رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 30 أغسطس، 2010 0 تعليق

التشدد الصهيوني والانحياز الأمريكي والضعف العربي مؤشرات قوية لفشل المفاوضات المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل ضجيج بلا طحين

 

 

بعد ما يقرب من عام ونصف العام على وجود إدارة أوباما في البيت الأبيض وتأكيدها على أن تسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي عام 1967م يقع على رأس أجندتها إلا أن الجبل تمخض فولد فأرًا، فمنذ اليوم الأول لتعيين السيناتور جورج ميتشيل مبعوثًا للسلام في المنطقة والأوضاع على حالها، بل إن واشنطن تتراجع شيئًا فشيئًا عن تعهداتها، فقد ربطت بين بدء مفاوضات التسوية ضرورة وقف إسرائيل بالكامل للاستيطان في الضفة الغربية، وما لبثت تتراجع عن هذا الأمر مؤكدة على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن من الأفضل للطرفين بدء مفاوضات بدون شروط مسبقة.

وبعد هذا التراجع مارست واشنطن ضغوطا مكثفة على الطرفين العربي والفلسطيني لعدم التمسك بشرط وقف الاستيطان والقبول بمفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي لمدة 4 أشهر برعاية أمريكية بحسب ما تضمنه قرار الجامعة العربية بتفويض الجانب الفلسطيني للانضمام لهذه المفاوضات التي لم تحقق أي نتائج إيجابية رغم الجولات المكثفة التي قام بها السيناتور ميتشيل في المنطقة، وبدلاً من لجوء الدول العربية إلى مجلس الأمن أكد القرار العربي وجود مماطلات وضغوط غربية وعربية على السلطة الفلسطينية للتعاطي بشكل إيجابي مع الجهود الأمريكية لبدء مفاوضات مباشرة ولاسيما أن بقاء الأوضاع على حالها يعطي فرصة للحكومة اليمينية في إسرائيل لتغيير الأوضاع على الأرض في القدس والضفة الغربية وأن من الأفضل بدء المفاوضات المباشرة وعدم إضاعة الوقت فيما لا يفيد.

 موقف ضعيف

     واستمرت الضغوط على الجانب العربي لحث الفلسطينيين على الانضمام للمفاوضات المباشرة، واجتمع الوزراء العرب في لجنة مبادرة السلام مفوضين الجانب الفلسطيني بالانضمام لهذه المفاوضات إذا شعر بأنها تصب في مصلحته، وهو ما اعتبره مراقبون تأكيدًا عربيًا على نفض الدول العربية يديها من القضية الفلسطينية وتحويل الصراع بشكل رسمي إلى مشكلة فلسطينية ـ إسرائيلية على الطرفين التكفل بتسويتها، وهو أمر يزيد من صعوبة موقف المفاوض الفلسطيني في ظل غياب موقف عربي جاد من المفاوضات أو التدخل لدى الجانب الأمريكي لممارسة ضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو لتقديم تنازلات تحفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية، ومما يزيد من صعوبة الموقف الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية تدرك أنها تتفاوض مع الجانب الإسرائيلي بلا أية أوراق ضغط.

 قنبلة موقوتة

     ويدرك أبو مازن أن قرار الجامعة العربية بتفويضه ليس له أدنى فائدة اللهم إلا إضفاء الشرعية العربية على سلوكه؛ حتى لا يُتهم بأنه خرج على الإجماع العربي وتأكيد عربي بعدم تحمل أية مسؤولية عن الفشل المتوقع للمفاوضات، ثم إن هذا الغطاء كان مطلوبًا أمريكيًّا وصهيونيًّا وقد سعت البلدان حثيثا لتأمينه له رغم يقين رأس السلطة الفلسطينية أن هذا التفويض يشكل لغمًا في يديه قد ينفجر في وجهه في أية لحظة فتجاربه مع الإسرائيليين توحي بصعوبة تقديم حكومة نتنياهو أي شيء ذي قيمة بالنسبة له في وقت يخوض مفاوضات مباشرة بلا سقف أو مرجعية وبدون أي استعداد أو قدرة أمريكية على إقناع الصهاينة بالتراجع عن نهجهم المتشدد واستغلال التطورات الدولية لتصفية القضية الفلسطينية.

     ولا يخفى على أحد أن دعوة واشنطن في هذا التوقيت إلى المفاوضات المباشرة هي مسعى أمريكي لإضفاء الشرعية على المشروع الاستيطاني الصهيوني، فمشاركة الفلسطينيين في هذه المفاوضات بدون شروط تعطي نوعًا من القانونية على المساعي لابتلاع الضفة الغربية والتهويد الكامل للقدس التي لم يتم التطرق لها في بيان اللجنة الرباعية التي استند إليها الفلسطينيون في قرار التفاوض فكل ما جاء في هذا البيان الذي هللت له بعض الدول العربية وعد بالسعي لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على أراض محتلة، فالبيان الذي أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها من أجله خلا من إشارة للقدس الشرقية التي يعتبرها الفلسطينيون درة تاج لدولتهم وكأنه إعلان دولي يطالب الفلسطينيين بعدم الحديث عن القدس في المستقبل.

     ورغم إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما حضوره الاجتماع التحضيري للمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل وتعويل البعض على هذا الحضور لإثبات جدية واشنطن لحث الطرفين على تحقيق اختراقات مهمة حول قضايا الوضع النهائي، إلا أن هذا الحضور لا يحظى بمصداقية لدى عدد من الدول العربية والفلسطينيين، فسجل أوباما منذ وصوله للبيت الأبيض خال من أي مواقف جادة تجاه الفلسطينيين فلم ينس العالم حديثه عن ضرورة وقف الاستيطان ثم تراجعه، فضلاً عن أن إدارته حتى الآن لم تضع جدول أعمال واضحا ولم تلزم الطرفين بسقف زمن أو مرجعية محددة للمفاوضات.

 بطة عرجاء

     ويزداد الموقف قتامة عند الإدراك أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لا تذهب للمفاوضات وهي تحمل في جعبتها أي مواقف ايجابية، فالمقربون من نتنياهو يدركون انه ذاهب للمفاوضات من أجل المفاوضات وليس لتحقيق تسوية، ولا يمكن أن ينسى أحد تصريحاته إبان وصوله للسلطة عام 1996 بسعيه لإفراغ اتفاق أوسلو من مضمونه وعدم اكتراثه لاستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين لعقود مادام ذلك يخدم مصالح إسرائيل.

     فهو يدرك ــ أي نتنياهو ــ أن التطورات الدولية وحالة الضعف العربي غير المسبوقة والانقسام الفلسطيني الذي دخل عامه الرابع دون أي بوادر لإنهائه تعطيه الفرصة للمماطلة والتسويف وإضاعة الوقت حتى تتحول إدارة أوباما إلى بطة عرجاء تنشغل بالانتخابات القادمة؛ مما سيعطيه ضوءًا أخضر  للاستمرار في بناء المستوطنات والقضاء علي أي أمل في وجود دولة فلسطينية تتمتع بالتواصل الجغرافي وقابلة للحياة.

     ومن المهم الإشارة إلى انعدام أي فرص في تحقيق المفاوضات المباشرة لأي طفرة حقيقية، فهذه المفاوضات تبدأ في وقت تصر الحكومة الإسرائيلية على عدم استمرار تجميد بناء المستوطنات، بل إنها أعلنت عن استئناف البناء قبل ساعات من دعوة الرباعية لبدء التفاوض المباشر كأنها رسالة للدول العربية والفلسطينيين والداخل الإسرائيلي أن هذه المفاوضات لن تكون لها أية تبعات على الأوضاع في الداخل، بل ربما تستخدم لتحسين صورة إسرائيل دوليًا وكسر العزلة التي تعانيها منذ فترة تصاعدت مع الاعتداء على سفينة الحرية التركية مما خلف عددًا من القتلى الأتراك ووصول العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر.

     ويتوقع على نطاق واسع أن يكرر نتنياهو لاءاته المعروفة خلال المؤتمر: «لا لتقسيم القدس ...لا لعودة اللاجئين ..لا لتجميد الاستيطان» وهي مواقف ستفجر المفاوضات؛ حيث لن يستطيع الجانب الفلسطيني الموافقة على مثل هذه المواقف التي تفرغ الحقوق الفلسطينية من مضمونها، وبل تشكل نوعًا من الانتحار السياسي لمن يوقع اتفاقًا يضع مثل هذه اللاءات في اعتباره، ولاسيما أن الفصائل الفلسطينية قد اعتبرت موافقة محمود عباس على المفاوضات المباشرة خدمة لمصالح إسرائيل ونوعًا من الموافقة على مساعيها  لتصفية القضية الفلسطينية، بل إن هذه الفصائل قد رفعت من سقف مواقفها بالتشكيك في شرعية رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته وفي أي اتفاق يتوصل إليه.

أخطاء إستراتيجية

     من البديهي التأكيد على أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية قد ارتكبتا خطأ إستراتيجيًا حين وافقتا على الذهاب للمفاوضات المباشرة بدون ضمانات حقيقية فالرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم تتجاوز كونها وعودًا أمريكية يسهل التنصل منها كما حدث في السابق بل إن الأخطاء العربية لم تتوقف عند هذا الحد كما يؤكد السفير د.طه الفرنواني مدير إدارة إسرائيل بالخارجية المصرية حيث أعتبر أن ذهاب السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات المباشرة بدون إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة بين «فتح» و«حماس» زاد من صعوبة الموقف التفاوضي وافقدهم أهم ورقة وهي المزواجة بين العمل السياسي والمقاومة.

     ومع استمرار هذا الانقسام  يؤكد السفير الفرنواني أن نتنياهو سيرفع من سقف مواقفه وسيرفض تقديم أي تنازل للفلسطينيين ما دام الموقف الإقليمي والعربي والدولي يصب في مصلحته، فهو يدرك أن اشتعال التوتر مع إيران وحديث البعض عن مواجهة بين طهران وواشنطن يستلزم إقناع الدول العربية بجدية واشنطن ولو مؤقتًا في تسوية الصراع سعيًا لتأمين تأييده للموقف الأمريكي  وبعدها تعود الأوضاع للمربع الأول.

     وانتقد الفرنواني بشدة المواقف العربية في الوقت الذي هددوا فيه بإعادة القضية لمجلس الأمن واستصدار قرارات ملزمة منه حيال قراراته الخاصة بالصراع حيث وجدناهم يقبلون الدخول للمفاوضات المباشرة وغير المباشرة بدون أية مرجعيات، بل ربما سعوا للخلاص من أي التزام نحو القضية.

أوراق متعددة

     تشاؤم السفير الفرنواني تجاه أية نتائج إيجابية للمفاوضات شاركه فيه مسؤولون عرب حيث شكك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي في تحقيق هذه المفاوضات لأية نجاحات في ضوء النتائج المخيبة للمفاوضات غير المباشرة وعدم إبداء الحكومة الإسرائيلية لأي مواقف إيجابية، بل ووضعها العربة أمام الحصان بتمسكها باستئناف بناء المستوطنات كأنها تقدم رسالة للعالم بأنها غير جادة في التفاوض دون أن يستحث هذا القوى الكبرى على تبني مواقف متشددة حيال هذه المواقف الإيجابية فيظل هناك اعتقاد عربي جازم بأن هذه هي الفرصة الأخيرة أمام عملية السلام.

     ولكن إذا كانت المفاوضات المباشرة هي الفرصة الأخيرة لعملية السلام فهل هناك أوراق بيد العرب والفلسطينيين لحث واشنطن وتل أبيب علي تغيير مواقفها

     والإجابة هنا على لسان د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالإيجاب فرغم حالة الضعف الشديد التي يعاني منها العرب إلا أن هناك عديدًا من الأوراق بيديهم لحث واشنطن على تغيير نمط تعاطيها مع التسوية، وفي مقدمتها سحب مبادرة السلام العربية، والإعلان عن أن  كل الاحتمالات مطروحة مع حظر التطبيع بشكل كامل مع الكيان الصهيوني وإعادة الاعتبار للجنة المقاطعة العربية ولو نسبيًا، والكف عن الحديث عن السلام كخيار إستراتيجي وحيد للعالم العربي، فضلاً عن فرض مصالحة موضوعية وواقعية على الفصائل الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وبهذه الأوراق نستطيع تعديل موازين اللعبة في المنطقة.

     ولم يبد نافعة ارتياحًا لحضور القادة العرب للجلسة الافتتاحية لانطلاق المفاوضات المباشرة باعتبار أن هذا الحضور يعطي نوعًا من الشرعية للمشروع الصهيوني، ويشير إلى أن مواقف حكومة نتنياهو حيال المستوطنات والقدس لم تغضب العالم العربي، بل قد تحظى برضاه وهو أمر قد توظفه إسرائيل لخدمة مصالحها وليذهب العرب والفلسطينيون إلى الجحيم برعاية أمريكية. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك