رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ عقيل بن محمد المقطري 14 أغسطس، 2010 0 تعليق

الإصلاحات المنشودة لمواجهة الأزمة القائمة في اليمن

  

إن اليمن عاشت عقوداً من الزمن على الفساد والإفساد المنظم في مختلف الصعد، وهي تعيش اليوم على مفترق طرق، يتقرر مصيرها على أي الطرق ستسلك على نحو حاسم؛ فإما أن تختار طريق الإصلاح الشامل كي تتعافى أوضاعها وتتهيأ أمامها فرصة النهوض والفوز بمستقبل أفضل، وإما أن تستمر في مواصلة السير في الطريق الراهن الذي سيفضي بها في نهاية الأمر إلى مزيد من الاضطرابات؛ مما سيؤدي بها حتما إلى السقوط في هاوية الفشل والانهيار.

ولم يعد خافيا على أحد من اليمنيين الشرفاء حجم المأساة التي تنتظرهم؛ فالتدهور المستمر في الأوضاع العامة للبلاد يشير بوضوح لا لبس فيه، والتحذيرات التي تحملها التقارير الرسمية تتوالى منبهة إلى سوء العاقبة ما لم يتم تدارك الأوضاع قبل فوات الأوان.

 

وتشخيصا للداء ففي المستوى السياسي تبرز مظاهر هذه الأزمة في غياب القانون في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبروز التمييز بين الناس على أساس حزبي مقيت، وانعدام المحاسبة والمساءلة، والتأثير على استقلالية السلطتين التشريعية والقضائية، والمحسوبيات في توزيع الوظائف العامة دون النظر في الكفاءات؛ مما أدى إلى تشكيل جهاز حكومي ضعيف وعاجز، وتسخير المال العام والوظيفة العامة، عسكرية ومدنية وكل مقدرات الدولة لصالح الحزب الحاكم، وإكراه بعض موظفي الدولة على الانضمام إليه بوصفه شرطاً لاستمرارهم في وظائفهم ومنحهم الدرجات الوظيفية والترقيات المستحقة لهم، واستخدام المؤسسات الأمنية لخدمة مصالح المتنفذين، وابتزاز حقوق الضعفاء، وتعرض بعض الصحف إما للحجز أو منع التوزيع، نظراً لنشرها آراء ناقدة للسياسات والتوجيهات الخاطئة، وكشف بعض ممارسات الفساد وتزايد معاناة المواطنين من الإهانات، وتعرض بعضهم للحبس والتعسف والابتزاز والاستغلال، وتزايد حالات الاعتقالات التعسفية دون إحالة إلى النيابة والمحاكم.

 

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي تبرز مظاهر الأزمة في:

1 - تخلف عملية التنمية، وعزوف رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية عن الاستثمار في البلد؛ نظراً لانعدام الأمن وغياب القانون ووجود بعض المتنفذين الذين يؤرقون المستثمرين.

2 - استفحال الفقر حتى شمل غالبية السكان، وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل إلى مستويات خطيرة جداً، مع تدني دخل الفرد إلى درجة صنفت فيها اليمن الأكثر فقراً والأقل نموا بين مجموعة قليلة من دول العالم الفقيرة.

3 - التراجع المستمر لمستوى خدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء وبقية الخدمات الاجتماعية، وتدني مستوى وكفاءة البنى التحتية الأساسية، وذلك بحسب البيانات والتقارير الرسمية والدولية، يقابل ذلك استشراء الفساد الواضح للعيان الذي لا ينكره المبصرون ولا العميان.

 

 

4 - استمرار التدهور الاقتصادي، واستفحال الفساد المالي والإداري، ونهم المتنفذين للإثراء غير المشروع عن طريق استخدام السلطة بوصفه وسيلةً للحصول على الثروة الجاهزة دون المشاركة في إنتاجها.

الإصلاحات المطلوبة:

وللخروج من هذه الأزمة المتراكمة على مر السنين لابد من الإصلاح السياسي أولا؛ لأنه هو صمام أمان مؤسسات الدولة الأخرى، و«إن الله ليَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

إن الأخذ بالنظام البرلماني القائم على الشورى الإسلامية بديلا عن النظام القائم، سيمثل خطوة نوعية حاسمة في تحقيق الإصلاح السياسي ويهيئ الأجواء للإصلاحات في المجالات الأخرى.

ويجب أن يكون في البرلمان وفي مجلس الشورى أهل الحل والعقد من مختلف التخصصات.

فالواقع المعيش يشهد أن المؤسسات قد همشت، وتحول الفساد إلى ممارسة منظمة تدار به البلاد، وإلى أداة لاحتكار السلطة وتأمين الاحتفاظ بها، وتملكها وتوريثها للأقارب والأبناء فيما بعد، وشكل الغطاء الأمثل لتنمية قوى ومصالح الفساد، وإشاعة الفوضى على حساب سيادة القانون. وبالتالي الحرمان المتزايد لكافة فئات المجتمع، والتضييق على مصالهم الحيوية، وإحلال معايير الولاء الفردي محل المعايير الولاء للدولة الوطنية، واحترام الدستور والقوانين.

إن مشروع التغيير المنشود يجب أن يستهدف استهدافاً عاماً تغيير المناخ العام في البلاد؛ بما يؤدي إلى إزالة وتجفيف منابع الفساد، وترسيخ الرقابة والمحاسبة والثواب والعقاب.

ويتوخى تحقيق الأهداف الآتية:

1 - تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة، وإلغاء كافة القوانين التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية؛ لأن الدستور قد نص على أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا وأي قانون يتصادم مع الشريعة الإسلامية يعد مُلغىً؛ امتثالا لقول الله عز وجل: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون} «المائدة: 49».

2 - إصلاح السلطة القضائية والعمل على جعلها مستقلة استقلالا حقيقيا من جهتين: الأولى الاستقلال ماليا وإدارياً وفنيا، والثانية استقلال القاضي في قضائه حكما وتنفيذا ومنع كافة أنواع التدخل في شؤون القضاء، وتفعيل دور القضاء في حماية الحريات، واحترام الحقوق العامة والخاصة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.

3 - إصلاح المؤسسات الخدمية وإبعاد الفاسدين منها، بحيث تقدم الخدمات للمواطنين بسهولة ويسر دون تعقيد أو رشاوى أو مماطلة، مع النظر الجاد إلى أزمتي المياه والطاقة الكهربائية الخطيرتين، اللتين تعاني منها معظم مناطق البلاد.

4 - توفير التأمين الصحي بما يكفل الحصول على حق العلاج والتطبيب في الداخل والخارج بصورة متساوية لجميع المواطنين، ودون تمييز أو استثناءات.

5 -إصلاح التعليم ومؤسساته بحيث يؤدي إلى دعم وتعزيز كل مجالات الإصلاح، ومنها أن تكون مناهج التعليم متوازنة، بما يحقق التنمية وبما يتلاءم مع متغيرات التقنية واستيعابها، وتشجيع الإبداع والاهتمام بالبحث العلمي في كافة المجالات.

6 - يجب مواجهة الفساد المستشري والعبث والنهب المنظم للمال العام، الذي استنزف ويستنزف معظم جهود ومقدرات التنمية، والقضاء على مسبباتها وبؤر انتشارها كي لا تسقط البلد في الهاوية.

7 - يجب على الدولة أن تتبنى سياسة اقتصادية تتوافق مع الشريعة الإسلامية؛ لأنها هي الكفيلة بتحفيز الاقتصاد وجعله قادرا على الاستمرار بحيث يكون من أولويات أهداف هذه السياسة: مكافحة الفقر والبطالة من خلال إيجاد فرص عمل، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ولاسيما ذوو الدخل المحدود.

8 -  دعم وتشجيع القطاع الخاص ليؤدي دوره في التنمية، والاستثمار في الأنشطة المختلفة.

9 - ترشيد الإنفاق الحكومي ومنع العبث بالمال العام، وزيادة الإنفاق في المجال التنموي، وإعطاء الأولوية لقطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأساسية، وإعادة توزيع الموارد المالية توزيعاً عادلاً.

10 - حماية المرأة والطفل من الهجمات التغريبية، وإلغاء جميع القوانين التي تهدف إلى تغريب المرأة أو الطفل أو الأسرة اليمنية.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك