الرحيم الغفور
- لقد ذكرت لي ذات مرة أن الأسماء الحسنى التي وردت مقترنة في خواتيم آي القرآن تأتي دائما بالترتيب ذاته عدا اسمين أو ثلاثة، لا أذكر، ما هي هذه الأسماء؟!
- الأسماء التي أتت مقترنة ولم تحافظ على ترتيبها دائما هي: (العليم الحكيم) وردت أيضا (الحكيم العليم)، و(الغفور الرحيم) وردت أيضا (الرحيم الغفور)، و(الغفور الحليم) وردت أيضا (الحليم الغفور)، وأظن أن جميع الأسماء الأخرى حافظت على ترتيب واحد لها.
- لا أشك أن تقديم اسم على آخر إنما ليناسب الآية التي ورد فيها، ولو سألت أي أحد عن صفة المغفرة لله عز وجل لقال لك نعم هو (الغفور الرحيم)، ولا أحد يذكر هذين الاسمين بالترتيب الآخر (الرحيم الغفور).
- نعم، حتى في كتاب الله (الغفور الرحيم) هما أكثر اسمين وردا مقترنين، فقد وردا إحدى وسبعين مرة في كتاب الله، أما (الرحيم الغفور) فقد وردا مرة واحدة فقط في القرآن، في أوائل سورة سبأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ-يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ} (سبأ:1-2).
- تعال نبحث عن الحكمة في تقديم (الرحيم) على (الغفور) في هذه الآية لأن جميع الآيات الأخرى التي ورد فيها (الغفور الرحيم)، بكل تصريفاتهما (غفورا رحيما)، (غفور رحيم)، تتعلق بمغفرة ذنوب العباد ورحمة الله الواسعة.
أخذ صاحبي موضعه أمام جهاز الحاسوب وبحث عن التفسير والعبرة من تقديم (الرحيم) على (الغفور) في هذه الآية فقط من كتاب الله، أخذ يقرأ يسمعني مباشرة من الشاشة.
في (التحرير والتنوير) يقول المؤلف: واعلم أن كلمتي (يلج) و(يخرج) أوضح ما يعبر به عن أحوال جميع الموجودات الأرضية بالنسبة إلى اتصالها بالأرض، وأن كلمتي (ينزل) و(يعرج) أوضح ما يعبر به عن أحوال الموجودات السماوية بالنسبة إلى اتصالها بالسماء، من كلمات اللغة التي تدل على المعاني الموضوعة للدلالة عليها دلالة مطابقية على الحقيقة دون المجاز ودون الكناية، ولذلك لم يعطف السماء على الأرض في الآية فلم يقل: يعلم ما يلج في الأرض والسماء، وما يخرج منهما، ولم يكتف بإحدى الجملتين عن الأخرى.
ولما كان من جملة أحوال ما في الأرض أعمال الناس وأحوالهم من عقائد وسير، ومما يعرج في السماء العمل الصالح والكلم الطيب أتبع ذلك بقوله : {وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ} أي الواسع الرحمة والواسع المغفرة. وهذا إجمال قصد منه حث الناس على طلب أسباب الرحمة والمغفرة المرغوب فيهما، فإن من رغب في تحصيل شيء بحث عن وسائل تحصيله وسعى إليها. وفيه تعريض بالمشركين أن يتوبوا عن الشرك فيغفر لهم ما قدموه.
وفي تفسير السعدي فصل علمه بقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} أي: من مطر, وبذر, وحيوان {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من أنواع النباتات, وأصناف الحيوانات { وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الأملاك والأرزاق والأقدار {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الملائكة والأرواح وغير ذلك.
ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها, وعلمه بأحوالها, ذكر مغفرته ورحمته لها, فقال: { وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ} أي: أن الرحمة والمغفرة وصفه, ولم تزل آثارهما تنزل على عباده كل وقت بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما.
- أحسنت يا أبا أحمد، واضح أن (الرحيم) تقدم على (الغفور) في هذه الآية فقط من كتاب الله؛ لأنه سبحانه برحمته ينزل كل النعم من السماء، وبرحمته يخرج كل النعم من الأرض للناس جميعا، مؤمنهم وكافرهم، فآثار رحمته وسعت الجميع، ثم يرغب العصاة والمذنبين بالاستغفار والتوبة حياء من الله الذي أسبغ عليهم كل هذه النعم، فهو سبحانه (الرحيم الغفور).
لاتوجد تعليقات