رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 4 أغسطس، 2010 0 تعليق

الإسلام قدم تجربة فريدة في صهر الطوائف والأعراق في بوتقة واحدة- النزاعات العرقية والطائفية تحاصر العالم الإسلامي

 

 

 

 

بقدر ما كان التنوع العرقي والإثني من أهم الميزات التي تمتع بها العالم الإسلامي، بقدر ما كان هذا علامة من علامات الثراء والتنوع وقدرة الإسلام على احتواء الموازييك العرقي والإثني، فهذا عربي وهذا كردي وهذا تركماني والآخر بربري أمازيغي؛ حيث استطاع الدين الحنيف في مراحله الأولى وما تبعه من سلف صالح صهر هذه الأمم والقبائل في بوتقة واحدة انطلاقًا من قوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

 

وقد كان هذا التنوع العرقي والديني وحتى القبائلي مصدر عزة وانتصار للإسلام ودعوته؛ حيث أسهمت أجناس وأعراق متعددة في انتصاره، فهذا سلمان الفارسي وهذا بلال الحبشي وذلك صهيب الرومي جمعهم الإسلام على قلب رجل واحد في انسجام رائع استطاع نشر الدعوة الإسلامية وتكريس عالمية الدين الإسلامي.

ولكن في المقابل إذا نظرنا إلى هذا التنوع العرقي والإثني والقبائلي؛ نجد أنه تحول من نعمة إلى نقمة، فنادرًا ما نجد دولة عربية أو إسلامية تتميز بالنقاء العرقي حيث تنتشر في ربوعها عديد من الأعراق والقبائل لم تنجح في التعايش معا رغم أن الإسلام يشكل مظلة للجميع.

صراعات عرقية

ولعل المثال الأكبر لما تعانيه الدول العربية من صراعات عرقية وإثنية وقبائلية ما يحدث في العراق؛ فقد تحول بلد الخلافة الإسلامية إلى أشلاء وطن بفعل الصراع بين مكونات الشعب العراقي؛ حيث تحاول جميع العرقيات الاستفادة من وجود الاحتلال الأمريكي لبلد الرافدين دون الوضع في الاعتبار وحدة هذا البلد واستقراره، فالأكراد يحاولون تكريس انفصال الجنوب بوصفه وطناً عرقياً لهم، والشيعة في الجنوب استخدموا الاحتلال الأمريكي مخلباً لافتراس سنة العراق والهيمنة على بلد الرافدين وضمها للامبراطورية الإيرانية دون أن يضعوا في اعتبارهم أن وجود عراق آمن ومستقر ومطمئن لجيرانه أفضل ضمانة لاستقرار مجمل ألوان الطيف للشعب العراقي.

وقد استخدمت ميليشيات القتل الطائفية في العراق أبشع الوسائل لتطهير العراق من السنة العرب برغم أنهم مكون أصيل من الشعب العراقي؛ بذرائع القتل والانتقام، متجاهلين أن أزهى فترات التسامح والاستقرار في العراق طوال تاريخه كانت إبان حكم السنة العرب باستثناء فترات بعينها.

ميليشيات

ولا يؤدي الشعوبيون في العراق وحدهم الدور الأهم في الصراع العرقي، فميليشيات البشمرجة الكردية لا تترك فرصة لتصفية الوجود العربي والتركماني في كركوك إلا قامت بها رغم أن الثلاث عرقيات يشتركون معًا في الدين الإسلامي والهوية السنية غير أن النزعات العرقية والطائفية أصبحت المسيطر الأول عليهم والحاكم الأول لجميع تصرفاتهم.

وإذا استعرضنا مجمل الخسائر التي أصابت العراق جراء غياب وجود هوية إسلامية له وسيطرة النزعات العرقية والقبائلية على مكوناته نجدها بالغة الخطورة، فخسائر بلد الرافدين مما حدث فقط بعد التاسع من أبريل 2003 واحتلالها تفوق 1000 مليار دولار بحسب تقارير صادرة عن صندوق النقد والبنك الدوليين ومكتب المحاسبة الأمريكي نتيجة انهيار البنية الأساسية للدولة وما يترتب على ذلك من تخريب جميع المؤسسات الخدمية من تعليم وصحة ومياه، فضلا عن مقتل ما يقرب من 2 مليون عراقي، وحاجة البلاد لمبلغ مماثل لخسائر الاحتلال للوقوف على قدميه من جديد إذا استطاع التغلب على عثراته ولملمة شتاته من مواطنين وكوادر مؤهلة وأكاديميين وعلماء في شتى المجالات وقعوا بين مطرقة التشريد وسندان التصفية بفعل سيطرة النزعات القبائلية وشهوة الانتقام الطائفية.

حروب طاحنة

وإذا انتقلنا من العراق إلى السودان فالوضع لا يختلف كثيرًا، فالسودان دفع ثمنًا باهظًا من استقراره وأمنه وازدهاره بفعل حرب طاحنة في جنوبه بين الشمال المسلم والجنوب الوثني والمسيحي بفعل التناحر الطائفي القبلي، وقد استمرت موارد الدولة السودانية مسخرة منذ الاستقلال وحتى توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا في كينيا وحتى منتصف العقد الحالي لخدمة هذا الصراع الذي يهدد وحدة واستقرار البلاد؛ حيث تسببت هذه المشكلة في انهيار معدلات التنمية وانتشار الفقر وتآكل البنية التحتية وفشل الدولة في الاستفادة من إمكانياتها سواء الزراعية سلة غداء للعالم أو الموارد النفطية الواعدة التي ظهرت سواء في الشمال أو الجنوب بشكل جعل السودان يتصدر قائمة الدول الأكثر فقرًا والأقل نموًا.

وإذا انتقلنا للصراع في دارفور فإننا نجد الصور أبشع للتطاحن العرقي في العالم الإسلامي فالمشكلة تبدو أكثر تعقيدًا في دارفور ذات النقاء الإسلامي؛ حيث وقع الإقليم بين كفتي رحى قبائل المسيرية والمساليت العربية وبين قبائل الزغاوة ذات الأصل الأفريقي، وهو صراع دفع عشرات الآلاف من القتلى حياتهم ومئات الآلاف من المشردين ثمنًا باهظًا له بفعل الصراع على النفوذ بين القبائل والفشل في تسوية قضايا الرعي والمياه.

وقد أسهم هذا الصراع الإسلامي - الإسلامي في تحويل الإقليم لأبشع صور الصراع العرقي، ونتج عنه أوضاع اقتصادية شديدة التعقيد وفشل السودان في استغلال ثروات الإقليم من ذهب ويورانيوم ونفط، لدرجة أن أحد التقارير الصادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية قد قدر خسائر السودان بما يتجاوز 10 مليارات دولار نتيجة الصراع في دارفور، وهي أموال كانت تكفي لنقل البلاد نقلة حضارية غير مسبوقة.

من السودان للصومال، فالأوضاع أكثر اشتعالا نتيجة الصراعات القبلية في هذا البلد وتحكم الولاء القبلي دون الولاء للدولة والمواطنة، فإذا كان رئيس الجمهورية من هذه القبيلة فلا بد أن يكون رئيس الوزراء من القبيلة الأخرى التي غالبًا ما تكون قبيلة الهوية واسعة النفوذ في الصومال، أو بمعنى أدق أن المحاصصة الطائفية والصراع القبلي هما السبب في غياب سلطة الدولة منذ سقوط سياد تري عام 1991م وفشل جميع المحاولات لإعادة الاستقرار للصومال، وكان من بينها فشل محاولات التوفيق بين الرئيس الصومال المؤقت علي مهدي محمد ومحمد فارح عيديد أحد أبرز زعماء الحرب.

صورة بشعة

وإذا انتقلنا إلى صورة أخرى للصراع العرقي فسنجدها بادية بقوة في بلد ذات أغلبية إسلامية كاسحة وهي تشاد، فالبلاد تعاني منذ استقلالها عن فرنسا في أوائل الستينيات من القرن الماضي باستثناء العام الأول من الصراعات القبائلية بين قبائل الزغاوة وداراعاز والحجراي والفولانة والانقلابات العسكرية؛ بسبب الصراعات بين العرقين العربي والأفريقي ورغبة كل قبيلة من القبائل السابقة في السيطرة، والنتيجة معروفة: مزيد من التناحر السياسي والعرقي والأزمة الاقتصادية والانقلابات العسكرية وتردي سلطات الدولة وافتقاد الأمن وانهيار الخدمات وفشل الدولة في الاستفادة من الثروات الطبيعية النفيسة التي تملأ بها أراضيها وتحولها لواحدة من أفقر دول العالم.

ولا تخلو العديد من الدول الإسلامية من الصراعات العرقية، فالأوضاع في اليمن وموريتانيا والنيجر ونيجيريا لا تخلو من صراعات مسلحة هددت في أوقات كثيرة وحدة هذه البلدان وعرقلت مسيرة التنمية فيها، لدرجة أن دولة مثل نيجيريا مؤهلة للتحول لواحدة من أكثر دول العالم إنتاجًا للنفط وقد تراجعت بفعل الهجمات العرقية والطائفية على شركات النفط في دلتا نهر النيجر مما أسهم في تراجع أدائها الاقتصادي.

تداعيات مدمرة

وبعد هذا الاستعراض حري بنا أن نؤكد أن النزعات العرقية والطائفية والقبلية كانت تداعيات شديدة الخطورة على الأوضاع داخل العديد من البلدان الإسلامية وبشكل أسهم في عرقلة مسيرة التنمية في مثل هذه البلدان، فضلاً عن أن هذه الأوضاع المضطربة في هذه البلدان قد أعطت الفرصة لدول الغرب للتدخل في شؤون هذه الدول واستخدام قضايا الأقليات العرقية كمسمار جحا لابتزاز العالم الإسلامي والهيمنة على ثرواته، وليس أدل على ذلك مما يحدث في دارفور والعراق وغيرهما.

غياب الحكم الرشيد

وفي هذا الإطار يرى الدكتور إبراهيم يسري مساعد وزير الخارجية السابق أن النزعات العرقية والقبائلية قد أضرت بشدة باستقلال القرار السياسي في العالمين العربي والإسلامي وعرقلت من مسيرة التنمية فما يحدث في العراق والسودان والصومال وتشاد يعد مثالاً على التأثيرات السلبية؛ فقد زعزعت هذه النعرات سلطة الدولة في العراق والصومال، وهناك احتمال بانتقال هذه التداعيات للسودان وتشاد في المرحلة القادمة.

وتابع السفير يسري: لقد أدت الانقلابات العسكرية وسيطرة النخب الموالية للقوى الاستعمارية دورًا في تكريس هذه النعرات، ولم تفلح الدولة الحديثة في العالمين العربي والإسلامي في التركيز على قضية المواطنة، حيث سيطر الولاء للقبيلة والجماعة على الولاء للدولة في عديد من الدول الأفريقية ومنها دول ذات أغلبية مسلمة.

ولفت مساعد وزير الخارجية المصري السابق إلى أن غياب الديمقراطية وعدم تكريس دولة القانون مرشح للاستمرار ما دام الحكم الرشيد غائب عن العديد من الدول العربية والإسلامية، محذرًا في الوقت نفسه من مواجهة الدول العربية والإسلامية مخاطر جمة إذا لم تنجح في تلجيم النعرات الطائفية والعرقية، لاسيما أن الغرب لديه القدرة على استخدام ملف الأقليات العرقية والطائفية لتنفيذ أجندته.

رؤية إسلامية

ويوافق على الطرح السابق الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، مؤكدًا أن الإسلام قد قدم منذ 1400 عام حلاً لهذه المشكلة عبر سبر أغوار جميع الأعراق والملل التي اعتنقت الدين الحنيف مشيرًا إلى أداء الإسلام دور مهم في حياة دول وشعوب العالم الإسلامي بوصفه عقيدة وحضارة وثقافة تقدم حلاً لهذه المعضلة التي سعى الغرب لتكريسها للاستفادة منها في السيطرة على مقدرات أمتنا.

ولفت د. إمام إلى أن الخسائر السياسية والاقتصادية لهذه النزعات هي المسؤولة عن تخلف العالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ مما يتطلب من الدول الإسلامية والمؤسسات الدينية التدخل للبحث عن حل لهذه الأزمة عبر المراهنة على الهوية الدينية والمواطنة، وهو أمر ينسجم مع الميراث الإسلامي الأصيل.

وأوضح أن استحضار تجربة الإسلام في صهر هذه الأعراق وتسخير ذلك في خدمة الدعوة الإسلامية هو الأمل الوحيد لإنقاذ الأمة من المأزق الشديد الذي تعاني منه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك