رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. مصطفى أبو سعد 19 ديسمبر، 2023 0 تعليق

التربية النبوية وسمات المربي الإيجابي (4) القيم العليا عند المسلمين

 

من خلال دراساتي ومتابعاتي لموضوع القيم ومعاييرها وماهيتها، ومتابعة الموضوع بدقة لمدة لا تقل عن ثلاثة عقود من خلال علم الاجتماع والتمدن البشري، ومن خلال مرجعيتنا الإسلامية المتمثلة في القرآن والسنة النبوية او سيرة رسول الله - صلىالله عليه وسلم -، وممارساته التربوية، يمكنني تحديد القيم العليا الحاكمة الضابطة الخاصة بالمسلمين، ولا سيما ببيئتنا العربية في أربع قيم: الكرامة، والحياء، والعفو والتسامح.

1 - الكرامة

          قيمة أساسية عليا، جاء الإسلام ليحفظها لا ليهدرها: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70)، وفي موقف هند بنت عتبة يوم بيعة النساء للنبي بعد فتح مكة، وهي تتساءل مستغربة أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟! بمعنى الكريمة باعتبار الكرامة لا تسمح بهذا السلوك؛ لأنها قيمة عليا تضبط قيمة العفة وتمنع المحرمات.

 2 - الحياء

         والحياء عندنا -نحن المسلمين- قيمة عليا، وقيمة ضابطة تضبط كل القيم؛ لذلك ذكرها النبي في حديثه في شُعَب الإيمان وأفردها وميزها فقال - صلى الله عليه وسلم -: «الإِيمَانُ بِضْعُ وَسَبْعُونَ شُعْبَةَ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان». مسلم. وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». متفق عليه. وأوضح حديث في الموضوع الذي يجعل الحياء أهم قيمة تميزت بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما ورد عن أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِكُلِّ دِينِ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» . رواه ابن ماجة. إن الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح؛ فهو من صفات النفس المحمودة، وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام ؛ قال وهب بن منبه: الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، فخلق الحياء عندنا -نحن المسلمين- قيمة عليا، بينما الحياء عند بعضهم يُعد اضطرابًا وخجلًا وضعف شخصية.

إذا حُرِمَ المرءُ الحياء فإنه

                                  بكل قبيح كان منه جدير

3 - العفو والتسامح

          قيمتا العفو والتسامح تضمنان للإنسان قوته وعزه، كما أنها تحفظ للمجتمع استقراره وأمنه، وسيادة الحب والمودة بين أفراده، ففي الوقت الذي يراه الناس ضعفا يراه الإسلام قوة وعزّاً، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةً مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوِ إِلَّا عِزَّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدُ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تعالى» (رواه مسلم). قال القاضي عياض: وقوله: ما زادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوِ إِلَّا عِزَّا فيه وجهان
  • أحدهما: ظاهره أنَّ من عُرف بالصفح والعفو، ساد وعظم في القلوب وزاد عزّه.
  • الثاني: أن يكون أجره على ذلك في الآخرة وعزته هناك.
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثُ -والذي نَفْسُ مَحَمّد بيَدهِ إِنْ كُنْتُ لَحالِفًا عَلَيْهِنَّ-: لا يَنْقُصُ مالُ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقوا، وَلا يَعْفُو عَبْدُ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِها وَجْهَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا زَادَهُ اللهُ بها عِزّاً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَلا يَفْتَحُ عَبْد بابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بِابَ فَقْر». أخرجه أحمد. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «ارْحَموا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يُغْفَرُ لَكُم». قال المناوي في قوله: «واغفروا يغفر لكم»؛ لأنَّه -سبحانه وتعالى- يحب أسماءه وصفاته التي منها: (الرحمة، والعفو، ويحب من خلقه من تخلق بها). وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً».  

أبجديات التربية

إن ابتعادنا عن إدراك الممارسة النبوية للتربية ومتابعتها وتأصيلها حرمنا وحرم الإنسانية خيرا كثيرا. وعلينا استدراك الأمر والبحث في التأصيل التربوي لتلك الممارسة التي ربّت جيلا متميزا، نقل الإنسان إلى مراتب عليا في التحضر والرقي والعلم والخلق. إن التأصيل الإسلامي للتربية ينطلق من رؤية ومنهج وممارسة، تحققت في حياة أمة نهضت مع نبينا -[-، ولا ينبغي السقوط في فخ الانطلاق من أسس وقواعد ونظريات غربية مادية، ومحاولة (أسلمتها) باستشهادات سطحية من هنا وهناك. لقد مارس الرسول - صلى الله عليه وسلم - التربية بأحسن صورها ؛ لأنه يملك أبجديات التربية، ويعلمها بالوحي والفطرة وبتأهيل الله -تعالى- له، لكن بعضهم لا يعرف هذه الأبجديات التي تُعَدُّ مفاتيح علم التربية من مثل: احتياجات العمر، وطبيعة الطفل، وخصائص نموه؛ فالتوحيد - مثلاً - مؤصل تأصيلا علميا غير عادي، فلا توجد أمة على ظهر الأرض عندها التوحيد مؤصل برؤية مثل هذه الأمة. وقد برز هذا التأصيل - وأهميته - بروزا كبيرا بعدما دخلت العديد من التحديات كالفلسفة وعلم الكلام والكتب المترجمة في عهد العباسيين والمأمون خصوصا، وقد عرف الصحابة - رضوان الله عليهم - هذا التأصيل بالبداهة ؛ لأنهم تربوا على يد النبي -[-، لكن نحن لا نعرف تلك المنطلقات؛ لذا بات من الضروري أن نتعلم ونسأل أهل الذكر.    

العفو أفضل الأخلاق

عن الحسن البصري - رحمه الله - قال: «أفضل أخلاق المؤمن العفو». من عُرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، قال الإمام النووي -رحمه الله-: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما زادَ الله عبدا بعفو إلا عزا» فيه وجهان:
  • أحدهما أنه على ظاهره، وأن من عُرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزّه وكرمه.
  • والثاني: أن المراد أجره في الآخرة وعزّه هناك.
العفو ظاهره ضيمٌ وذُلُّ، وباطنُه عِزّ ومهابة، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: العفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل، وباطنه عز ومهابة، والانتقام ظاهره عز، وباطنه ذل، فما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزّاً، ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذل، ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو؛ ولهذا ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه قط.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك