رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم أحمد الناشي 17 يوليو، 2010 0 تعليق

الدكتور العريفي في محاضرة عـن معجزة القرآن الكريم بـ «إحياء التراث الإسلامي»القرآن الكريم هو المعجزة العظمى الباقية على مرور الدهور والأزمان

 أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمد العريفي من المملكة العربية السعودية أن القرآن الكريم، كلام الله المنزل على محمد[ هو المعجزة العظمى الباقية على مرور الدهور والأزمان، المعجز للأولين والآخرين إلى قيام الساعة.

وقال في محاضرة له نظمتها اللجنة الثقافية بمقر إحياء التراث الإسلامي بقرطبة بالتعاون مع اللجنة الثقافية بوزارة الأوقاف: إن القرآن الكريم معجزة لا تزال تظهر يوما بعد يوم؛ قال رسول الله[ : «ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات ما على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) رواه البخاري: كتاب فضل آيات القرآن، ومسلم، كتاب الإيمان.

وليس المراد بهذا الحديث حصر معجزاته صلى الله عليه وسلم في القرآن وحده، بل المراد أن القرآن الكريم هو المعجزة التي اختص بها دون غيره؛ لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به، تحدى بها من أُرسل إليهم، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه؛ ولهذا لما كان السحر فاشياً في قوم فرعون، جاءهم موسى - عليه السلام  -بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره.

ولما كان الأطباء في غاية الظهور، جاء عيسى - عليه السلام - بما حيّر الأطباء من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وكل ذلك من جنس عملهم ولكن لم تصل إليه قدرتهم.

 فصاحة  وبلاغة

واشار الى أن القران الكريم نزل على من يدققون في اللغة ومن لديهم فصاحة في الحديث، ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة جعل الله تعالى لنبينا محمد[  معجزة القرآن الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42) .

وأكد الشيخ العريفي أن معجزة القرآن الكريم  تتميز عن سائر المعجزات؛ لأنه حجة مستمرة باقية على مر العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن الكريم فلا يزال الحجة البالغة؛ لذا قال رسول الله[: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة».

والقرآن الكريم آية بينة، معجزة من وجوه متعددة: من جهة اللفظ، ومن جهة النظم والبلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أمر بها، ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك من الوجوه الكثيرة التي ذكر كل عالم ما فتح الله عليه به.

 الإعجاز البياني والبلاغي

وقال: إن الله تعالى تحدى الكفار  بالقرآن الكريم،  مشيرا إلى أن الإعجاز القرآني في هذا الشأن هو ما اشتمل عليه من البلاغة والبيان والتركيب المعجز، الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن  ذلك؛ قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} (الإسراء:88 )، وقال تعالى: {أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} (الطور:33-34).

فلم يستطيعوا الإتيان بمثله - وأنى لهم ذلك - ولم يكونوا من الصادقين.

وتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سوره مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} (هود:13) .

وعجزوا أيضاً عن ذلك، فأفسح لهم في التحدي: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} (البقرة:23-24).

   مسيلمة الكذاب

 وتحدث العريفي عن قصة مسيلمة الكذاب، فقال: إن مسيلمة بن ثمامة، رجل من بني حنيفة اسمه مسلمة، ولكن المؤرخين المسلمين يذكرونه باسم مسيلمة؛ استحقاراً له إذ كان قد تسمى بالرحمان، فكان يقال له: رحمان اليمامة، وكان يعمل كثيراً من أعمال الدجل، وادعى النبوة في عهد النبي محمد نبي الإسلام[ .

وكان يدعي الكرامات، ويقول المسلمون: فأظهر الله كذبه ولصق به لقب الكذاب، وأراد إظهار كرامات تشبه المعجزات.

 الابيات التي ادعى مسيلمة أنها قرآن..!!

عندما ادعى "مسيلمة الكذاب" النبوة قال له أتباعه: إن محمدًا يقرأ قرآنًا يأتيه من السماء فاقرأ علينا شيئًا مما يأتيك من السماء.

فقال لهم أخزاه الله: «والطاحنات طحنا, والعاجنات عجنا, والخابزات خبزا, والثاردات ثردا, واللاقمات لقما, إهالة وسمنا.. لقد فضلتم على أهل الوبر, وما سبقكم أهل المدر.. ريفكم فامنعوه, والباغي فناوئوه».

وهذه  الكلمات كانت تقليدا لسورة الذاريات.

سورة الجماهر التي قلد فيها مسيلمة الكذاب سورة الكوثر؛ قال أخزاه الله: «إنا أعطيناك الجماهر, فصل لربك وجاهر, ان شانئك هو الكافر».

 الفصاحة  والبيان

وبين الشيخ العريفي أن سنة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يتقن قومه ويتفوقون فيه، ولما كان العرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي[ الكبرى هي: القرآن الكريم، وتحدى القرآن العرب لبيان عجزهم.

1-لقد تحدى الله العرب  - وهم أهل الفصاحة- بل العالم بالقرآن كله على رؤوس الأشهاد في كل جيل بأن يأتوا بمثله، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (الطور: 33-34).

وقال تعالى: {قُلْ لَئِن اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88). فعجزوا عن الإتيان بمثله.

2-ولما كبلهم العجز عن هذا، فلم يفعلوا ما تحداهم، جاءهم بتخفيف التحدي، فتحداهم بعشر سور، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْنْ لَمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود: 13-14).

3- ثم أرخى لهم حبل التحدي ، ووسع لهم غاية التوسعة فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، أي سورة ولو من قصار السور، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (يونس: 38).

 العلاج  بالقرآن

تم تحدث العريفي عن العلاج بالقرآن الكريم وكيف أنه يشفي من أمراض لا حصر لها، مشيرا إلى أن القرآن شفاء ورحمة وتوجيه ومنهج و فكر وشفاء للمجتمع، إضافة إلى انه يعيد الهدوء للنفس ويشفي من الأمراض بإذن الله تعالى؛ قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.

 وقال الدكتور العريفي: إن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد[ ليس فقط كتاب دين أو كتاب فقه، إنه كتاب جامع معجز، ومن بين ما جمع القرآن الكريم من علوم جمع أيضا علم الطب والشفاء، فكان حقا هدى وشفاء ورحمة كما وصفه قائله جل وعلا: {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} (يونس: 57).

وبين الشيخ العريفي أهمية قراءة القرآن الكريم وكيف يؤثر القران في القلوب: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} (الأعراف: 204 - 206). 

 قصة راهبة

وأوضح أن ترتيل القرآن حسب قواعد التجويد يساعد كثيرا على استعادة الإنسان لتوازنه النفسي، بل يشفي أيضا الأمراض الحسية،  مشيرا إلى أن كلام الله يدخل القلب، معللا ذلك بأنه رأى راهبة أثناء جولاته الدعوية في إيطاليا  وتحدث معها، ثم قرأ لها القرآن الكريم،  وقرأ لها كلام آخر وهي لا تفهم ماذا يقول، وسال الراهبة: بماذا تشعرين بعد أن سمعتي هذا الكلام؟ قالت: شعرت بأن الكلام الأول هو منزل من عند الله لأنني شعرت  بانتفاضة في القلب بمجرد أن قرأته،  أما الثاني فلم أشعر به.

وأكد أن القرآن يزيل أسباب التوتر، ويضـفي على النفس السكينة والطمأنينة، فهل ينحصر تأثير القرآن في النفوس فقط؟ إن الله تعالى يقول في سورة الإسراء: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنيـن}، إذن فالقرآن شفاء بشكل عام كما ذكرت الآية، ولكنه شفاء ودواء للمؤمنين المتدبرين لمعاني آيات الله.

 فضل القرآن

وتحدث الشيخ العريفي عن فضل القرآن الكريم ووجوب العمل به وتدبره والتحاكم إليه، قال تعلى: {ِكتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ} (ص:29)، فالعمل بالقرآن: هو تصديق أخباره، واتباعِ أحكامه، بفعل جميع ما أمر الله به، وتركِ جميعَ ما نهى الله عنه؛ ولهذا سار السلف الصالح على ذلك رضي الله عنهم، فكانوا يتعلمون القرآن، ويصدقون بأخباره، وبجميع ما جاء فيه، ويطبقون أحكامه تطبيقاً عن عقيدة راسخةٍ.

وأوضح الشيخ أن القرآن الكريم  يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، ويُقال لصاحبه يوم القيامة: «اقرأ وارتقِ ورتّل كما كُنت تُرتّل في الدنيا؛ فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها».

 هجر القرآن

وحذر الشيخ العريفي من هجر القرآن الكريم  وهجر سماعه وتلاوته؛ فقد أثنى الله عز وجل على الذين يتعاهدون كتاب ربهم بالتلاوة فقال: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } (آل عمران: 113).‏

ثم تحدث عن هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، فقال:‏ لا يجوز ترك العمل بالقرآن،؛ فإن العمل به هو المقصود الأهم والمطلوب الأعظم من إنزاله.‏

واشار أيضا إلى هجر تحكيمه والتحاكم إليه؛ لأن الله - عز وجل - أنزل  كتابه الكريم حتى يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ونهاهم سبحانه عن التحكيم أو التحاكم إلى غير القرآن؛ فالقرآن الكريم هو دستور المسلمين، وهو الحكم فيما اختلفوا فيه من أمور دينهم ودنياهم؛ فلا يجوز هجره لابتغاء الحكم في غيره.‏

 هجر تدبره وتفهمهوتعقل معانيه

‏ وأوضح أن تدبر القرآن الكريم وتعقل معانيه مطلب شرعي، دعا إليه القرآن وحثّت عليه السنة، وعمل به الصحابة والتابعون ومن بعدهم، قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} (ص: 29). وقال أيضاً: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد: 24).‏

هجر الاستشفاء به والتداوي به في أمراض القلوب والأبدان

وذكر أن هناك نصوصا كثيرة في أن القرآن الكريم شفاء؛ قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء: 82)، وقال: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} ‏ (فصلت: 44).‏

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك