رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. مصطفى أبو سعد 23 أكتوبر، 2023 0 تعليق

التربية النبوية وسمات المربي الإيجابي (2) الأساس الأول الرؤية الإسلامية لطبيعة الطفل

انطلاقًا من اهتمام مجلة الفرقان بقضية التربية ودورها في صلاح الأمة، نستعرض معًا حلقات كتاب: (التربية النبوية وسمات المربي الإيجابي) لمؤلفه د. مصطفى أبو سعد، الذي حرص أن يكون النبع النبوي هو الأساس والمرتكز في استنباط أفكار هذا الكتاب؛ لذلك حرصت المجلة على تقديم هذه الصفحات لقرائها رجاء أن تساهم في تربية أطفالنا تربية نبوية ناجحة.

 
  • الواقِعُ أَنَّ الطُّفولَةَ صَفْحَة بَيْضَاء يَخُطُّ فيها الآباءُ وَالأَساتِذَةُ ما شاؤوا
  • فرق بين تربية تستمد مرجعيتها من منهج يُكَرّم الطفل ويحفظ فطرته وحريته وكرامته وتربية تروّضه وتعامله بكونه حيوانا
  • القرآن لا يطلق على الإنسان وصف الحيوان إلا في المواقف التي تُسلَب فيها حريته برضاه نتيجة رضوخه لهوى النفس
 

المناهج كلها التي اهتمت بتنشئة الطفل، وبطرائق تربيته تنطلق بداية من طبيعة هذا الطفل، فذهب بعضهم إلى القول بأن الطفل مزود بالخير والشر، وبعضهم يقول: الطفل صفحة بيضاء، يقبل ما ينقش عليها.

      بينما الرؤية الإسلامية لطبيعة الطفل تنطلق من كونه يولد على الفطرة السليمة، وأنَّ طبيعته خيريَّة، وأن المسؤول عن الحفاظ على هذه الفطرة أو إفسادها الوالدان والمربون عمومًا، هذه نظرتنا للطفل بوصفنا مسلمين، وعلى هذا الأساس تترتب أمور كثيرة جدا، قلما يفطن لها الآباء والأمهات. ويؤكد هذه الرؤية قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:»ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصَّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسانِهِ، كما تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعاء، هل تُحِسُّونَ فيها مِن جَدْعاءَ، ثُمَّ يقولُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ}» (الروم: 30).

الإنسـان ذلك الكائن الحرّ المكرم

  • ليس الكائن الناطق بشيء في رأينا إن لم يكن هذا النطق أهلاً للأمانة، تلك التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها ذلك الكائن المتفرد.
  • الإنسان في معناه الأسمى، هو الكائن الحرّ، الكائن القادر على التحرر من سلطان الهوى، وتسلط الشهوة، ومن كل سلطان يهوي به إلى حضيض الحيوانية.
  • الإنسان هو الكائن صاحب الإرادة الحرة المختارة، وهو الكائن المكرم من خالق الكون، الذي سخرت له المخلوقات كلها من حيوانات ونباتات وجمادات، {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} (الجاثية: 13).
  • الإنسان هو ذلك الكائن الذي أعلن ربنا ميلاده بنطقه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مَنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (ص:71)، وهو ذلك الكائن الذي خلقه الله بيده: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (ص: 75)، وهو ذلك الكائن الذي أمر الله -تعالى- أشرف خلقه الملائكة بالسجود له، وهل بعد ذلك تكريم؟ وهل فوق ذلك مكانة؟

من طبيعة الطفولة: (مفهوم الإنسان)

ويدخل في الفطرة وطبيعة الطفل مفهوم الإنسان أيضا، فهناك فرق في التعامل مع الطفل انطلاقا من فلسفة (الإنسان) نفسه ورؤيته للإنسان، فثم فرق شاسع بين رؤيتين:
  • رؤية إنسان بكونه حيوانا عاقلا ناطقا، الإنسان حيوان ناطق، أو حيوان ضاحك (أرسطو).
قالوا عن الإنسان إنه قادر على استعمال الرمز ولاسيما رموز اللغة: (حيوان مفكّر، حيوان ناطق، حيوان متكلم، حيوان رامز، حيوان تقني، حيوان أخلاقي، حيوان ذو تاريخ، حيوان اجتماعي). وهكذا يبقى الإنسان في مفهومهم -رغم فضيلته التي يعترفون بها- ضمن حيوانية خاصة به، ولا يفصله عن غيره من الحيوانات إلا ما اختصروه في النطق وما يرتبط به من خصائص عقلية، وروحية، وخلقية، ووجدانية، واجتماعية، تميّزه عن بقية أنواع الحيوان، ولكنها لا تخرجه عن جنس الحيوان.

ماذا يترتب على الرؤية الحيوانية للإنسان تربويا؟

التربية في المفهوم الغربي عملية ترويض مستمرة؛ ولذلك كَثرت مؤلفاتهم التي تحمل في عنوانها مصطلح الترويض من مثل: حاول أن تروضني، ترويض الرجل، ترويض الشرسة.  

رؤية الإنسان بكونه مخلوقًا عزيزا مكرمًا

       القرآن لا يطلق على الإنسان وصف الحيوان إلا في المواقف التي تُسلَب فيها حريته برضاه؛ نتيجة رضوخه لهوى النفس، واقرأ قوله -تعالى-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَتْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف:175-176). ولا ينحط الإنسان إلى درجة الحيوانية إلا حين تقوده شهواته، دون أي مقاومة أو مجاهدة منه، فهو يحيا تلبية لرغباتها: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (محمد: 12)، ونحن نذهب إلى ما يقول به الأستاذ عباس محمود العقاد من أن مكان الإنسان في القرآن الكريم هو أشرف مكان له في ميزان العقيدة، وفي ميزان الْفِكْرِ، وفي ميزان الخليقة، الذي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات.    

ابني شيطان شقي شرير

         مِنْ جَهْلِ المربين للفطرة، وهي ما يمكن تسميتها علميا -أحيانا- بطبيعة النمو وخصائص العمر أنهم يتهمون طفلاً في السنة الثانية من عمره بدأ يعاند -وهذا من الفطرة- ويصفونه بأسوأ الألقاب شيطان، شقي، شرير، جهلا منهم بالفطرة التي تجعل من هذا العناد أرضية لبناء شخصية مستقلة، تتمتع بالقوة والصلابة والاعتماد على النفس، وعندما ننطلق من نظرة واضحة لطبيعة الطفل بوصفه ذا طبيعة خيرة، وفطرة سليمة، وأن كل فساد يلحق بالطفل فبسبب أساليب التربية وطرائق التنشئة، وعدم فهم طبيعة النمو ومقتضياته ومظاهره.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك