رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: صفوان الزعبي 25 يوليو، 2010 0 تعليق

الرد على أحمد الكاتب ” السلف هم الصحابة – رضي الله عنهم – ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم”

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن المحاضر أحمد الكاتب قد قرر في محاضرة له أن السلفية نشأت في القرن السابع الهجري، في إشارة إلى زمن الإمام ابن تيمية وكأنه أول من أسس السلفية، وهذا يجانب الصواب من أوجه عدة:

 

أولها: أن الإمام ابن تيمية لم يأت بجديد لا في العقائد ولا في الأفكار، بل كان عمله هو الترجيح بين أقوال سلفه من العلماء والمحدّثين.

وقد كان حنبلي المذهب كما هو مشهور ومعروف، والوجه الآخر: أن السلفية هي نسبة إلى السلف الصالح الذين هم الرسول[ والصحابة - رضوان الله عنهم أجمعين - وأول من استخدم هذا اللفظ هو الرسول[ حين قاله لابنته فاطمة - رضي الله عنها -: «نعم السلف أنا لك» (رواه مسلم)، وقوله[ لرقية - رضي الله عنه -: «الحقي سلفنا الصالح عثمان بن مظعون» (رواه الإمام أحمد في مسنده وضعفه الألباني)، ومن بعده ذكره البخاري، حيث قال: كان السلف يستحبون الفحولة لأنها أجرى وأجسر. وعلق عليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/166) قائلاً: أي الصحابة ومن بعدهم. ثم استخدم هذا الاصطلاح الغزالي في «إلجام العوام عن علم الكلام» صفحة 62 معرفا كلمة السلف «أعني مذهب الصحابة والتابعين» وكذلك الإمام الأوزاعي قال: اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم (الآجري في الشريعة ص 58).

وهذا يدل على أن «السلفية» ليست «تيمية» بل هي «محمدية»، وقد برزت هذه التسمية للتفريق كما قرر المحاضر بين أهل الحديث وأهل السنة والجماعة وبين أهل الرأي، ثم انتشرت تسمية «السلفية» وتوسعت في القرن السابع الهجري واشتهرت في القرن الماضي والقرن الحاضر.

أما «الوهابية» فهي نسبة غير صحيحة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب؛ إذ إن النسبة الصحيحة إليه - رحمه الله - هي «محمديون»؛ فاسمه محمد، أما «وهابيون» فهي نسبة إلى الوهاب الذي هو الله عز وجل، وهي كأن تقول: «رحمانيون» نسبة إلى الرحمن، وأيضا الإمام محمد بن عبدالوهاب لم يأت بجديد في الدين الإسلامي، بل هو لم يخرج عن المذهب الحنبلي لا في العقائد ولا في الأحكام الشرعية، أما عن منهج الإمامين ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب في التكفير وفي العلاقة مع مخالفيهم فنسوق لكم ما يلي:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية، التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى، وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية» (مجموع الفتاوى 3/229).

ويقول - رحمه الله - أيضاً: «ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرا؛ لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال، وكان هذا خطابا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح، والمعقول الصريح الموافق له». (الرد على البكري 2/494).

ويقول أيضاً: «من يعتقد أن شيخه يرزقه أو ينصره أو يهديه أو يغيثه أو يعينه، أو كان يعبد شيخه أو يدعوه ويسجد له، أو كان يفضله على النبي[ تفضيلا مطلقا أو مقيدا في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى، أو كان يرى أنه هو أو شيخه مستغن عن متابعة الرسول[ - فكل هؤلاء كفار إن أظهروا ذلك ومنافقون إن لم يظهروه.

وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذه الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف: «يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله» فقيل لحذيفة بن النعمان - رضي الله عنه -: ما تغني عنهم «لا إله إلا الله»؟ فقال: تنجيهم من النار. (أخرجه ابن ماجه من حديث حذيفة 2/134، 134، ح: 4049)، والحاكم 4/520، ح: 8460)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: 87.

وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: كفر قولا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه». (مجموع الفتاوى 35/164، 165).

ويقول أيضاً: «ثم الفلاسفة والباطنية هم كفار كفرهم ظاهر عند المسلمين، لكن لا يعرف كفرهم من لم يعرف حقيقة قولهم، وقد يكون قد تشبث ببعض أقوالهم من لم يعلم أنه كفر فيكون معذروا لجهله». (شرح العقيدة الأصفهانية، ص: 211).

فهذه بعض النماذج لشيخ الإسلام ابن تيمية من المخالفين الذي يتلبسون ببعض المكفرات الظاهرة، مما لا شك عند المسلمين أنها كفر، ومع هذا لم يكفر أعيانهم مع مناظرته لهم؛ لخفاء الحق عليهم وجهلهم به بسبب بعدهم عن العلم الشرعي وشدة التباس الأمر عليهم.

ويقول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب: «وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبدالقادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم؛ فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل؟! سبحانك هذا بهتان عظيم». (فتاوى ومسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ص: 11).

ويقول - رحمه الله - في بعض رسائله: «ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم: إني أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجيء عندي، فهذا أيضا من البهتان، إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت، ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه، ذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنه دين للمشركين وزينه للناس؛ فهذا الذي أكفره، وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلا معاندا أو جاهلا». (مجموع مؤلفات الشيخ محمد «الرسائل الشخصية» 3/33، وانظر: 3/58).

إلى غير ذلك من كلام الشيخ - رحمه الله - وهو مبثوث في كتبه خصوصا ما جاء في الرسائل الشخصية له - رحمه الله - التي بين فيها أنه لا يكفر من لم تقم عليه الحجة من المعينين وإن قام بهم الكفر المطلق.

وبهذه الأمثلة لما جاء عن هذين الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، الدالة على تحقيقهم لهذه المسألة وامتثالهم إياها في واقع فتاواهم وعدم تكفيرهم من قام بهم الكفر المطلق من المعينين ممن لم تقم عليه الحجة، يظهر رسوخ هذه المسألة في عقيدة أهل السنة وشهرتها بين الأئمة، وقيامهم بها علما وعملا على مر العصور والأزمان.

كما أن المحاضر أحمد الكاتب قد قرر أن الصفويين والشيعة التقليديين كانوا يسبون الصحابة، لكنه لم ينقل نصوصهم في ذلك، بل اهتم بنقل نصوص «الوهابيين» بتكفير الشيعة.

ونحن نقول: إنه كان على المحاضر أن يصرف النصوص التي أوردها بتكفير الشيعة إلى الصفويين والتقليديين فتنتهي عنده المشكلة، مع العلم أن المذهب السلفي يقضي بعدم تكفير المعين إلا بشروط ذكر بعضها الأستاذ أحمد؛ فقد يقع المرء بالكفر لكن لا يقع الكفر عليه؛ فالتكفير الذي يطلقه السلفيون هو على من يقول بتحريف القرآن، ويتهم أم المؤمنين بالزنى، ويكفر الصحابة ويسبهم، ولا يكفرون الأشخاص إلا بعد إقامة الحجة عليهم؛ لذلك لا أجد من مبرر لهذا الهجوم الذي شنه المحاضر على من أسماهم بالوهابيين؛ فهو لا يخدم ما ينادي به، والمطلوب من الجميع حوار علمي هادئ بعيد عن الأحكام المسبقة والخلفيات السياسية التي تحكم الكثير من تصرفات وأقوال السنة والشيعة في وقتنا الحاضر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك