رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: طلال أحمد باديان 11 أكتوبر، 2010 0 تعليق

البرمجة اللغوية العصبية «NLP» في الميزان

 

نشأت البرمجة اللغوية العصبية (NLP) في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1973م على يد (ريتشارد باندلر)، وكذلك عالم اللغويات (جون جريندر)؛ حيث شكلت اكتشافاتهما أسس البرمجة اللغوية العصبية المعروفة أيضاً بالاقتداء وبالتفوق الإنساني وقواعدها.

منذُ نشأتها كانت خاصةً بالأطباء والمرشدين النفسانيين، ولكن مع مرور الوقت تطورت وتوسعت استخداماتها، حتى أصبحت تُستخدم في الإدارة والتربية والصحة والمبيعات وغيرها من مجالات الحياة المختلفة.

ماذا تعني البرمجة اللغوية العصبية؟

تعني (البرمجة اللغوية العصبية): (برامج تشغيل العقل) (كارول هارس)، وهي كذلك: «دراسة التفوق الإنساني.. وهي القدرة على بذل قصارى جهدك أكثر وأكثر.. وهي الطريقة الجبّارة والعملية التي تؤدي إلى التغيير الشخصي.. وهي تكنولوجيا الإنجاز الجديدة» (ستيف أندرياس).

وذكر الدكتور/ إبراهيم الفقي في كتابه (البرمجة اللغوية العصبية وفن الاتصال اللامحدود) أن هناك مفهوماً أكثر دقة وصحة من الناحية العلمية ، وضعه مؤسسو البرمجة اللغوية العصبية أنفسهم، وهو أكثر تثقيفاً وتنويراً:

• البرمجة: تشير إلى أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا.. حيث إنه من الممكن استبدال البرامج المألوفة بأخرى جديدة وإيجابية.

• اللغوية: المقدرة على استخدام اللغة الملفوظة أو غير الملفوظة، والملفوظة تشير إلى كيفية عكس كلمات معينة ومجموعات من الكلمات لكلماتنا الذهنية.. وغير الملفوظة لها صلة بلغة الصمت، ولغة الوضعيات والحركات والعادات التي تكشف عن أساليبنا الفكرية ومعتقداتنا.

• العصبية: تشير إلى جهازنا العصبي، وهو سبيل حواسنا الخمس التي من خلالها نرى ونسمع ونشعر ونتذوق ونشم.

طبيعة الجدل مابين المؤيدين والمعارضين لها:

أثارت البرمجة اللغوية العصبية الكثير من الجدل منذ دخولها إلى مجتمعاتنا، ولاسيما عندما حظيت بإقبال ملحوظ من جانب شرائح واسعة من الشباب.

وينقسم المهتمون بها في وطننا العربي إلى فريقين: فريق يؤيد الاستفادة منها بما يعود علينا بالفائدة، وفريقٌ آخر يحذّر منها ويجعلها من العلوم الدخيلة لإفساد عقائدنا.

ويمكننا القول: إن الجدل الدائر حول البرمجة اللغوية العصبية هو ما أُثير عليها من أنها مرتبطة بفلسفات شرقية وثنية، وأن كثيرا من المشاهدات التي بنيت عليها فرضياتها ليس لها مصداقية إحصائية تجعلها فرضيات مقبولة علمياً، وكذلك نظرياتها مقتبسة من مراقبة بعض الظواهر على المرضى النفسيين الذين يبحثون عن العلاج. ثم عممت على الأصحاء الذين يبحثون عن التميز، وغير ذلك من الأمور التي سنوضحها لاحقاً.

كما أنني لست هنا في معرض مناقشة فتاوى الفريقين وأدلتهم، فللفتوى أهلها؛ وإنما في معرض مناقشة مجمل الرؤى والأفكار.

رؤية المؤيدين للبرمجة اللغوية العصبية:

عندما انتشرت البرمجة اللغوية العصبية في الوطن العربي منتصف تسعينيات القرن الماضي، توجه العديد من الأفراد لتعلمها وممارستها والاستفادة مما تقدمه؛ حيث اعتمد مؤيدوها على نفعيتها المباشرة، والنتائج التي تحققها، وقد ألّف الدكتور/ معتز يحيى سنبل كتاباً بعنوان (البرمجة اللغوية العصبية في الميزان) وضح فيه رؤية المؤيدين لها، وذكر فيه أدلتهم، وهذه الأدلة بحد ذاتها تعد أدلة عامة، كـ «الأصل في تعليم الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على المنع»، ثم ألحقها بفتاوى المؤيدين لها، وهو على حسب علمي يعد البحث الوحيد الذي ينتصر لها ويدافع عنها، ولاسيما من الناحية الشرعية، اللّهم ما كان على سبيل الكلمات الموجزة والعبارات المؤيدة لها، التي نجدها هنا وهناك.

لذلك عندما أجريت بعض المراسلات أستفسر فيها عن سبب قلة البحوث التي تنتصر (للبرمجة اللغوية العصبية)، أخبرني بعضهم أن فائدتها أصبحت واضحة للعيان كوضوح الشمس في رابعة النهار، وكأنه لايوجد أيما جدل حولها!!! وهذا لعمري هو الغلو بعينه.

 وقد اتجه الكثير من مؤيديها إلى الاستفادة منها في مجالات مختلفة تتعلق بكيفية رفع أداء الشخص وإنتاجيته، وكيف تكون الإدارة الناجحة ، وكذلك في أمور لا تبتعد عن خدمة الإسلام – من وجة نظرهم- وعلى سبيل المثال لا الحصر ما يسمّى بـ(دورات حفظ القرآن الكريم بواسطة البرمجة اللغوية العصبية).

رؤية المعارضين للبرمجة اللغوية العصبية:

انطلقت رؤية المعارضين لـ(البرمجة اللغوية العصبية) من أنهم لا يعدونها علماً، وإنما فكرا فلسفيا، وخليطا من العلوم ومن الديانات الأخرى.

وهناك بعض الملاحظات عليها أوردها المعارضون لها في أماكن متفرقة أجملها فيما يلي:

1. وجود بعض المخالفات والثغرات الشرعية، ومنها التهوين من شأن القضاء والقدر، وإشعار الشخص بأنه يستطيع تحقيق ما يريد من خلال الإيحاء لعقله الباطن.

2. فيها استخفاف بالعقل البشري، وإفراط في التعامل مع العقل الباطن، فالفقير يمكن أن يصبح غنياً بمجرد إقناع نفسه بذلك، وترداد كلمة: «أنا غني، أنا غني» فيصبح كذلك.

3. هناك علاقة وطيدة بينها وبين السحر؛ حيث ورد في موسوعة البرمجة اللغوية العصبية من تأليف (روبرت دلتس وجودث ديلوزير) أن السحر مهم في إرساء ثقافة اللامستحيل».

4. كثير من المشاهدات التي بنيت عليها فرضياتها ليس لها مصداقية إحصائية تجعلها فرضيات مقبولة علمياً، فيتدرب المتدرب على أنها حقائق رغم أنها لا ترقى لمستوى النظرية.

5. تبني بعض المنظمات المشبوهة لها كمنظمة (النيوإيج)، وكذلك ارتباطها بممارسات أخرى كبرامج الطاقة والريكي واليوغا وغيرها مما كثير منها في أصله عقائد وثنية.

ولمعرفة المزيد من رؤية المعارضين لها فهناك الكثير من الكتب التي تناولت هذه الرؤية بالتفصيل ومنها ما يلي:

• حقيقة البرمجة اللغوية العصبية (الأصول ، المضامين ، المخرجات) تأليف: فوز بنت عبداللطيف بن كامل كردي .

• فلسفة (الماكروبيوتك) وعلاقتها بالبرمجة اللغوية العصبية والعقائد والفلسفات المنحرفة و دور الصهيونية العالمية، تأليف:أ.د. نجاح بنت أحمد الظهار.

• البرمجة اللغوية العصبية (دراسة مبدئية)، د. عوض بن عودة.

• البرمجة اللغوية العصبية (حوار و نقد من منظور شرعي) تأليف: أحمد بن صالح الزهراني.

رؤيتي:

لا أخفي عليك إن قلت لك: إنني كنت من المعجبين بالبرمجة اللغوية العصبية؛ حيث إني حضرت بعض الدورات القصيرة فيها، وقرأت الكثير من الكتب العربية والمترجمة عنها؛ ولكن عندما نظرت إليها نظرة إنصاف طالباً للرشاد ومستعيناً بربي – جلِّ وعلى- أيقنت أنها بحاجة إلى تصفية وتنقية من الشوائب التي فيها.

لذا لا أنصح بتعلمها إلاّ إذا تمت تنقيتها من جميع الشوائب ولاسيما كل ما يتعلق بالعقيدة والفلسفة والديانات الوثنية، وذلك من قِبل هيئة أو اتحاد من الأكاديميين والمتخصصين في الشريعة الإسلامية، أو وجود مدرب لديه خلفية شرعية، وليسَ من المغالين فيها.

الختام:

فإذا كانت كثير من المقالات أعدت لتجيب عن أسئلتك أخي القارئ، فإن هذه المقالة قد أعدت لتتركك أمام تساؤلات عديدة!! وتدعوك إلى البحث بإنصاف وتجرد حتى تصل إلى الحق وإلى طريق الرشاد، فهي إذاً تجعل (البرمجة اللغوية العصبية) في الميزان وعلى المحك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك