رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 17 أغسطس، 2023 0 تعليق

الحرب ليست همجية ولا قتالاً مُجرّدًا من كل خلق وفضيلة – موقف الإسلا م من الحروب

الحرب في الإسلام ليست همجية ولا عدوانًا سافرًا ولا قتالاً مُجرّدًا من كل خلق وفضيلة؛ فشريعة الإسلام لم تكن غايتها -في يوم من الأيام- سفك الدماء ولا الدعوة إلى الحرب من أجل الحرب، ولم تستهدف -في يوم- إهلاك الخَلق ولا إبادة البشر، بل هي رسالة رحمة ورأفة ورسالة إنقاذ للبشرية لتخليصها من الظلم والبغي والعدوان، ورسالة سِلم وأمن وأمان؛ فالإسلام رسالة عالمية مُهمته السامية أن تكون كلمة الله هي العُليا، وألا يُعبَد إلا الله وحده في سائر بقاع الأرض، وأن يعمّ الأمن والأمان والعدل والرخاء في كل بقاع الأرض، والحرب في الإسلام ما هي إلا ضرورة واستثناء.

  ولا شك أن عالمنا المعاصر يشهد العديد من النزاعات المسلحة، بما في ذلك النزاعات التي تنخرط فيها أطراف متحاربة داخل الدولة الواحدة، فضلاً عن النزاعات المسلحة الدولية، ولقد ألحقت هذه النزاعات الضرر بملايين البشر بطرائق لا حصر لها، بما في ذلك قتل المدنيين، وترك الناجين مصابين أو مشوهين، أو معرضبن للتعذيب، أو الاغتصاب، أو التهجير القسري، أو الإساءة على نحو خطير، وبحلول نهاية 2019، كان 79٫5 مليون شخص قد نزحوا قسريا في مختلف أنحاء العالم؛ بسبب الصراع المسلح، وهو أكبر عدد سُجل على الإطلاق.
  • أولاً: موقف الإسلام من الحروب
أخذت الشريعة الإسلاميَّة بالسُبل كافة لمنع وقوع الحرب لحَقن دماء الجميع من المدنيين والمُحاربين (من الجانبين)؛ فأوصت بقبول كل الشروط التي يعرضها المُخالفون ما دامت تؤدّي إلى صون الحُرمات وحُسن العلاقات بين الجانبين، ومن أمثلة هذا المسلك تلك المُعاهدة التي وقّعها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مع قُريش في عام الحديبية، وأوجب – صلى الله عليه وسلم-  على المسلمين تنفيذها بدقّة وأمانة؛ حيث قال الله -تعالى-: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4).  

دخول الحرب ضرورة

      كما أن دخول الحرب ضرورة، وضعت لها الشريعة الإسلاميَّة من القيود والضوابط والآداب ما لم تعرفه حرب في التاريخ، فقد نهى الإسلام عن مُقاتلة مَن لا يُقاتل، وكذلك عدم مُقاتلة مَن ألقى السلاح؛ فالشريعة الإسلاميَّة قد فرّقت بوضوح بين المُقاتلين وغير المُقاتلين، بل إنها لم تُبِح توجيه أعمال القتال لكل المُعتدين، وإنما قيّدته بعدم توجيه أعماله إلا إلى المُحاربين منهم فقط، كما أوجب الإسلام الحماية على كل المُستضعَفين من النساء والوِلدان والشيوخ والمسالمين، بل وأوجب عدم التفرِقة بين الأطفال وأمّهاتهم وحمايتهم من القتل والفتك والتشريد، وذلك اتّباعا لسُنّة رسول الله محمّد  – صلى الله عليه وسلم-  والمُتمثّلة في قاعدة مؤدّاها (ألاَّ يُقاتَل غير المُقاتِل).

النهي عن التخريب والدمار

       كما حثّ الإسلام أتباعه على عدم المساس بأماكن العبادة وعدم هدم الصوامع والبيَع، كما نهى عن الاعتداء على الأعيان المدنية وتخريبها، ونهى عن قطع الأشجار المُثمرة والنخل وعدم تخريب كل عامر وعدم عقر الشياه والأبقار؛ فالإسلام أنكر حروب التخريب والتدمير؛ حيث قال الله -تعالى-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص 83).  

الأخوّة الإنسانيَّة

     إن مبادئ الشريعة الإسلاميَّة أرسَت الأخوّة الإنسانية في هذا العالم، وذلك بألا يتجاوز المسلمون في أثناء النِزاعات المُسلّحة الضرورة العسكرية، وأن يعاملوا خصومهم أيًّا كانوا معاملة إنسانية، وأن يوفّروا الحماية اللازمة للمدنيين وأعيانهم المدنية.  
  • ثانيًا: النتائج الكارثية للحروب
للحروب -عبر التاريخ- نتائج كارثية؛ فالمنتصر فيها يتضرر قبل المهزوم، فالحرب العالمية الأولى أدَّت إلى نتائج كارثية؛ من حيث الخسائر المادية والبشرية للدول المتنازعة؛ فقد قُتل في هذه الحرب ما يقارب من عشرة ملايين جندي، وجُرح ما يزيد على عشرين مليون جندي أيضًا، وفُقد من العسكريين أكثر من سبعة ملايين جندي، أمَّا من الناحية المادية فخسائر الحرب العالمية الأولى كانت على الأراضي التي وقعت فيها الحروب والنزاعات، فضلا عن المدن التي تعرَّضت للتدمير الوحشي الأعمى، كما تعرَّضت شبكات السكك الحديدية إلى أضرار كبيرة، ودُمر عدد كبير من المصانع الحربية والمدنية، فكانت تكلفة إعادة الإعمار باهظة الثمن بعد الحرب، وفي الحرب العالمية الثانية دُمّرت مدن بل دول بأكملها، وبحسب بعض التقديرات وصل عدد القتلى إلى حوالي 80 مليون قتيل من المدنيين والعسكريين، وأضعافهم من الجرحى والمشردين، وخرج الناس بإعاقات لازمتهم طيلة حياتهم.

آثار بعيدة المدى

      والملفت للنظر أن كل هذه النتائج المادية يمكن إحصاؤها وتقييمها، وعلاجها أو على الأقل إعادة استيعاب المتضررين بسببها، ولكن في المقابل هناك آثار خطيرة لتلك الحروب لا يمكن إحصاؤها ودراستها بسهولة، فهي غير واضحة للجميع، وهي الآثار النفسية لتلك الحروب التي لا يلاحظها ولا يتفطن لها إلا الدارسون والناظرون بعين البصيرة إلى الحروب وآثارها، ففي كل الحروب تستباح الحرمات، وتتجاوز الأطراف المتصارعة كل الخطوط الحمراء، ويرتكب من الجرائم الجسدية والجنسية، وما إلى ذلك ما يشيب له الولدان، وتقشعر منها الأبدان، كما تبرز المشكلات والأمراض النفسية بعد كل حرب؛ بسبب ما نسميه الصدمات النفسية، وهي حالة من الضغط النفسي ذات مصدر خارجي، تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل، وهي -في الغالب- نتيجة تعرض الإنسان لخطر مفاجئ، أو رؤية مشهد مفزع، أو سماع خبر مفجع، ولهذا السبب يمنع مشاهدة المقاطع الصادمة في الأفلام كالقتل ومشاهد التفجير... وإلخ، فكيف بمن رآها ماثلة أمام عينيه؟  

آثار حرب الخليج

     ظلت المنطقة العربية تعاني لنحو عقد من الزمن بعد الغزو العراقي الغاشم على الكويت، وما تبعه من حرب الخليج الأولى والثانية؛ حيث فاقت تكلفة تلك الحروب وتبعاتها تريليونات الدولارات، فعلى سبيل المثال قدرت خسائر الحرب نتيجة دمار آبار النفط وخطوط الأنابيب ووسائل الاتصالات والطرق والمباني والمصانع للكويت بقيمة 160 مليار، وأشارت تقارير عدة إلى «أن دول الخليج تكفلت بانفاق 84 مليار دولار، لتحرير الكويت، تحملت السعودية القدر الأكبر منها، «كما دعمت السعودية والكويت، ومعهما -إلى حد ما- بقية دول الخليج، 51 مليار دولار لدعم 600 ألف من قوات دول التحالف في الفترة من أغسطس 1990 إلى مارس 1991، فضلا عن إنشاء ممرات طائرات وبناء معسكرات».  

تأثير الحرب على الأسرة العربية

      وقال باحثون -شاركوا مؤتمرا بعنوان: (تأثير الحروب والصراعات على الأسر العربية) الذي نظمه معهد الدوحة الدولي للأسرة قبل فترة-: إن الحروب التي شهدتها المنطقة العربية منذ الغزو العراقي للكويت إلى الصراعات الدائرة اليوم في سوريا واليمن وليبيا والعراق، فاقمت حجم التحديات وخلقت مشكلات لا يمكن معالجتها على المدى القصير، وساهمت في تدمير النسيج الاجتماعي.  

دمار وصعوبات

      وتقول الدكتورة (صوفيا بانديا) -من جامعة (لونغ بيتش) بولاية كاليفورنيا والمشاركة في المؤتمر-: إن النسيج الاجتماعي في البلدان العربية دمر -إلى حد كبير-؛ بسبب فرار الملايين من بلدانهم الأصلية، ونقلت بانديا -عن سيدة يمنية قولها بعد مغادرة بلادها إثر قصف استهدف منزلها-: «ليس هناك يمن نعود إليه»، موضحة أن الحزن والألم مشاعر تظل ترافق المهجرين وهي ترمز إلى حجم الدمار الذي حل بالمجتمع.  

آثار الحـروب المدمرة على الأطفال

        تتسبب النزاعات المعاصرة في آثار مدمرة على الأطفال الذين يتعرضون للقتل أو التشويه أو يسجنون أو يجنّدون في صفوف القوات أو الجماعات المسلحة، أو يقعون ضحية الاعتداء الجنسي، أو الاستغلال أو الاتجار بهم، وتمزق النزاعات شمل العائلات، وتترك الآلاف من الأطفال وحيدين لإعالة أنفسهم وأشقائهم، ويحتاج الأطفال إلى الرعاية والحماية التي يؤمنهما العيش داخل أسرتهم ومجتمعهم المحلي، وحين ينفصل الأطفال عن عائلاتهم يصبحون عرضة لأشد المخاطر، مثل الإهمال أو الاستغلال أو سوء المعاملة أو التبني غير المشروع أو الاتجار بهم، ويظل بقاء الرضع والأطفال الصغار محفوفاً بالمخاطر، في حين تعد الفتيات أكثر عرضة للاعتداء الجنسي والزواج المبكر.  

الأطفال أكثر ضحايا الألغام

        وغالبًا ما تترك الألغام الأرضية والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار إرثاً خفيا ولكنه إرث قاتل، ويكون تهديدًا في أكثر من 70 بلدًا، والغالبية الساحقة من ضحايا مخلفات الحرب القابلة للانفجار هم من المدنيين، وتشير التقديرات إلى أن حوالي الثلث من ضحايا الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار في أنحاء العالم هم من الأطفال.  

آثار الحـروب المدمرة على النساء

     نسبة 90 في المئة من ضحايا الحروب هم من المدنيين، وجل هؤلاء نساء وأطفال؛ إذ يجري تعذيب النساء والفتيات خلال فترات الحروب وجرحهن وإعاقتهن وقتلهن، ويُشردن من منازلهن ويحرمن من الطعام ومن موارد أخرى، وقد يجبرن على الالتحاق بتلك الحروب، تماما كما هو الحال بالنسبة للذكور، وفي كثير من الصراعات المسلحة يجري اغتصاب النساء والبنات بوصفه تكتيكا حربيا، كما أن مشاهدتهن لأعمال العنف، ومقتل الأحباء أمام أعينهن، وفقدان الممتلكات، أمور تحدث صدمة شديدة بالنسبة لهن، كما أن التداعيات النفسية والآثار البدنية لمثل هذه المحن يمكن أن تستمر لفترات طويلة بعد انتهاء الحرب.

أضرار جسيمة ودائمة

     كما أن تداعيات الصراعات المسلحة وأثرها على النساء والفتيات تتفاقم بفعل ضعفهن الاجتماعي، كما أن الضرر الذي يلحق بهن لا يستهان به، فقد بينت بحوث أن انهيار المنظومة الاجتماعية يؤثر على النساء بطريقة أكثر سلبية منه على الرجال، والعدو ينظر إلى النساء بوصفهن أهدافا رئيسة ويستغللن بسبب المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقهن بوصفهن أمهات، وغالبًا ما يلجأ العدو للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري وتجارة البشر لغرض إضعاف أية مقاومة تعترض طريقه.  
  • حروب المسلمين
لم تكن حروب المسلِمين حروبَ استِعْمار، أو استِنْزاف، أو اعتِداء، أو استيطان، أو تدْمير شامل، أو تفْجيرات إرهابيَّة، بل كانت بشارةً بدين الإسلام، دين الفضيلة والعدْل، دين التَّسامُح والرَّحمة، هذه الخِصال الَّتي لا مناص للنَّاس من أن يقبلوها ويفرحوا بها، فإن عارضوها وحاربوها، فلابدَّ حينئذٍ من المواجهة، قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).    
  • حرص الإسلام على السِّلْم
لحرص الإسلام على السِّلْم جاءت آية الأنفال آمرة بالجنوح له كلما جنح له العدو؛ حتى لا يُسبق المسلمون إلى فضيلة، والإسلام يأمر بالوفاء لذاته، ويجعله من آيات الإيمان، وينهى عن الغدر، ويجعله شعبة من النفاق، ويأمر بالوفاء حتى في الحرب التي هي مظنة الترخيص في الأخلاق، والتساهل في الفضائل، يقول -تعالى-: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (النحل: 91)، ويقول في وجوب انتصار المسلم للمسلم: {إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (الأنفال: 72)، ويقول: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال:58).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك