رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيام الجاسم 17 يناير، 2024 0 تعليق

الاعتزاز بالدين صلابة نفسية ومناعة عقلية

 

  • يوجد مسلمون كثيرون ينتمون للإسلام ولكن افتخارهم واعتزازهم بما يملكون من فتات دنياهم أكبر من اعتزازهم بدينهم
  • الافتخار بديننا الإسلامي شعور قلبي وإدراك عقلي بعظمة الانتماء والولاء لله ولرسوله ولدينه ولا غير
  • الله جلّ في علاه حرّم الافتخار والاعتزاز في غير دينه فلله العزة ولرسوله ولدينه وغير هذا الاعتزاز فمنهيّ عنه ومحرم في ديننا
 

نحن -المسلمين- مأمورون أن نعتزّ بربنا وبديننا وبنبيّنا، ذلك الشعور القلبي يورّث في المرء قوة المنعة النفسية والصلابة القلبية، ضد كل ما من شأنه يتسبب في تصدّع النفس، وكل ما يُفضي إلى هشاشة الفكر والمعتقد.

        فالمسلم يجتهد أن يكون هو المؤمن القوي الذي يستمد قوته من قيم دينه، ويرسّخ -عقليا وسلوكيا في جذوره- ثوابت الأخلاق الإسلامية، فذلك هو المسلم القوي الذي تنعكس هيبته في نفوس الآخرين، ممن يتقصّدون تفتيت صلابته القلبية والعقلية، فلن يسمح لهم بذلك مهما كانت عندهم جيوش التصديع وآليات التفتيت لنفسه وعقله، وما سلوكياته -التي بها الثبات والرسوخ- إلا انعكاس لقوة اعتزازه بدينه ومنعة انتمائه لعقيدة الإسلام ومنظومته، قال -تعالى-: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران ٨٥). والإسلام ولا غير، وكما ذكر ربنا استكمالا للآية السابقة بقوله:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}، ومن ذاك المغبون الذي يرغب أن يكون من الخاسرين! إذ ختم ربنا بقوله -عز وجل-: {وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

حقيقة الانتماء إلى الإسلام

       كثيرون مسلمون ينتمون للإسلام، ولكن افتخارهم واعتزازهم بما يملكون من فتات دنياهم أكبر من اعتزازهم بدينهم، فهم منشغلون بتأصيل ذاك الافتخار الدنيوي بحطام تافه وممتلكات لا قيمة لها، مهما كانت باهظة الثمن مقابل ما هو مطلوب منهم من تمكين نفوسهم بالعزة والفخر بدينهم، إنهم يرسمون لذاك الافتخار وتلك المكاثرة والمباهاة طريقا استشرافيا ويجيّشون له كل طاقاتهم؛ من أجل أن يمنهجوا ذاك الافتخار، ويجعلونه مهمينا على طريقة تعاملاتهم مع الناس، بل ويبنون عليه الطبقية والفوقية في التعامل مع الآخرين؛ إذ يفرضون عليهم كل تداعيات تلك المباهاة من استعلاء واحتقار لمن هو أقل منهم مالا وثروة وتملّكاً.

الاعتزاز بالدين فقط

         فالله جلّ في علاه حرّم الافتخار والاعتزاز في غير دينه فلله العزة ولرسوله ولدينه وغير هذا الاعتزاز فمنهيّ عنه ومحرم في ديننا إذ قال ربنا عزّ من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد:٢٣)، وقال ربنا في آية صريحة واضحة جلية بمعانيها {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون آية ٨). أعزائي القراء، كلما افتخر المرء وباهى غيره بأمرٍ من أمور الدنيا، اضمحلّ وانخفض عنده منسوب الاعتزاز بدينه، وانشغل بالتباهي بما يملك أمام الناس، وتناسى وضاعت من نفسه هيبة الاعتداد بقيم الدين ومبادئه والأخلاق الإسلامية وثوابت العقيدة، فكلما أظهر المسلم شيئا من السلوك الدال على هوس الفوقية والافتخار، دلّ ذلك الافتخار على انخفاض مستوى الولاء لكل عناصر الدين ومكوناته، فمن يتفرنج في لغته مع أولاده وزوجه في كل مناحي الحياة، فإنه تخلّى عن لغته الأم لغة القرآن، ومن احتفل بمناسبات هي لغير المسلمين في أي بقاع الأرض بينما في مناسبة عيدي الفطر والأضحى ينام عن صلاتي العيدين، بل وتنطفئ حيويته في هذين العيدين، فإنه فقد كثيرا من ولائه لله ولرسوله ولدينه.

دقائق أمور في حياتنا اليومية

        أعزائي القراء.. إن هناك أمورا دقيقة نمارسها في حياتنا اليومية، تخالف الاعتزاز والانتماء لربنا ولرسولنا ولمنهاج ديننا الإسلام، سواء في اللباس أم اللغة وفي الاحتفالات وفي السفر ونظرتنا الدونية العامة للمسلمين على أنهم جهلة وفقراء، وأنّ كل «السّنع» والرقي والفهم والتقدم هو عند غير المسلمين! يقولونها بافتخار ومباهاة بهم وبشعور الانتماء، وتمني الحياة بينهم! تلك الدقائق في حياتنا اليومية إنْ لم ننتبه لها وإلا فإننا سائرون باتجاه عدم الاعتزاز بديننا وبربنا وبرسولنا، وسيتحقق الانسلاخ من هوية الدين الإسلامي الذي لن نعزّ مالم نعتز به، فالمسلم الكيّس الفطن الأريب لا يقبل ولا يرضى من نفسه أن يعتدّ ويعتز بغير ما أمر الله -تعالى- الاعتزاز به.

حياة المسلمين الأوائل

         ويا ليتنا ننظر نظرة ثاقبة في حياة المسلمين الأوائل الذين اعتزوا بالله وبرسوله وبدينه وأخلاقياته! لعلها تحيي في نفوسنا شيئا من الخجل والتحرج والنباهة باتجاه ما نخطئ به في دقائق يومياتنا، فعن طارق بن شهاب قال: «خرج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضّة (وهي أرض ضحلة فيها ماء)، وعمر على ناقته، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما، على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا؟! تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ مايسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك، فقال عمر: «أوه لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنّا كنا أذلّ قومٍ، فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّة بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله». رواية صحيحة على شرط الشيخين.

الغيرة التي يحبها الله ويبغضها

          عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم  وحسّنه الألباني. عن جابر بن عتيك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنّ من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله، ومن الخيلاء مايحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الرّيبة، وأما الغيرة التي يبغض الله  فالغيرة في غير الريبة، وأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال واختياله عند الصدقة، وأما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي والفخر».

العزّ خلاف الذل

       أعزائي القراء، العزّ خلاف الذل، والعز في الأصل هو القوة والشدة والغلبة والبأس ورباطة الجأش، ورجل عزيز أي منيع لا يُغلب فالعزة هي المنعة؛ إذ قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (النساء: ١٣٩)، فالنصرة والمنعة والقوة لله -عز وجل-، فالله في علاه -سبحانه وتعالى- يَقهر ولا يُقهَر ويَغلب ولا يُغلَب، قال -تعالى-: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (فاطر: ١٠).

شعور قلبي وإدراك عقلي

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، إنّ الافتخار بديننا الإسلامي شعور قلبي وإدراك عقلي بعظمة الانتماء والولاء لله ولرسوله ولدينه ولا غير، ومن فقد ذلك فقد هيبة نفسه ومكانته بين شعوب العالم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك