رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى صلاح خلف 25 يوليو، 2010 0 تعليق

التقارير الإسبانية تعترف بسوء معاملة المسلمين العمال المسلمون في إسبانيا.. عبوديــة مقنعة أم انتقام من مجـد الماضي؟!

 

 

أحوال المسلمين في إسبانيا  لا تخفى على المدقق والعابر، ولا تحتاج إلى شرح أو تفصيل حتى تصل إلى حق بلا عوج يوضح مأساة العمال المسلمين المتجرعين كؤوس الفقر والإهمال، فهل هي عبودية مقنعة وعنصرية جلية واضحة؟ أم إنه حساب على مجد الماضي وقت أن كانت الأندلس إسلامية.

والمسلمون في إسبانيا أو «الموريسكيون» كما هي تسميتهم في اللغة الإسبانية وتعني «المسلمين المغاربة»، يشكلون ظاهرة برأي جميع المتخصصين؛ لأنهم يشكلون لدى الإسبان عودة وليس هجرة.

فالمسلمون الذين يركبون اليوم قوارب قد تسوقهم إلى الموت أملا في الحياة كانوا قد ركبوا منذ أكثر من خمسة قرون قوارب الحياة هربا من الموت الذي تبنته محاكم التفتيش الظالمة لإبادة المسلمين في ذلك الوقت.

فبعد سقوط غرناطة آخر الإمارات الإسلامية في الأندلس سنة 1492م تم تجريد المسلمين الأندلسيين من ثرواتهم وأملاكهم ليصبحوا بعدها الأفقر وكانوا قبلها الحكام الأثرياء!

وفي وقتنا الحالي ولاسيما في الأيام القليلة الماضية لم يكتف المجتمع الإسباني بحالة الفقر والضعف وتاريخ الظلم الذي عاناه ومازل يعانيه مسلمو إسبانيا، بل يريدون طردهم والضغط عليهم لتهجيرهم دون ذنب سوى أنهم مسلمون.

 

 

 

المسلمون لا يشكلون خطراً

ولم يبلغ المسلمون المهاجرون إلى إسبانيا الحد الذي يهددون معه طبيعة المجتمع الإسباني؛ لأن الأجانب عموماً لا يتجاوزون 2٪ من مجموع سكان البلاد، أي ما يقل عن مليون نسمة.

وطبقاً لما ذكره رئيس جمعية العمال المغاربة في إسبانيا فإن 95٪ من مسلمي إسبانيا من فئة العمال الفقراء، وهجرتهم مرتبطة بحاجة الاقتصاد الإسباني إلى اليد العاملة الأجنبية، والمسلمون المهاجرون في حاجة إلى المال من ضيق العيش، وهذه الفئة لا تشكل خطراً قط على المجتمع الإسباني، ولاسيما أن هدف المسلمين المهاجرين هو إيجاد عمل والحصول على لقمة العيش التي يتعثرون كي يصلوا إليها، و5٪ منهم طلاب هدفهم الدراسة، فماذا جنى المسلمون الإسبان كي يحاسبوا على مجد أجدادهم أو يحاسبوا على فقرهم وكدهم، بل الأحرى أنهم يحاسبون على دينهم!

 

إنهم يقطعون يد الجائع

وبالرغم من  الطفرة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها إسبانيا وارتفاع مستوى الدخل لدى الإسبان حتى دخلت إسبانيا دول الرفاهية، إلا أن أخلاق الإسبانيين وعقليتهم ظلت حاقدة في نظرتهم للعرب والمسلمين، فقد ورث المجتمع الإسباني الديمقراطي الدكتاتورية ولكن ضد المسلمين فقط.

والتاريخ المعاصر مليء بأحداث الحقد والازدراء والكراهية منهم ضد المسلمين، وقد شكلت الأحداث العنصرية في بلدة «إيل إيخيدو» الأندلسية في بداية سنة 2000م مثلاً صارخاً شاهداً على عدم تأثير الحداثة والنقلة الاقتصادية والاجتماعية الهائلة في المجتمع الإسباني بشأن النظرة القاسية ونظرة الكراهية من قبل معظم الإسبان للمسلمين بشكل عام، فوق هذه الأحداث المؤسفة عاش ما يقرب من 45 ألف مسلم جحيم الاضطهاد الذي قارب زمن محاكم التفتيش التي قام بها أجداد هؤلاء الإسبان، حيث حوصر المهاجرون المسلمون في شعاب البلدة الإسبانية وقتل وجرح الكثير منهم، ونهبت ممتلكاتهم الهزيلة، وأفسح الإعلام الإسباني وقوات الأمن المجال للعنصريين لإبادة المسلمين وتحقيق أهدافهم، أهذه الحرية والديموقراطية أم هي قطع يد الجائع؟!

 

إنها عبودية مقنعة

لقد كشفت أحداث العنصرية الإسبانية ضد المسلمين للرأي العام الأوروبي والعالمي، سواء في الماضي أم أحداث الحاضر العنصرية الإسبانية التي لم يخلص منها أفراد المجتمع الإسباني كذلك، كشفت عن الأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشها ويحيا فيها ألاف العمال المسلمين ولاسيما الذين يعيشون في ولاية الأندلس الجنوبية التي هي أفقر ولايات إسبانيا على الإطلاق طبقاً للتقارير الاقتصادية الصادرة عن الحكومة الإسبانية نفسها، والتي وصفت حياة المسلمين في تلك الولاية بأنها غاية في السوء؛ حيث وصلت إلى افتقاد الماء الصالح للشرب والسكن اللائق بحياة آدمية، وكذلك الرعاية الطبية ومظلة التأمين الصحي الذي يغطي جميع أنحاء إسبانيا، فلماذا هؤلاء؟!

كما كشف التقرير الرسمي عن الحكومة الإسبانية أن نحو 100 ألف عامل مسلم يعملون في منطقة (كوستاديل سول) ضمن شروط عمل قاسية ودون عقود عمل ودون مراعاة لأي حق من حقوق الإنسان التي يتغنى بها الإسبانيون ولا يطبقونها إلا لمصلحة أنفسهم، أم إنهم يرون أن هؤلاء المسلمين ليسوا بشراً لهم أبسط حقوق الإنسان؟!

أليست هذه عبودية مقنعة وتجارة رقيق تحدث في قرننا هذا، وفي عامنا هذا من مجتمعات تدّعي أنها «تقدّس» حقوق البشر?!

 

جميع الخيارات مطروحة

وما تزال آفاق التوقع بمستقبل المسلمين في إسبانيا غائمة، ولا يستطيع أحد التكهن بمستقبل الوجود الإسلامي في إسبانيا؛ وذلك لأن حداثة الصراع الحالي والحملة الآنية ضد مسلمي إسبانيا الآن تجعل جميع الخيارات مطروحة فيما قد يحدث مستقبلاً، وفيما يرى بعض الناس أن الفقر الشديد الذي يعيش فيه غالبية أبناء الأقلية المسلمة من العمال المسلمين هو أكبر المعوقات التي تواجه وجودهم في إسبانيا وتطورهم ليصلوا إلى حياة كريمة في شبة الجزيرة الأيبيرية؛ باعتبار أن المال هو قوام العمل والأعمال والتقدم والتطور الاقتصادي في أي مجتمع، إلا أن المدقق في الأحداث المعاصرة يرى أن وجود المسلمين الأن مختلف عن سابقه؛ لأن المسلمين القدامى أجبروا من قبل محاكم التفتيش والقتل والتعذيب والنهب على ترك بلادهم، أما المسلمون الجدد فلن تضطرهم الظروف المعيشية مهما كانت قسوتها إلى ترك بلادهم فهدفهم هو  البقاء.

 

وبارقة الأمل الوحيدة لإخواننا المسلمين في إسبانيا تكمن في أن تأثير المسلمين الاقتصادي والاجتماعي على الرغم من شدة فقرهم في ولاية الأندلس أصبح غير قابل للإلغاء أو التجاهل؛ ففي كثير من المدن كإشبيلية وقرطبة وغرناطة ومالقة عادت الكثير من مظاهر الحياة الإسلامية إلى الظهور بعد قهر خمسة قرون، وعاد بمقدور المسلمين الإسبان على الأقل الإعلان عن عقيدتهم والذهاب إلى مساجدهم دون ملاحقة رهبان الكنيسة؛ بفضل ثباتهم وتمسكهم بدينهم، ولا بد أن يكون للمجتمع الدولي دور في في رعاية هؤلاء من بطش المجتمع الإسباني الذي يتخلى عن جميع الديموقراطية وحقوق الإنسان في معاملة الأقلية المسلمة في إسبانيا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك