
البوسنة والهرسك نموذجا- الوقف في وسائل الإعلام
النشر الإعلامي بشأن الوقف الإسلامي في وسائل الإعلام، يكاد لا يرى، على الرغم من دوره التاريخي في عهود الحضارة الإسلامية، وما قدم من نماذج ومشاريع ومؤسسات عجزت عن مجاراتها الحضارات الأخرى في الماضي والحاضر.
وهناك دراسة لباحث بوسني « ياسمين نوركيتش»، بعنوان: «الوقف في وسائل الإعلام»، عكفت عليها لمدة 4 سنوات، تابعت خلالها وسائل الإعلام في البوسنة والهرسك، وتناولها لقضايا الأوقاف، لكن ما عثرت عليه، يبعث على الرثاء؛ إذ إن الصحافيين وكثيرا من رجالات المجتمع المدني، لم يدرسوا الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأوقاف، ولا ما كانت تقوم به من تمويل ورعاية المستشفيات، والمدارس، ودور الأيتام، والمطاعم الخيرية وغيرها.
واعتبرت أن ما أولاه الإعلام لهذه القضية، لا يرقى لأهمية الوقف، في معالجة المشكلات الاجتماعية دون إثقال كاهل الدولة، ولا سيما في الظروف الاستثنائية، في معالجة الأزمات، وإدارة المجتمع المدني، حيث بدأت الأوقاف الإسلامية بالظهور في البوسنة والهرسك مع بداية الوجود العثماني الرسمي فيها، وتعد تسمية بعض المدن بالوقف أكبر شاهد على دور الأوقاف في تطوير البوسنة والهرسك وظهور المراكز الحضرية فيها، مما تبعه ظهور المراكز الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية، وتأكيداً لدور الأوقاف الإسلامية في البوسنة سُمّيت خمس مدن باسم الأوقاف مثل مدينة غوريني وقف «الأوقاف العليا»، ومدينة دونيي وقف «الأوقاف الصغرى»، ومدينة إسكندر وقف «وقف إسكندر، و«كولن وقف»، و«مدينة وقف» وتسمى حالياً سانسكى موست، كما أن بعض المدن الحالية كانت تحمل في اسمها كلمة وقف، مثل مدينة (مركونيتش غراد) التي كان اسمها في السابق (فارتسار وقف) .
ويشير الباحث نوركيتش إلى أن سراييفو على سبيل المثال، بنيت من أملاك الأوقاف، ومنها أوقاف عيسى بك إسحاقوفيتش، وأوقاف الغازي خسرو بك، وما نشاهده من دكاكين، وأسواق مسقوفة، وقناطر، وجسور، وشبكات المياه، وثلاثة أرباع مساكن سراييفو، جميعها كانت ملكا للأوقاف، ومع ذلك لا نجد سوى 186 مادة عن الأوقاف في جريدة «أفاز»، و35 في «بريبورود»، و33 في «أسلوبوجينيا»، وذلك في الفترة ما بين سنة 2000 و2003 وهي الفترة التي شهدت بدء معارك الأوقاف التي لا تزال مستمرة حتى اليوم»، فالأوقاف تعرضت لعملية تدمير ممنهج لإضعاف المجتمع المدني.
ولا شك أن ضعف التغطية الإعلامية له أسبابه، فالمؤسسات المعنية في الوقف ومشاريعه تخشى نشر مشاريعها ودورها المجتمعي لكيلا تتفتح الأعين الغربية والمحلية على تلك المؤسسات وأنشطتها، لتحارب من الخارج بالاتهام الجاهز : «دعم الإرهاب»، أو من الداخل كونها تضعف دور الدولة ودائرة سياساتها .
وكذلك الحرب التي تمارس على الوقف بوصفه نظاماًً ومؤسسات ومشاريع، أضعفت الوجود الإعلامي حول الوقف، وكان للاتجاه العلماني الدور في محاربة معالجة أي قضية مجتمعية من منظور إسلامي، باعتبار أن المؤسسات الوقفية والخيرية والمجتمعية القيمية داعمة للمشروع الإسلامي والحفاظ على القيم الإسلامية والعقيدة .
ومما أضعف الوجود الإعلامي للوقف الإسلامي عدم وجود جهات داعمة لبرامج تخص الوقف وتاريخه ودوره المجتمعي وتخفيفه الأعباء على الدول وحل المشكلات الطارئة ، وفي مقدمتها البرامج الوثائقية، وهي مكلفة جداً؛ حيث تصل تكلفة إنتاج برنامج وثائقي لمدة 50 دقيقة ما بين 30 و 50 ألف دولار.
وما زالت بعض الأنظمة العربية تصنع حدوداً وخطوطاً للفلك الذي ينبغي أن يدور حوله التحدث عن الوقف الإسلامي، ولا يراد له أن يكون مؤسسات تحقق نجاحات تعجز عن مجاراتها حكوماتهم، وفي الكثير من الأوقات لا تكون الحكومات سعيدة بتلك النجاحات؛ باعتقاده أن المؤسسة الوقفية خارجة عن السيطرة الكاملة الدولة.
ونشر ثقافة الوقف يواجه بعض الصعوبات وفي مقدمتها الجمع بين الماضي والحاضر، وبين الثوابت والمتغيرات، وبين الحداثة والتقليد، والإبداع لتلبية متطلبات المسلم المعاصر، وكشفت حاجات الواقع. ولا يعني ذلك أن ندخل في مجال التضخيم الإعلامي غير الموزون أو الإثارة العاطفية أو الأسلوب الركيك الذي يقلل من شأن الوقف؛ لذا ما نهدف إليه هو مشروع إعلامي وقفي يقدم خطابا ملائما وعصريا يعالج قضايا الوقف برؤية علمية .
وهذا يتطلب التخطيط لنشر ثقافة الوقف في وسائل الإعلام والذي ألخصه بالنقاط التالية :
1- إعداد الدراسات الميدانية والبحوث المتخصصة بشأن ثقافة الوقف وتحديد أهم نقاط القوة ونقاط الضعف في مستوى الثقافة عند الشعوب الإسلامية.
2- مشاركة أهل الاختصاص في الإعلام وعلوم الاجتماع وعلم النفس والشريعة والفقه والعمل الخيري والوقفي في صياغة الرؤية والرسالة والأهداف والأدوات لنشر ثقافة الوقف.
3- إعداد كادر مدرب من الفنيين من كتاب ومقدمي برامج ومحاضرين ومذيعين، تملكهم الرغبة في الإبداع والتميز وخدمة الوقف بأسلوب عصري جذاب، ولديهم القدرة على فهم احتياجات المرحلة.
4- التخصصات المتعمقة في ثقافة الوقف، والكوادر المؤهلة الإعلامية والفنية التي تستطيع أن تخرج مادة لها مضمون ورسالة وأسلوب وأداء وروح.
5- التنسيق مع الجهات العاملة في مجال الوقف بشأن الخطة لنشر ثقافة الوقف،والمشاركة في إنشاء وقف إعلامي، يصرف من ريعه لبرامج فضائية، وتطوير وتدريب الكوادر العاملة في الفضائيات الإسلامية.
6- البعد عن تسييس الوقف وعن الأغراض السياسية للحكومات وأهوائها، وإعطاء النظام الوقفي الاستقلالية والشفافية.
7- عقد مسابقات سنوية جماهيرية ومتخصصة حول الوقف وتغطيتها في وسائل الإعلام، وعقد برامج ودروس ومعارض عن الوقف في المدارس والجامعات والهيئات لنشر ثقافة الوقف وإحياء تلك السنة النبوية .
8- صياغة خطاب يحوي القواعد المثلى في التواصل مع الجماهير بشأن الوقف، ويحوي العبارات المقنعة والأدلة التي تستخدم ويستفاد منها في نشر تلك الثقافة.
ولابد من الاستفادة لنشر ثقافة الوقف من فرص توافر القنوات الفضائية، وحاجة العديد منها إلى برامج تغطي بها ساعات البث، ولا أعني بذلك المطالبة بإنشاء قناة فضائية عن الوقف- وإن توافرت فلا بأس - بل المطلوب توفير برامج وثائقية وحوارية وتثقيفية ومصورة حول الوقف ودوره في المجتمع وتقديم وعرض هذه البرامج للبث في القنوات القيمية.
لاتوجد تعليقات