رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: راشد سعد العليمي 19 يوليو، 2010 0 تعليق

التقاء القلوب قبل المصالح (حوار قبل الانتخاب) (2-2)

مع اقتراب موعد انتقاء مجموعة تمثل الأمة في تشريع القوانين النافعة لهم في شؤون حياتهم، وتضبط سير العملية التنموية، وتراقب مجريات الأمور في البلد مع السلطة التنفيذية؛ حري بنا أن نلتفت إلى بعض الإشارات المهمة ونقدم جملة من الآمال التي تترقب النفس إليها مع خوض الناس غمار هذا المعترك الذي قد تزل فيه أقدام بعض الناس من جهة ما يغضب الله، ونيته تسعى إلى الخير والصلاح من باب الجهل بمصالح الأمور وفقه الواقع من جهة المصالح والمفاسد .

وهذه العملية المهمة في تاريخ البلد يشترك فيها ثلاثة أصناف من الناس تحت مسميات عامة ينضوون تحت لوائها: المرشح، والناخب، وهناك الوسيط بينهما وهو المفتاح الانتخابي، وفي هذه الرسالة نقدم لكل طرف مجموعة من التوجيهات النافعة – بإذن الله- ليكون الجميع على بينة وبصيرة، ونستكمل ما بدأناه من التوجيهات في الحلقة السابقة :

 

 

 

ثانياً - المفتاح الانتخابي :

 

هذا هو الوسيط الفعال في العملية الانتخابية وله الدور المؤثر البارز، وقد يكون أقوى تأثيرا لنجاح المرشح من الناخبين؛ لما يمتلكه من عناصر تجعله يتحكم في توجيه العملية التنافسية لصالح مرشحه .

ومع هذه التأثيرات المتميزة التي يمتلكها بعض المفاتيح نوجه لهم هذه المجموعة من التوجيهات:

1/ المال أو الاقتناع والصلاحية:

بعض المفاتيح لم يتعلق بمرشحه إلا من بعد اتفاقه معه على أخذ نصيب من المال نظير جهده في إدارة دفة الانتخابات، لكن هناك من بذل من جهده لمرشحه لاقتناعه بصلاحه وجودة رأيه وأهمية تواجده تحت قبة البرلمان ليشرع القوانين النافعة للبلد .

لكن ليحذر المفتاح الانتخابي (رجلا أو امرأة) أن يكون سبب تعلقه بهذا المرشح لأجل لعاعة من الدنيا يصيبها، وعرض زائل يتشبث به، إن أعطي رضي وعمل وجدّ لمرشحه، وإن بخلوا عنه من المال حرمهم من نصحه واقتناعه بهم، وهذا له مثل في زمن النبوة قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}، فهم يلحقون المال أينما تولى كانوا معه .

فليحذر المفتاح الانتخابي أن يكون مفتاحا يتعلق بالدنيا وينصح الناس بالتصويت لمرشحه من أجل أنه تم ملء قلبه من وسخ الدنيا.

2/ حذار من شهادة الزور:

ومما يتعلق بما سبق، أن تكون التزكية على صلاح وكفاءة المرشح بشهادة زور وكذب وغش للناس؛ لأن المفتاح الانتخابي قد تم ملء فمه من المال الذي جعل شهادته في صالح المرشح الخادع البعيد عن الأمانة لتولي منصب النصح والتشريع للأمة؛ قال تعالى: {وإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.

3/ رضا الله قبل العائلة أو القبيلة:

من يريد أن يكون مفتاحا انتخابيا ليسأل نفسه: هل المرشح الذي أعمل معه على قدر من الأمانة والكفاءة والخلق في سبيل أن أكون معه؟ أم إن القضية تتعلق بقضية نصرة القبيلة والعائلة والجار؟

ليتق الله ذاك المفتاح الانتخابي من جريه وراء مرشح بعيد عن تقوى الله، وسيرته معلومة للعيان وخصوصا لأقاربه قبل الترشيح، وتعلق به فقط من باب القرابة، فليتذكر أن رضا الله أوجب عليه من (فزعة) الأهل والقرابة، وليتذكر هذه الوصية: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ ] إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلا تُكْثِرِي عَلَيَّ. فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ[ يَقُولُ: «مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ». رواه الترمذي.

4/ انصر أخاك ظالما أو مظلوما:

علمنا ديننا أن المسلم أخو المسلم، يقوم بأمره ويرعى أحواله ويعينه في نوائب الأمور، وينصره متى ما طلب ذلك منه، عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ] قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، وهذه النصرة تم تحديدها في تتمة الحديث أن تكون بما يرضي الله وبما ترجع له حقه ولا تتعدى على حقوق الناس، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ[: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». رواه البخاري، أي تكفّه عن الشر وظلم الناس، وعن الوقوع في الخطأ .

فهل سيحرص المفتاح الانتخابي على نصح مرشحه عن الظلم والغش وتقديم الوعود الزائفة، فإن لم يكف عن ذلك تركه وابتعد عنه، أم أنه ما زال متمسكا به لأن حبل القرابة منعقد في عنقه بعقدة أقوى من عقدة الشرع ؟!

ثالثاً - الناخب:

الطرف الثالث في هذه الرسالة هو الناخب، وهو المحور الرئيسي في العملية الانتخابية، وإليه يتوجه النظر والاهتمام؛ ولذا نتوجه إليه بهذه التوجيهات:

1/ ما صفات المرشح؟

من الأسئلة المهمة التي يجب أن يجعلها أمامه الناخب، هذا السؤال المهم: ما صفات المرشح الذي أريد تزكيته بشهادتي ليتحمل المسؤولية في مجلس الأمة؟

هل هو ذاك الأمين الكفء والمتخصص في علمه، والذي شهد له أهل الحل والعقد برجاحة أمره وسديد قوله، وعرفناه سابقا بحسن تعامله وأمره فيما بيننا؟

أم هو ذاك القريب والصديق الذي أعطيناه أمانة الصوت وهو ليس بأهل لهذه التزكية ونعلم من سابق عهدنا به عن أخلاقه وضحالة علمه، لكن جاء ترشيحه رغما عنا، ثم أرغمنا على تزكيته من باب المحبة أو الجوار أو القرابة القبلية التي هي غُل يطوق العنق ولا نستطيع فكه منها؟!

 

 

 

 

 

2/ طاعة الرحمن قبل رضا الأهل والخلان .

ليتذكر الناخب أن أمامه مسؤولية جسيمة لها تبعاتها الكثيرة ألا وهي الاختيار بما يرضي الله لذاك الأمين صاحب الخلق والتعامل المبارك مع ربه ثم مع الناس، وليس وفق معايير دنيوية أو عائلية أو قبليه .

وللحسرة أننا نجد ذاك الشاب المتدين أو إمام المسجد أو خريج كلية الشريعة، نراه أو نسمع عنه أنه يقدم رضا أهله والمكاسب القبلية قبل رضا الرحمن، ويختار ذاك المرشح الجاهل بأعباء هذه الأمانة، أو السيئ في خلقه وسلوكياته لكن اضطر إلى التصويت له لأن القبيلة بعد (التشاور) استقر الرأي عليه، فسار خلف رأيهم خشية أن يأتي عليه العتب أو النبذ من العائلة، وخضع لرأيهم الدنيوي أمام النظرة الشرعية الصريحة التي هو على علم بها ويحفظ النصوص الشرعية الدالة عليها، والحذر مما جاء في قول النبي[: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».

3/ حذار من القسم (الحلف) على باطل:

قد يتورط بعض الناخبين في قضية القسم على إعطاء مرشح الأهل أو القبيلة، مما يجعله في موقف محرج له، وهناك من يربطونه بالقسم بأغلظ الأيمان حين يعطونه شيئا من المال في سبيل ألا ينفك عن هذا العهد.

وعلى المسلم أن يتذكر قول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}.

ومن الناخبين من جعل اليمين (القسم) سبيلا إلى جني الأموال من المرشحين من باب القسم على أن يعطيه الصوت، ويكون كاذبا، لكنني أذكرهم بقوله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا} أي خديعة وفسادا، {بَيْنَكُمْ} فتغرون بها الناس، فيسكنون إلى أيمانكم، ويأمنون، ثم تنقضونها، { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتهلكوا بعدما كنتم آمنين، ثم قال تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يعني: لا تنقضوا عهودكم، تطلبون بنقضها عرضا قليلا من الدنيا، ولكن أوفوا بها { إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ} من الثواب لكم على الوفاء، {خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فضل ما بين العوضين، ثم بين ذلك فقال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} أي: الدنيا وما فيها يفنى، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.

4/ لا يعلم سرّك إلا الله:

ليتذكر الناخب أن اختياره للمرشح أمر سيسأله عنه ربه يوم القيامة، وهي أمانة كبيرة لا يعلمها إلا الله؛ فليحرص الناخب على أن يؤدي هذه الأمانة كما يحبها الله وبما أمره به نبيه[؛ لأنه يوم القيامة لن يجيب عن سبب اختياره لهذا المرشح أو ذاك إلا هو، فليعد للسؤال جوابا، وعليه أن يكون صوابا .

5/ إرشاد الزوجة إلى الخير:

على الرجل أن يرشد أهل بيته إلى الاختيار الموفق، الذي يجعلهم في براءة من الوقوع في الزلل أو الخطل، ويبين لهم سبب اختياره لأي مرشح؛ ليكونوا على تعليم مبارك موافق للشرع الكريم.

6/ الاختيار وفق المعطيات الدنيوية:

أصبح الاختيار عند بعض الناس لمرشحيهم هو وفق منظومة: ماذا قدم لي هذا المرشح، وبماذا خدمني، وهل أنجز لي المعاملة التي تقدمت بها إليه؟ أو وفق شعار «من يعطي أكثر فله الصوت أسبق» وهو شعار يرفعه ويتمسك به طائفة من الناخبين رجالا ونساء، وهذا يذكرني بقوله تعالى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ[ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ». رواه البخاري.

7/ لا خير في المرشحين:

هذه مقولة تعلق بها طائفة من الناخبين بعد ما عاينوا تلك الممارسات الغريبة من بعض أعضاء المجلس، حين لجئوا إلى الصراخ وكثرة النداء بالاستجوابات، فتعلقوا بكلمة مؤلمة: «لا خير في أعضاء مجلس الأمة»، لكن لنحذر من التعلق بهذه المقولة أنها ستفتح علينا أبوابا من الشر لا يعلمها أخطارها إلا الله سبحانه، ومن يسر الله له فهم ماذا ستنطوي عليه من نتائج فادحة مستقبلا سيعلم شر هذه المقولة اليائسة.

إذ إن في تقاعس طائفة من الناس عن التصويت للمرشح الكفء الناصح لأمته، صاحب الدين والخلق أو الجدير والمستحق؛ سبيلا لبلوغ طائفة قد أضمرت النية السيئة، أو تسعى لبث الفكر الخادع الذي سيجعل البلاد تدخل في دوامات مريرة من الشقاق والتراجع عن المأمول تحقيقه من خير للناس جميعا .

وختاما لنتذكر قوله تعالى:  {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

كانت تلك جملة من النصائح التي أراها مهمة في البيان والتذكير لنا جميعا، ونحن مقبلون على مرحلة من الاختيار نشترك جميعا في التعاون على المضي فيها بما لا يخالف شرعنا، نسال الله أن يوفقنا جميعا إلى انتقاء مصيب من المرشحين لما فيه خير للبلاد والعباد بما يرضي الله سبحانه وتعالى .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك