رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي 16 أغسطس، 2010 0 تعليق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (9)

 

 

الجزء السابع عشر

الفائدة الثالثة والخمسون:

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} «يوسف: 60».

خلوة المحب بمحبوبه: هي غاية أمنيته؛ فإن ظفر بها وإلا خلا به في سره وأوحشه ذلك من الأغيار.

وكان قيس بن الملوح إذا رأى إنسانا هرب منه؛ فإذا أراد أحد أن يدنو منه ويحادثه، ذكر له ليلى وحديثها؛ فيأنس به ويسكن إليه.

وينبغي للمحب أن يكون كما قال يوسف لإخوته وقد طلب منهم أخاهم: {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون}.

إذا لم تكن فيكنّ سعدى فلا أرى

         لكُنّ وجوهاً أو أغيّب في لحدي

(روضة المحبين ص 288 - 289)

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون} «يوسف: 62 - 63».

 

الفائدة الرابعة والخمسون:

الله سبحانه إنما سوغ ذلك لنبيه يوسف - عليه السلام - جزاء لإخوته وعقوبة لهم على ما فعلوا به، ونصرا له عليهم وتصديقا لرؤياه، ورفعة لدرجته ودرجة أبيه، وبعد: ففي قصته مع إخوته ضروب من الحيل المستحسنة:

أحدها: قوله لفتيانه: {اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون}، فإنه تسبب بذلك إلى رجوعهم، وقد ذكروا في ذلك معاني:

منها: أنه تخوف ألا يكون عندهم وَرِق يرجعون بها.

ومنها: أنه خشي أن يضر أخذ الثمن بهم.

ومنها: أنه أراهم كرمه في رد البضاعة ليكون أدعى لهم إلى العود.

وقد قيل: إنه علم أن أمانتهم تحوجهم إلى الرجعة ليردوها إليه؛ فهذا المحتال به عمل صالح.

والمقصود: رجوعهم ومجيء أخيه، وذلك أمر فيه منفعة لهم ولأبيهم وله وهو مقصود صالح (إغاثة اللهفان 2/145 - 146).

 

الفائدة الخامسة والخمسون:

ما يشهد السياق والكلام به فكأنه مذكور في اللفظ وإن حذف اختصار؛ كقوله تعالى: {أن أضرب بعصاك البحر فانفلق} «الشعراء: 63».

فكل واحد يعلم أن المعنى: فضربه فانفلق؛ فذكره نوع من بيان الواضحات؛ فكان حذفه أحسن؛ فإن الوهم لا يذهب إلى خلافه، وكذلك قوله تعالى: {وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فلما رجعوا إلى أبيهم}.

فكل أحد يفهم من هذا السياق أنهم جعلوها في رحالهم، وأنهم وصلوا بها إلى أبيهم.

ومثل هذا في القرآن كثير جداً، وفهم الكلام لا يتوقف على أن يضمر فيه ذلك، مع أنه مراد ولابد؛ فكيف يتوقف فهم الكلام الذي لا دليل فيه على الإضمار بوجه، وهو كلام مفيد قائم بنفسه معط لمعناه، على دليل منفصل يدل على أن المتكلم لم يضمر فيه خلاف ما أظهره وهل يتوقف أحد من العقلاء في فهم خطاب غيره له على هذا الدليل أو يخطر بباله؟ (الصواعق المرسلة 2/713).

 

الجزء الثامن عشر

الفائدة السادسة والخمسون:

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير} «يوسف: 65».

- إن البينة اسم لما يبين الحق ويوضحه، وقد أرشد الله سبحانه إليها في كتابه؛  حيث حكى عن شاهد يوسف اعتباره قد القميص.

وحكى عن يعقوب وبنيه أخذهم البضائع التي باعوا بها بمجرد وجودهم لها في رحالهم؛ اعتمادا على القرائن الظاهرة بأنها وهبت لهم ممن ملك التصرف فيها، وهم لم يشاهدوا ذلك ولا علموا به، ولكن اكتفوا بمجرد القرينة الظاهرة (بدائع الفوائد 4/12).

 

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} «يوسف: 69 - 76».

 

الفائدة السابعة والخمسون:

أنه لما جهزهم في المرة الثانية بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه، وهذا القدر يتضمن اتهام أخيه بأنه سارق!

وقد قيل: إنه كان بمواطأة من أخيه ورضا منه بذلك، والحق كان له وقد أذن فيه وطابت نفسه به، ودل على ذلك قوله تعالى: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون}، فهذا يدل على أنه عرّف أخاه بنفسه.

وقد قيل: إنه لم يصرح له بأنه يوسف، وأنه إنما أراد بقوله: {إني أنا أخوك} أي: أنا مكان أخيك المفقود.

ومن قال هذا قال: إنه وضع السقاية في رحل أخيه، والأخ لا يشعر بذلك.

والقرآن يدل على خلاف هذا والعدل يرده، وأكثر أهل التفسير على خلافه (إغاثة اللهفان 2/147).

 

الفائدة الثامنة والخمسون:

من لطيف الكيد في ذلك أنه لما أراد أخذ أخيه توصل إلى أخذه بما يقر إخوته أنه حق وعدل، ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنسب إلى الظلم والجور، ولم يكن له طريق في دين الملك يأخذه بها؛ فتوصل إلى أخذه بطريق يعترف إخوته أنها ليست ظلما؛ فوضع الصواع في رحل أخيه بمواطأة منه له على ذلك؛ ولهذا قال: {فلا تبتئس بما كانوا يعملون} (إغاثة اللهفان 2/147).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك