رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 30 نوفمبر، 2010 0 تعليق

البيان في النصوص الشرعية(1 -2)

 

أكرم الله عز وجل الإنسان بسمات عديدة منها الكلام والإعراب عما في نفسه؛ كما قال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، قَالَ الْحَسَن: يَعْنِي النُّطْق، وَقَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا: يَعْنِي الْخَيْر وَالشَّرّ ، قال ابن كثير: «وَقَوْل الْحَسَن هاهُنَا أَحْسَن وَأَقْوَى؛ لِأَنَّ السِّيَاق فِي تَعْلِيمه تَعَالَى الْقُرْآن وَهُوَ أَدَاء تِلَاوَته، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ بِتَيْسِيرِ النُّطْق عَلَى الْخَلْق وَتَسْهِيل خُرُوج الْحُرُوف مِنْ مَوَاضِعهَا مِنْ الْحَلْق وَاللِّسَان وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَاف مَخَارِجهَا وَأَنْوَاعهَا»، وقال الشيخ ابن سعدي: «أي: التبيين عما في ضميره، وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي، فالبيان الذي ميز الله به الآدمي على غيره من أجل نعمه، وأكبرها عليه».

والبيان في اللغة: الإظهار والتّوضيح، والكشف عن الخفيّ أو المبهم، وهو أعم من النطق؛ فقد يكون البيان بالنطق أو الكتابة أو الإشارة أو السكوت ، قال ابن فارس:  «الباء والياء والنون  أصل واحد، وهو بعد الشيء وانكشافه ، فالبين: الفراق، وبان الشيء وأبان: إذا اتضح وانكشف ، وفلان أبين من فلان: أي أوضح كلاما منه» اهـ.

وأما البيان في الاصطلاح: فهو إظهار المقصود بأبلغ لفظ، فهو اسم لكل ما كشف المعنى وأظهره ، قال الشافعي في «الرسالة»: «البيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع، فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه، متقاربة الاستواء عنده، وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض، ومختلفة عند من يجهل لسان العرب، فمنها ما أبانه لخلقه نصا: مثل جمل فرائضه وأن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما، وأنه حرم الفواحش ما ظهر وما بطن، ونص على الزنى والخمر.. ومنه ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها، ومنه ما سن رسول الله[ مما ليس فيه نص محكم، ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وابتلى طاعته في غيره مما فرضه عليهم». اهـ.

ويطلق البيان على ثلاثة أمور :

الأول : التبيين : وهو إظهار المعنى للمخاطب، والثاني: ما حصل به التبيين: وهو الدليل المبين، والثالث: متعلق التبيين: وهو المبيَّن وهو العلم الحاصل من الدليل.

وبيان ألفاظ النصوص الشرعية ومعانيها ومقاصدها  من أهم المطلوبات؛ إذ إنه مقدمة لحسن الفهم وصحة الامتثال؛ ذلك أن الله عز وجل أنزل كتابه الكريم والسنة المطهرة ليكونا هداية للناس إلى الصراط المستقيم، وضمّنهما من التكاليف الشرعية والآداب السنية ما يحقق للمكلفين السعادة في الدنيا والآخرة، ويصرف عنهم الشرور والآفات العاجلة والآجلة، ووعدهم بثوابه لمن استجاب وانقاد وتهددهم بعقابه لمن أعرض وعصى.

ولا شك أن التدبر والامتثال متوقف على الفهم والإدراك لما في النصوص الشرعية  من أمر ونهي ، ووعد ووعيد، وإنشاء وأخبار، كما قال شيخ الإسلام: «من استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل؛ فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها» اهـ.

والدليل على هذا : قوله عز وجل: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقال عز وجل:     {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، قال شيخ الإسلام: «بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول, ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيرا مما جاء به الرسول لم يعذبه الله على ما لم يبلغه؛ فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى». وقال : «فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه».

ومما يؤكد أهمية البيان وضرورته ما نجده  في آيات كثيرة من نسبة البيان فيها إلى الله عز وجل ، كقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنَ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، {يُبَيِّنَ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قال ابن سعدي: «أي: يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها ويشرحها لكم فضلا منه وإحسانا لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه ، ولئلا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم».

وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } قال ابن كثير :» يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَفْسه الْكَرِيمَة وَحُكْمه الْعَادِل إِنَّهُ لَا يُضِلّ قَوْمًا إِلَّا بَعْد إِبْلَاغ الرِّسَالَة إِلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونُوا قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ...}الْآيَة .

وقال ابن سعدي: «يعني أن اللّه تعالى إذا منَّ على قوم بالهداية، وأمرهم بسلوك الصراط المستقيم ، فإنه تعالى يتمم عليهم إحسانه، ويبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، وتدعو إليه ضرورتهم، فلا يتركهم ضالين جاهلين بأمور دينهم، ففي هذا دليل على كمال رحمته، وأن شريعته وافية بجميع ما يحتاجه العباد، في أصول الدين وفروعه» .

وقال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قال ابن سعدي: «أي: بيان معانيه، فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه، وهذا أعلى ما يكون».

وقد جاءت آيات كثيرة فيها نسبة البيان إلى رسول الله [ منها قوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ}، قال ابن سعدي: «يبين لهم جميع المطالب الإلهية والأحكام الشرعية « اهـ.

وقال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} قال ابن سعدي: «وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه».

وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، قال ابن سعدي: «وهذا من لطفه بعباده أنه ما أرسل رسولا {إلا بلسان قومه ليبين لهم}  ما يحتاجون إليه، ويتمكنون من تعلم ما أتى به، بخلاف ما لو كان على غير لسانهم؛ فإنهم يحتاجون إلى أن يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها، ثم يفهمون عنه، فإذا بين لهم الرسول ما أمروا به، ونهوا عنه وقامت عليهم حجة الله، {فيضل الله من يشاء}  ممن لم ينقد للهدى، {ويهدي من يشاء} ممن اختصه برحمته».

وبيّـن عز وجل أن من واجبات أهل العلم بيان الدين والقرآن للناس؛ كما قال عز وجل : {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُون}.

وقد جاء في مواضع كثيرة وصف القرآن بأنه بيان وبينات ومبين وغير ذلك من الأوصاف التي مدح الله عز وجل بها القرآن كقوله عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وقوله: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}، وقوله : {َهَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}.

قال ابن كثير: «يَعْنِي الْقُرْآن فِيهِ بَيَان الْأُمُور عَلَى جَلِيَّتهَا وَكَيْفَ كَانَ الْأُمَم الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَعْدَائِهِمْ {وَهُدًى وَمَوْعِظَة} يَعْنِي الْقُرْآن فِيهِ خَبَر مَا قَبْلكُمْ وَهُدًى لِقُلُوبِكُمْ، وَمَوْعِظَة: أَيْ زَاجِر عَنْ الْمَحَارِم وَالْمَآثِم».

وقد وضح الله عز وجل مقاصد البيان في القرآن في مواضع كثيرة منها قوله عز وجل: {كَذَلِكَ يُبَيِّنَ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنَ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }، وقوله: {ويُبَيِّنَ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنَ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبِّينَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال تعالى: {يُبَيِّنَ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

قال ابن كثير: «أَيْ يَفْرِض لَكُمْ فَرَائِضه وَيَحُدّ لَكُمْ حُدُوده وَيُوَضِّح لَكُمْ شَرَائِعه، وَقَوْله: {أَنْ تَضِلُّوا} أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا عَن الْحَقّ بَعْد الْبَيَان».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك