رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي 14 أغسطس، 2010 0 تعليق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (8)

 

الفائدة الثالثة والأربعون:

قد جُمع لجبريل عليه السلام بين المكانة والأمانة والقوة والقرب من الله، ونظير الجمع له بين المكانة والأمانة، قول العزيز ليوسف عليه السلام: {إنك اليوم لدينا مكين أمين} (إغاثة اللهفان: 2/173).

 

< الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} (يوسف: 55).

 

الفائدة الرابعة والأربعون:

جواز إخبار الرجل بما عنده من العلم والخير؛ ليقتبس منه، ولينتفع به، ومنه قول يوسف الصديق عليه السلام: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}.

فمن أخبر عن نفسه بمثل ذلك ليكثّر به ما يحبه الله ورسوله من الخير: فهو محمود.

وهذا غير من أخبر بذلك ليتكثر به عند الناس ويتعظم، وهذا يجازيه الله بمقت الناس له، وصغره في عيونهم، والأول يكثّره في قلوبهم وعيونهم، وإنما الأعمال بالنيات، وكذلك إذا أثنى الرجل على نفسه ليخلص بذلك من مظلمة وشر، أو ليستوفي بذلك حقا له يحتاج فيه إلى التعريف بحاله، أو ليقطع عنه أطماع السفلة فيه، أو عند خطبته إلى من لا يعرف حاله.

والأحسن في هذا: أن يُوكّل من يعرف به وبحاله؛ فإن لسان ثناء المرء علي نفسه قصير، وهو في الغالب مذموم؛ لما يقترن به من الفخر والتعاظم (مفتاح دار السعادة: 1/439-440).

 

الفائدة الخامسة والأربعون:

أن العبد إذا لاحظ ما هو فيه من الإلطاف وشهده من عين المنة ومحض الجود: شهد مع ذلك فقره إليه في كل لحظة، وعدم استغنائه عنه طرفة عين؛ فكان ذلك من أعظم أبواب الشكر وأسباب المزيد وتوالي النعم عليه، وكلما توالت عليه النعم أنشأت في قلبه سحائب السرور، وإذا انبسطت هذه السحائب في سماء قلبه وامتلأ بها أفقه، أمطرت عليه وابل الطرب بما هو فيه من لذيذ السرور، فإن لم يصبه وابل فطل، وحينئذ يجري على لسانه وظاهره نهر الافتخار من غير عجب ولا فخر، بل فرحا بفضل الله ورحمته؛ كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} (يونس: 58).

فالافتخار علي ظاهره، والافتقار والانكسار في باطنه، ولا ينافي أحدهما الآخر.

وتأمل قول النبي [: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، فكيف أخبر بفضل الله ومنته عليه، وأخبر أن ذلك لم يصدر منه افتخارا به على من دونه؛ ولكن إظهارا لنعمة الله عليه وإعلاما للأمة بقدر إمامهم ومتبوعهم عند الله وعلو منزلته لديه؛ لتعرف الأمة نعمة الله عليه وعليهم.

ويشبه هذا قول يوسف الصديق العزيز: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} (يوسف: 55)، فإخباره عن نفسه بذلك لما كان متضمنا لمصلحة تعود على العزيز وعلى الأمة وعلى نفسه: كان حسنا؛ إذ لم يقصد به الفخر عليهم، فمصدر الكلمة والحامل عليها: يحسّنها ويهجّنها، وصورته واحدة (مدارج السالكين: 3/90).

 

الفائدة السادسة والأربعون:

- كان الصحابة -رضي الله عنهم-يفرحون بانتصار الروم النصارى على المجوس عباد النار؛ لأن النصارى أقرب إليهم من أولئك، وكان يوسف الصديق عليه السلام نائبا لفرعون مصر، وهو وقومه مشركون، وفعل من الخير والعدل ما قدر عليه، ودعا إلى الإيمان بحسب الإمكان (الطرق الحكمية ص185).

 

«الجزء السادس عشر»

 

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين} «يوسف: 56».

 

الفائدة السابعة والأربعون:

- عنوان هذا الباب: باب من ترك محبوبه حراما؛ فبذل له حلالا أو أعاضه الله خيرا منه، وقاعدته: أن من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه، كما ترك يوسف الصديق - عليه السلام - امرأة العزيز لله، واختار السجن على الفاحشة، فعوضه الله أن مكنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وأتته المرأة صاغرة، سائلة راغبة في الوصل الحلال فتزوجها؛ فلما دخل بها قال: هذا خير مما كنت تريدين.

فتأمل كيف جزاه الله سبحانه وتعالى على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء، وأذل له العزيز وامرأته، وأقرت المرأة والنسوة ببراءته.

وهذه سنته تعالى في عباده قديما وحديثا إلى يوم القيامة (روضة المحبين ص 443).

 

الفائدة الثامنة والأربعون:

- لما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن: شكر الله له ذلك؛ بأن مكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء (عدة الصابرين ص 426).

 

الفائدة التاسعة والأربعون:

- الصبر نوعان: اختياري، واضطراري، والاختيار أكمل من الاضطراري؛ فإن الاضطراري يشترك فيه الناس، ويتأتى ممن لا يتأتي منه الصبر الاختياري؛ ولذلك كان صبر يوسف الصديق - عليه السلام - عن مطاوعة امرأة العزيز، وصبره على ما ناله في ذلك من الحبس والمكروه، أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب؛ وفرقوا بينه وبين أبيه وباعوه بيع العبد.

ومن الصبر الثاني: إنشاء الله سبحانه له ما أنشأه من العز والرفعة والملك والتمكين في الأرض (عدة الصابرين ص 63).

 

الفائدة الخمسون:

- إن مخالفة الهوى تقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله لأبره؛ فيقضي له من الحوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه؛ فهو كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضها درة، ومتبع الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة والعيش الهنيء ما لا نسبة معه لما ظفر به من هواه ألبتة.

فتأمل انبساط يد يوسف الصديق - عليه الصلاة والسلام - ولسانه وقدمه ونفسه بعد خروجه من السجن لما قبض نفسه عن الحرام (روضة المحبين ص 481).

 

< الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} «يوسف: 58».

 

الفائدة الحادية والخمسون:

إنما لم يعرّفهم نفسه لأسباب أخّر فيها منفعة لهم ولأبيهم وله، وتمام لما أراده الله تعالى بهم من الخير في هذا البلاء.

وأيضا فلو عرّفهم نفسه في أول مرة لم يقع الاجتماع بهم وبأبيه ذلك الموقع العظيم، ولم يحل ذلك المحل.

وهذه عادة الله سبحانه في الغايات العظيمة الحميدة، إذا أراد أن يوصل عبده إليها، هيأ له أسبابا من المحن والبلايا والمشاق؛ فيكون وصوله إلى تلك الغايات بعدها كوصول أهل الجنة إليها بعد الموت وأهوال البرزخ والبعث والنشور والموقف والحساب والصراط ومقاساة تلك الأهوال والشدائد.

وكما أدخل رسوله[ إلى مكة ذلك المدخل العظيم بعد أن أخرجه الكفار ذلك المخرج، ونصره ذلك النصر العزيز بعد أن قاسى مع أعداء الله ما قاساه.

وكذلك ما فعل برسله كنوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب - عليهم السلام - فهو سبحانه أوصل إلى الغايات الحميدة بالأسباب التي تكرهها النفوس وتشق عليها، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} «البقرة: 216».

وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببا ما مثله سبب

وبالجملة: فالغايات الحميدة في خبايا الأسباب المكروهة الشاقة، كما أن الغايات المكروهة المؤلمة في خبايا الأسباب المشتهاة المستلذة، وهذا من حين خلق الله سبحانه الجنة وحفها بالمكاره، وخلق النار وحفها بالشهوات (إغاثة اللهفان 2/146 - 147).

 

الفائدة الثانية والخمسون:

إن المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه؛ فإذا أدركهُ قيل: عرفه، أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه؛ فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها قيل: عرفه، قال الله تعالى: {ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم}، وقال تعالى: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} (مدارج السالكين 3/351 - 352).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك