رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: راشد سعد العليمي 18 يوليو، 2010 0 تعليق

التقاء القلوب قبل المصالح (حوار قبل الانتخاب)

 

مع اقتراب موعد انتقاء مجموعة تمثل الأمة في تشريع القوانين النافعة لهم في شؤون حياتهم، وتضبط سير العملية التنموية، وتراقب مجريات الأمور في البلد مع السلطة التنفيذية؛ حري بنا أن نلتفت إلى بعض الإشارات المهمة ونقدم جملة من الآمال التي تترقب النفس إليها مع خوض الناس غمار هذا المعترك الذي قد تزل فيه أقدام بعض الناس من جهة ما يغضب الله، ونيته تسعى إلى الخير والصلاح من باب الجهل بمصالح الأمور وفقه الواقع من جهة المصالح والمفاسد .

وهذه العملية المهمة في تاريخ البلد يشترك فيها ثلاثة أصناف من الناس تحت مسميات عامة ينضوون تحت لوائها: المرشح، والناخب، وهناك الوسيط بينهما وهو المفتاح الانتخابي، وفي هذه الرسالة نقدم لكل طرف مجموعة من التوجيهات النافعة – بإذن الله- ليكون الجميع على بينة وبصيرة، وقبل هذه التوجيهات أذكر بالآتي :

 

1/ الانتخابات وسيلة وليست غاية:

هذه قضية مهمة ينبغي أن تتأصل في نفوسنا، وتنغرس في أفهامنا من أن الانتخابات ليست مطمحا عظيما، أو أمنية وغاية عظمى في حياتنا نحرص عليها كحرصنا على ضروريات الحياة، ونصرف لها جميع طاقاتنا في سبيل الظفر بها، وقد نتقاتل لبلوغها بشتى الوسائل، ونبذل لأجلها أرواحنا، لكنها وسيلة من وسائل الحفاظ على حال الأمة ومقدراتها، وسبيل لبلوغ الخير وما يحبه الله من هذا الطريق، والمشاركة فيها إنما جاءت من باب إيصال مجموعة من الناس تحرص على نشر الخير، وتسعى إلى تثبيت الحق والعدل في الأمة، مع مراقبة النافع لهم في دينهم ودنياهم مع السلطة التنفيذية .

 

2/ الوسائل لها حكم المقاصد :

عندما نستوعب العنصر السابق سنعرف بوضوح أن سبيل بلوغ مجلس الأمة لن يكون ممهدا بالكذب أو التحايل أو الغش، ومن مقاصد الشريعة العظيمة تحريم الخداع والغش والخيانة والحلف الباطل، والوسائل لها حكم المقاصد، ولأننا نتمسك بقول حبيبنا صلوات ربي وسلامه عليه: «من غش فليس منا»؛ لأنه ليس هدفا أساسيا في حياتنا مثل ضرورات الحياة، وليس كما يشبهه بعض الناس بأن هناك حربا بينه وبين غيره من الأعضاء المرشحين؛ فيجوز فيها الكذب والتحايل ونقض المواثيق والعهود، فالمسلم متقيد بشرع ربه في كل مكان وزمان.

 

3/ اجتماع الكلمة غاية عظيمة في ديننا:

من أعظم مقاصد ديننا اجتماع الكلمة، وتوحيد الصفوف ورأب صدع الخلاف، ونبذ التشرذم، وهذه من النعم العظيمة التي امتن الله بها علينا؛ قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وهذا أمر واجب علينا أن نضعه نصب أعيننا دائما، ولا نجعل التنافس الانتخابي سببا لتفريق الصفوف، أو ناشرا للشر فيما بيننا، حتى وإن تباينت وجهات النظر، فالمسلمون يستظلون تحت مظلة التوحيد، ويعيشون تحتها لأجل نشر الخير بين الناس بما يرضي الله سبحانه.

 

4/ إظهار الطاعة لولي الأمر:

ومن العنصر السابق فإننا نعلم أنه لا اجتماع إلا بكلمة واحدة، ولا كلمة واحدة إلا بعد رأي واحد، وهذا يمكن تحقيقه مع ولي الأمر الذي له السمع والطاعة قولا وفعلا؛ ولذا دعت الشريعة إلى طاعة ولي الأمر بالمعروف؛ قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ}، ومن دلالة الطاعة عدم إظهار التسخط بتحريض العوام علانية على وزراء ولي الأمر، أو الصراخ في المجالس والمحافل على ما شرعه ولي الأمر من قوانين عامة في البلاد .

ولم تكن الانتخابات سبيلا وعذرا إلى التفلت في الكلام وإساءة القول عن ولي الأمر وتهييج الدهماء في التجمعات على سياسة الدولة؛ فإن هذا سيبعث في قلوبهم نفرة من قوانين ولي الأمر مستقبلا .

 

5/ لا حرية في الأقوال والأفعال :

علينا أن نعرف قضية تغيب عن ذهن بعض المسلمين، وهي مهمة في الفكر والرأي، ألا وهي أن ديننا لم يتركنا هملا بدون قانون لأقوالنا وأفعالنا وسلوكنا؛ خشية أن نقع في قانون الحرية الفاسد، لكن بين لنا أن هناك اختيارات كثيرة في حياتنا، لكن وفق ما شرعه لنا ربنا سبحانه وبينه لنا حبيبنا المصطفى[ .

فالتشبث بمقولة: «حرية الرأي» أو القول إنما هو ذريعة يتعلق بها طائفة من المرشحين والناخبين ليقولوا ما يشاؤون من تصريحات انتخابية، أو تقديم آراء مخالفة للشرع، وهذا سبيل له خطورته البالغة المخالفة لعقيدة المسلمين .

وبعد هذه المقدمات أرى أن نوجه النصح والإشارة إلى ثلاثة أطراف مهمة في العملية الانتخابية، ولهم دورهم وشأنهم المؤثر في سير هذه العملية، وهذه الأطراف هي : الناخب، والمرشح، والمفتاح الانتخابي، ولا تجري العملية الانتخابية إلا من خلال هذه الأطراف الثلاثة التي هي شريان هذا التنافس .

 

أولاً- المرشح :

نبتدئ  في الحديث مع المرشح الذي قدم نفسه إلى العامة أو الناخبين، ويريد أن يعينه الله في تحقيق الصالح لبلده والناس، من خلال بلوغه كرسي مجلس الأمة من بعد أن يحوز على اقتناعهم، ومن ثم يجمع أصواتهم وتزكيتهم له بكفاءته فيحقق ما يصبو إليه، وهذا أمر لا يحرم منه أحد، وحبذا لو تذكر الأمور الآتية:

 

1/ وجوب تقوى الله:

قضية الزعامة لها شأنها البالغ في حياتنا اليومية، وخصوصا مع فئة لها قراراها المؤثر في جريان الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد، بل لو قلنا: في مصير البلاد والعباد، لصح هذا التعبير، فسيكون هذا الإنسان بما قدره الله له لاحقا بيده القوة الموجهة لمصير الدولة، وله الصوت المسموع بين الناس وعند أصحاب القرار، وكذا خارج البلاد؛ فعليه أن يضع خشية الله نصب عينيه، ويملأ قلبه منها قدر وسعه ليسير على نور من الله فيما هو قادم إليه.

فالله أمرنا بالتقوى في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، قال تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، وقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

 

2/ الحذر من صفات أهل النفاق:

هذا عنوان له وقعه المؤثر في النفس، ويتضايق منه الكثير من الناس عند توجيه الإرشاد له، ولكنه توجيه شرعي نحتاجه في كل زمان ومكان مع نفوسنا القاصرة وهممنا القاصرة في التمسك بالحق دائما، وهو أيضا نابع من تحذير النبي[ للصحابة - رضي الله عنهم - من الوقوع في مثل هذا، وليس المرشح بأكرم ولا أفضل خلقا ودينا من الصحابة - رضي الله عنهم - لهذا فهو أحوج ما يكون إلى هذا التحذير؛ خشية منا عليه أن يقع فيما يغضب الله سبحانه .

فالمرشح مع خوضه لغمار الحديث والالتقاء مع المرشحين سينطلق لسانه كثيرا بالوعود والعهود وتقديم الأيمان المغلظة، ومد يمين العهد والوفاء للناخبين ولأهل دائرته في إنجازه للكثير من خططه الانتخابية، لكن عليه أن يزمّ لسانه ويضبط كلامه ويحتاط في وعوده فلا يقدم ما لا يقدر عليه مستقبلا؛ خشية أن يشمله الوعيد النبوي؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] عَنْ النَّبِيِّ[ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» رواه البخاري، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو] أَنَّ النَّبِيَّ[ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» رواه البخاري

 

3/ المرشح ناصح وليس مخاصم:

ليتذكر المرشح أنه لم يخض سبيل الطريق الانتخابي إلا وله هدف مبارك يأمل أن يكون أحد رعاته، ألا وهو مناصحة ولي الأمر، ومتابعة أعمال وزرائه في سبيل تحقيق ما ينفع البلاد والعباد، ولا طريق إلى تحقيق هذا الأمر وبلوغه بلوغا مناسبا إلا من خلال التشريعات السديدة الصادقة، والتوجيهات الحكيمة، ومعين هذا الرفق والحزم، وهما سبيلان مناسبان في ترسيخ قاعدة النصح بما يجلب الخير على الجميع .

الرفق من جهة التناصح بالسر وإرادة تحقيق النافع بالكلمة الراجحة وفق المصلحة المتحققة؛ اتباعا لقول النبي[: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»، ومعه الحزم وهو التأكيد على إنجاز ما فيه الصالح العام لخير الناس جميعا من خلال استخدام الأدوات القانونية بالتعقل والحكمة والنظر العميق في عواقب الأمور .

ولم يكن من سبل النصح التطاول على ولاة الأمر بالصراخ وارتفاع الأصوات وجعل وزراء ولي الأمر كأنهم خصوم وأعداء له يسعى للوقيعة بهم، وقد يتجرأ بعض المرشحين بالقول فيدعي فيهم ما ليس فيهم يقينا، أو يتهمهم من غير دليل ولا بينة، إلا باستناده إلى أقوال تناثرها المرضى في مجالسهم، وتناقلها السفهاء في منتدياتهم، وهذا السبيل انتهجه بعض المرشحين من باب الظن أن ارتفاع الصوت دلالة على القوة والعلم في الحديث الانتخابي، ولكني أقول: ما هو إلا دلالة على الجهل الفاضح وعلى إفلاس البضاعة عنده .

 

4/ رضا الله قبل الأحباب:

قد يلجأ المرشح إلى إرضاء أهله أو عشيرته وقبيلته بأي وسيلة وسبب، ولربما قاده هذا الصنيع إلى فعل ما حرمه الله، أو قول ما يغضب الله، كل هذا في سبيل الظفر والفوز بكرسي مجلس الأمة؛ ليخدم أهله ومآربه وطموحاتهم لاحقا، وعلى هذا المرشح أن يتذكر أن ما يطمح إليه مقعده مؤقت سيزول عنه قريبا حتى وإن فاز به، أو لربما لن يبلغه، ولكن يخشى عليه أن يكون له مقعد له مدة أطول في جهنم سيدركها بسبب نيته الجازمة فيما نوى أن يفعله لو فاز، فيا لها من خسارة وابتعاد عن رضا الرحمن بسبب عرض زائل من الدنيا!

 

5/ الحرص على البطانة الصالحة:

من دلالة حرص المرشح على الخير وسعيه إلى خير البلاد والعباد تمسكه بالرفقة الصالحة التي تذكره إن نسي وتحثه على الخير إن أراد ذلك، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ] عَنْ النَّبِيِّ[ قَالَ: «مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلا لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ». رواه البخاري؛ فالبطانة الناصحة مؤشر على صالح مسعى المرشح في القادم من الأمور، أو غير ذلك .

 

6/ الهدف من الترشيح :

النقاش مع المرشح ليس فيه غضاضة أو حرج في أي موقع يحل فيه، بل واجب علينا أن نتعرف على أهدافه من الترشيح وحرصه على هذا الصنيع؛ إذ لا يتصور أن يكون هناك مرشح لا يعرف أبجديات العمل التشريعي، أو القوانين والأعراف الخاصة بهذا التنافس البرلماني، أو ليس عنده أهداف ينشد بلوغها وإنجازها، والفضيحة له حين ينتظر أن يوجهه الناس إلى ما يريدون .

وهذا نجده في بعض المرشحين الذين لا يملكون تلك النظرة الواعية الهادفة لسبب انخراطهم في سلك الترشيح، وسريعا ما تزل القدم ويتعثر اللسان مع أول نقاش بينه وبين الناخبين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك