كل شيء من هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء، والنجوم سبعة، والأيام سبعة، وأسنان الناس سبعة، أولها: طفل إلى سبع، ثم صبي إلى أربع عشر، ثم مراهق، ثم شاب، ثم كهل، ثم شيخ، ثم هرم إلى منتهى العمر.

 

والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد، هل هو لهذا المعنى أو لغيره؟ ونفع هذا العدد من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم والسحر، بحيث تمنع إصابته من الخواص التي لو قالها بقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء: لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والانقياد، من أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن، فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحي: أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم وترك الاعتراض! (زاد المعاد 4/99-100).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك