رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 25 أكتوبر، 2010 0 تعليق

الدعوة للاجتماع على الحق ونبذ الفرقة والاختلاف

فقه الدعوة (21)


تحدثنا في الحلقة السابقة عن قاعدة الارتباط بالحق وعدم التعلق بالأشخاص، وأشرنا إلى أن التعلق بالأشخاص واتباع أقوالهم وآرائهم واجتهاداتهم دون نظر في مدى موافقتها للحق، مسلك خطير مخالف لهدي سلف الأمة .

القاعدة العاشرة: الدعوة للاجتماع على الحق ونبذ الفرقة والاختلاف:

من مقاصد الدعوة إلى الله عز وجل الحرص على ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الصف، والبعد عن التفرق والاختلاف والتحذير من ذلك ومنع أسباب التنازع والشتات .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا الأصل -وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وألا نتفرق - هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي [ في مواطن عامة وخاصة». (الفتاوى 22/357).

وقد دلت على هذا الأصل نصوص كثيرة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله [ ومن الآثار عن الصحابة وغيرهم؛ مما يؤكد أهمية هذا الأصل وضرورته للمجتمع المسلم في بقائه واستمراره، فمن ذلك:

1- قوله عز وجل: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.

قال ابن كثير: «أمرهم الله عز وجل في الآية الكريمة بالجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد ضمن الله لهم - أي للمسلمين - العصمة من الخطأ عند الاتفاق، وخيف عليهم الخطأ عند الافتراق والاختلاف»اهـ.

وقال القرطبي: «إن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة؛ لأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة».

2- قال عز وجل: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.

قال الشيخ ابن سعدي: «(ولا تنازعوا) تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها (فتفشلوا) أي تجبنوا (وتذهب ريحكم ) أي تنحل عزائمكم وتتفرق قوتكم ويُرفع ما وُعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله».

3- قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.

قال الشيخ ابن سعدي: «نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين، الذين جاءهم الدين بالبينات الموجب لقيامهم به واجتماعهم فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعا، ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال، وإنما صدر عن علم وقصد سيئ وبغي من بعضهم على بعض؛ ولهذا قال: {وأولئك لهم عذاب عظيم}».

4- ومن السنة المطهرة ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن النبي [ قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

قال النووي: «قوله [: «ولا تفرقوا» أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألّف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام».

5- عن ابن عباس أن النبي [ قال: «يد الله مع الجماعة» أخرجه الترمذي.

6- وعن ابن عمر عن رسول الله [ أنه قال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» أخرجه الترمذي.

7- عن النعمان بن بشير أن النبي [ قال: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» أخرجه ابن أبي عاصم في السنة وحسنه الشيخ الألباني.

8- أخرج مسلم عن جابر أن النبي [ قال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، قال القرطبي: «أي في الخلاف والشرور والعداوة والبغضاء حتى تكون من ذلك أمثال تلك الفتن العظيمة والخطوب الجسيمة».

وأما الآثار : فعن ابن مسعود أنه كان يخطب ويقول: «يأيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة»، وقال أيضا في معنى قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}، قال: «حبل الله الجماعة».  وقال علي بن أبي طالب: «اقضوا ما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي».

وقال ابن عباس في معنى قوله تعالى: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}، وقوله: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}، قال: «أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة».

وقال شيخ الإسلام: «من قواعد الدين العظيمة التي هي من جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين، فإن الله تعالى يقول: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة، وجماع السنة: طاعة الرسول [ (الفتاوى 28/51). ويقول أيضا: «ومعلوم أن ائتلاف قلوب الأمة أعظم في الدين من بعض هذه المستحبات؛ فلو تركها المرء لائتلاف القلوب كان ذلك حسنا».

ويقول أيضا: «وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة بل وفي غيرها هو التفرق والاختلاف، فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم، وإن كان بعض ذلك مغفورا لصاحبه لاجتهاده الذي يغفر فيه خطؤه أو لحسناته الماحية أو توبته أو لغير ذلك، لكن يعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام، ولهذا كان امتياز أهل النجاة عن أهل العذاب من هذه الأمة بالسنة والجماعة»(الفتاوى 22/ 356 وما بعدها) .

وهذه وصية صادقة من فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول: «يوجد في الشباب اليوم - الذين من الله عليهم بالهداية وحرصوا كل الحرص على تطبيق الشريعة - يوجد منهم شيء من التنافر على خلاف يسعهم الاختلاف فيه - لأنه محل اجتهاد والنصوص تحتمل هذا وهذا ، ولكن بعض الشباب يريد أن يكون جميع الناس تبعا لرأيه - فإن لم يتبعوا رأيه فإنه يعتبرهم على خطأ وضلال - وهذا خلاف ما كان عليه أصحاب النبي [ ومن بعدهم من الأئمة.

وأنا - القائل هو الشيخ ابن عثيمين - أقول لكم من هذا المكان: لو تدبرتم كتب الخلاف لوجدتم أن الخلاف بين العلماء كثير ، ولكن كل واحد منهم لا يضلل الآخر برأيه واجتهاده ، بل يرى أنه يجب على الإنسان أن يتبع الحق وألا يحابي فيه أحدا، نعم قل الحق ولكن ادع الناس إليه باللين والتيسير والسهولة حتى تصل إلى النتيجة»اهـ.

وقال أيضا: «ثم نقول: هل من الإنصاف أن تجعل فهمك حجة على غيرك، ولا تجعل فهم غيرك حجة عليك؟!

كم من إنسان حاقد على الإسلام، عدو للإسلام يفرح غاية الفرح أن يجد هذا التفرق في الشباب، يفرح ويتمنى من كل قلبه أن يجد هذا الشباب الذي اتجه هذا الاتجاه الحي النابض، يجده متفرقا.

إن الله عز وجل يقول: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، إنني أدعوكم أيها الشباب إلى الألفة وإلى الوحدة على دين الله عز وجل وإلى التأني في الأمور وإلى الحكمة في الدعوة، وبهذا سيكتب لكم النصر إن شاء الله تعالى؛ لأنكم ستكونون على بينة من أمركم وعلى بصيرة في دين الله» اهـ.

 فحري بالداعي إلى الله عز وجل أن يتمثل ما دلت عليه النصوص السابقة من الاجتماع على الحق والدعوة إليه والبعد عن الفرقة والاختلاف وتمزيق صفوف المسلمين وتشتيت كلمتهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك