رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

الدعـــــــوة الإســــــــــلامية.. مـــــــــــــــــا زال التضييــــــــــــق مستمــــــــــــــرا

 

 

السنوات الثلاث الأخيرة شهدت جدلا واسعا حول العودة من قبل حقوقيين ومنظمات مدنية للسماح بالحرية الكاملة لانتشار البهائية بصفة ديانة يعترف بها، ويجب احترامها واحترام من يعتنقها، حتى إنهم شككوا في حكم الشرع الإسلامي فيمن يعتنق هذه النحل من المسلمين، وهو أنه مرتد وهذا أمر صرحت به فتاوى الأزهر الشريف وبعض المحاكم المصرية منذ زمن بعيد وليس وليد اليوم.

وفي المقابل نجد أن هناك تضييقا على الدعوة الإسلامية ومحاولة محاصرة انتشارها والتذكير بمفاهيمها ومبادئها الفريدة، حتى في البلاد الإسلامية، محاربين إياها بأنه دين الحروب  والغزوات، وأن المسلمين يحاولون إكراه غير المسلمين وإجبارهم على اعتناق الدين الإسلامي، وهو محض افتراء .

إننا في هذا التحقيق نذكر ونؤكد على يسر الدين الإسلامي وسماحة دعوته، وقد اتفق عدد من علماء الأزهر الشريف في هذا التحقيق على أن الدعوة الإسلامية بالفعل تلقى تضييقا ولا تتساوى مع غيرها من الدعوات الأخرى ولا الحريات التي تتمتع بها الأفكار الباطنية والمنحرفة عن المسار الصحيح الذي رسمه الدين الإسلامي .

 

بداية يتحدث أ د. محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، مركزا حديثه على القيم والأخلاق التي حض عليها الإسلام في دعوته فيقول: الشأن في كل المبادئ وفي كل العصور أن تقابل من الكثيرين بالرفض: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، فإن الإنسان بطبيعته وبغريزته التي تتغلب على سلوكه إن لم يهذبها بضوابط شرعية وأخلاقية تدفعه بأن يضاد بكل ما هو أخلاقي.. ومن هنا يتصور أن يكون الهجوم على المبادئ الأخلاقية الإسلامية من كثير من الجهات وتتاح الفرصة للدعوات المناهضة لمن يقومون بالدعوة لمبادئ الإسلام وأخلاقياته، وتكون لهم الفرص الكبيرة في المجتمعات التي لم ترق إلى مستوى الخلق الإسلامي الرفيع، فهذا السلوك إذاً يمكن أن نعده سلوكا عاديا لا يؤثر في إيماننا بالمثل والأخلاقيات والضوابط الإسلامية التي لابد أن نرفعها دائما وندافع عنها في كل مجالات الحياة، وكم بات واضحاً أن وسائل الإعلام الآن في كل العالم يسيطر عليها العلمانيون والقلة هي التي تدافع عن المثل والأخلاقيات، وهذا شأن متبع في كل العصور، والأمر يحتاج إلى ترابط واتصالات بين أصحاب المثل والقيم حتى يكونوا جبهة ضد هذا الهجوم «التتري» الثقافي، والهدف أن نصد هذه الهجمات المغولية على الثقافة الإسلامية وعلى أخلاق المسلمين.

ويرى د. رأفت عثمان أن الدعوة الإسلامية تتعاظم في الوقت الحاضر، ولكن كما أسلفت فأن المناهضين لهم قوة كبيرة، ولكن الحمد لله لا نقول هذا تعصبا للإسلام وإنما نقوله بحسب الواقع فعلا؛ فالدعوة الإسلامية ومبادئها وقيمها لا تزال مرفوعة ولا تزال عظيمة لن يوهن من عظمتها هذا الهجوم البعيد عن كل المثل العليا والأخلاق.

ويستطرد عثمان في حديثه ليتحدث عن مجابهة من يحاولون التصدي والتضييق على الدعوة الإسلامية فيقول: المجابهة متعددة الجوانب؛ لأن العصر الذي نعيش فيه له وسائل متعددة لنشر الأفكار والثقافات، وفي البيئة الغربية بالذات يمكن للمراكز الإسلامية هناك أن تقوم بنشر الثقافة الإسلامية في الأوساط الموجودة بها هذه المراكز، وكذلك إقامة ندوات علمية تتناول المواضيع التي هي مثار اختلاف بين الثقافة الإسلامية وغيرها، ويدعى إليها كبار المفكرين من الغربيين الذين يمكن أن يخضعوا للرأي المستند إلى أدلة؛ لأن الغربيين عادة يميلون إلى الحوار العلمي وليس الحوار العاطفي، وبجانب ذلك هناك الكتب والمؤلفات التي يجب أن نهتم بها بوصفنا علماء مسلمين؛ فيجب أن تكون هذه الكتب بلغات البلاد الغربية حتى يكون لها تأثير، فإذا كان هناك كتب من علماء لا يجيدون اللغات الغربية فإن من الممكن الترجمة، والترجمة تقوم بدور كبير جدا في هذا، أيضا يجب أن تكون هناك خطوات نحو إيجاد مناهج دراسية للمسلمين والثقافة الإسلامية في البلاد الغربية، وأن يتم تصحيح ما هو موجود في المناهج الغربية من مهاجمة الإسلام وتصوره على أنه ليس رسالة سماوية وأنه من ادعاء محمد[– والعياذ بالله – فهذا كلام خاطئ علميا، وعلى الجاليات الإسلامية في الغرب أن تدرس المناهج الإسلامية ضمن المناهج الدراسية في البيئات الغربية.

 

مفتوح على مصراعيه

عندما نتحدث عن التضييق على الدعوة الإسلامية وخنقها وفتح الأبواب للدعوات الباطنية على مصراعيها بحجة الحرية على كافة الأصعدة، وأن يعتنق كل إنسان ما يريده من أفكار أو دين، فكل هذا يدعونا إلى إعادة التفكير في حركات تريد للإسلاميين أن يقوقعوا على أنفسهم ويتم إرهابهم وتخويفهم والنيل منهم حتى ينكمشوا ويتركوا الساحة لغير الإسلاميين ليرتعوا فيها بالفساد والإفساد.

بهذه الكلمات بدأت أ. د. إلهام محمد شاهين، أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر حديثها وقالت: الحرية في المعتقد هي باب مفتوح على مصراعيه للخروج من الإسلام واعتناق المسيحية أو البهائية أو العلمانية أو البوذية أو أي ملة أو معتقد، وهي حرية تجد من يحميها في الداخل والخارج، وتجد من يطالب بحمايتها قانونيا وتشريعيا ودستوريا واجتماعيا، وكذلك تجد من يرصد لها ميزانيات ضخمة للترويج لها ولتأمين القائمين عليها والمنضمين لها، وتجد أيضا من يدافع عنها إعلاميا ويهاجم معارضيها بتسخير القنوات الفضائية وبرامجها. أما حينما تكون الحرية الدينية في الاتجاه المعاكس وهي حرية الاعتقاد في الدخول في الإسلام فهنا الأمر يختلف تماما، فتجد دعاة هذه الحرية يتحولون إلى دعاة لقمع هذه الحرية وعودة الداخلين في الإسلام إلى ديانتهم أو معتقداتهم القديمة حفاظا على الأمن القومي، واتهاما للإسلاميين بأنهم أجبروا هؤلاء على الدخول في الإسلام وتكميم أفواه الإسلاميين والعلماء يدافعون عن أنفسهم أو عن المعتنقين للدين الإسلامي وعن حريتهم؛ فالحرية فقط في الخروج من الإسلام وليس الدخول فيه.

هذه هي حرية العصر، حرية العلمانيين – المزيفة – الذين يدعون إلى الحرية ويقصرونها عليهم، يبيحونها للطعن في الدين، ويحرمونها عن المدافعين عنه، يدعون إلى الحرية والسلام ثم يسيطرون على وسائل الإعلام؛ فلا تنشر إلا آراؤهم وأفكارهم حتى لا يسمع الناس إلا أقوالهم، ويزعمون أنهم يخلقون مناخا جديدا تستنشق فيه نسمات الحرية، ثم ينفثون السموم الفكرية التي تدمر مقومات الشخصية الإسلامية.

 

أيادٍ خفية

يقول أ. د. مجاهد توفيق الجندي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: لابد أن يكون هناك اتحاد، وأن يكون هناك حوار بين المسلمين أنفسهم وحوار بين العلماء، وأن يقبل كل منا الآخر، لا أن يتعصب فلان لمذهبه أو طريقته ويترك الآخر يلجأ إلى الأعداء وللآخرين الذين يريدون تعطيل الدعوة الإسلامية.

هناك أياد خفية يمدونها بالمال والسيارات الفارهة وبالأجهزة وغيره والمؤتمرات والسفريات والحياة المرفهة، وبينهم صلة خفية، وهناك ذيولهم إذا وجدوا رجلا يحكم بما أنزل الله ويتكلم فيما أنزل الله ويحارب الشائعات والآراء الأخرى أو شيئا من هذا القبيل فإنهم يحاولون تنحيته أو تهميشه بكل الطرق وبكل السبل، ويحاولون أن يضعوا له العراقيل وربما أوعزوا إلى الحكومة أو بعض الوزراء أن يقبضوا على هذا الرجل أو وضعه في السجن أو شيئا من هذا القبيل، ونجد أناسا ظلموا ووضعوا في السجون وفي المعتقلات دون أن يرتكبوا أي جريمة، ودون أن يكون لهم أي ذنب في أي شيء، ولكن هكذا يلفقون لهم التهم، وهذه مصيبة الأمة الإسلامية؛ لأن معظم الوزراء في حكومات الدول العربية والإسلامية ربوا على أيدي الاستعمار، وربوا في الخارج... وهذا سيء معروف؛ فالحكومات في الأمة الإسلامية تصنع في الخارج وترتب في الخارج، والوزير الفلاني درس عندهم الزراعة فهذا يكون وزيرا للزراعة، وهذا درس عندهم في التكنولوجيا والاتصالات فيكون وزيرا وهكذا، ليبقى هؤلاء ذيولا لهم في بلادهم.

 

شخص متلاعب

أما أ. د. القصبي زلط، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر فيقول: من مبادئ الإسلام التي أقرها أنه لا إكراه في الدين، وأن هذه الآية يستمر العمل بها إلى أن تقوم القيامة؛ فلا يصح أن يكره أحد على أن يعتنق الإسلام؛ فالإسلام كفل لأي إنسان حرية الدخول في الإسلام أو عدم الدخول فيه، والقرآن الكريم يقول: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، لكن إذا دخل الإنسان في الدين فمن وجهة نظر الإسلام لا يصح الخروج عنه بحجة حرية التدين أو حرية الفكر أو حرية العقيدة، إنه قبل أن يدخل في الدين له مطلق الحرية في أن يدخل أو لا يدخل، فإذا دخل فلا يصح أن يقال إنه يصبح حرا في أن يترك هذا الدين وأن يعتنق غيره، وهذا الشخص يعده الإسلام متلاعبا، ونضرب مثلا: أن أي انتماء إلى حزب معين إذا ما خرج الإنسان عن مبادئه وهذا الحزب له أنظمته وله أشكاله وله قواعده، فإنه يطرد من الحزب ولا يكون ضمن منظومة الحزب، فإذا كان هذا يجري في الأحزاب التي يشكلها أفراد فما بالك بالدين الإسلامي!! وقد وجه إلي سؤال أو مثل هذا السؤال وأنا في سويسرا وأنا في مركز إسلامي فقلت: إن الحرية ليست مطلقة، وإن كل حرية عليها قيود ففي لندن مثلا حديقة هايد بارك هذه الحديقة يطلق عليها المنبر الحر، فمن أي إنسان أن يقول ما يشاء، ولكن عندما يتعلق الكلام أو النقد للملكة فهذا محرم أو ممنوع يعاقب عليه القانون، وبالتالي فحرية الفكر ليس معناها أن يدخل الإنسان في أي دين آخر، وتجد كل هذا في الأديان السماوية، فالدين المسيحي له أنظمته وله قواعده، وحتى في أحكامه عندما يريد الإنسان أن يطلق فإنه لا يطلق إلا لجريمة الزنى، فإذا أراد أن يطلق بمطلق الحرية فلا يصح أن يأخذ هذا الحكم إلا بصعوبة أو لأسباب تراها الكنيسة .

ويضيف د. القصبي: وفيما يتعلق بالإسلام لا توجد لدينا إطلاقا مشكلات نفسية تجاه انتشار الإسلام أو عدم انتشاره تجاه الناس في أوروبا أو الغرب عامة، ونحن لا نحمل أحقادا ولا نجد في أنفسنا أي ضغينة لأي إنسان، والإسلام علمنا أن نتعامل مع غيرنا ووضع قاعدته في قوله سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، ولكن المشكلة في الحكومات وليست في الشعوب، والحكومات تحاول أن تصور الإسلام بأنه دين إرهاب، وأنه دين «فوبيا» وعلى هذا الأساس فكأنها تضع حجر عثرة أمام انتشار الإسلام، والإسلام ينتشر بذاتيته وليس بجهود المسلمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك