رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 4 أغسطس، 2010 0 تعليق

الإســـلام والغـــرب.. ومرحلـة جديـدة من العلاقات

 

 
العلاقة بين الإسلام والغرب علاقة شهدت تقلبات متعددة على مر التاريخ والعصور، يدور فيها الحوار تارة والصراع تارة أخرى، وفي كل هذه الأحوال كان الإسلام هو الأكثر استيعابا والأقوى حجة والأقرب للإنسان من قلبه وعقله؛ لما تتمتع به فلسفة الإسلام وعنايته بالماديات والروحانيات في آن واحد.

وقد شهدت هذه العلاقات توترات كبرى واتهامات باطلة للإسلام والمسلمين وانهالت الحروب الصليبية للقضاء على الإسلام، وتبعها حروب من أنواع أخرى في العصر الحديث بأفكار ومرجعيات مختلفة وإن كان الهدف واحداً وهو القضاء على الإسلام.

فقد عانينا وذقنا مرار مد العلمانية والأفكار الليبرالية – المتحررة من كل قيد وشرط – وكذلك المد الشيوعي الإلحادي، كل هذه التيارات – للأسف الشديد وجدت لها مروجين وحلفاء ووكلاء في العالم الإسلامي يساعدونهم في تحقيق أحلامهم في القضاء على ما عرف زورا وبهتانا بالخطر الأخضر، قاصدين الإسلام.

وللأسف الشديد فقد ضاعت المفاهيم واختلطت، والتبس الأمر على الجميع فغذوا نشر مصطلحات العنصرية والتمييز ضد الجنس واللون والعرق وإهدار حقوق المرأة وكرامتها وغيرها من القضايا التي ألصقوها بالإسلام، واشتدت هذه الدعوات اشتداداً كبيراً في القرن الماضي تحديدا، وما زالت توابعها مستمرة حتى الآن.

ولا يخفى على أحد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001- التي لم يتأكد حتى الآن من مرتكبوها – قد أشعلت الفتنة وزادت من الصراع والكراهية للإسلام والمسلمين بعد أن نجحت إدارة بوش السابقة وباقتدار في إلصاق هذه التهمة بالمسلمين؛ الأمر الذي ترتب عليه الخوف من كل المسلمين ومضايقتهم عند دخول الدول الغربية وخصوصاً كل من يكون اسمه محمدا أو عبدالله وتفتيشهم بطريقة مهينة وإذلالهم.. وما زاد من الصراع والكراهية المتبادلة بين الإسلام والغرب استخدام الإدارة الأمريكية أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتغذية الصراع، واستخدامها ذريعة في احتلال أفغانستان والعراق والتضييق عل القضية الفلسطينية واللعب بملفات أخرى في الصومال والسودان ولبنان وغيرها من الدول العربية والإسلامية، للحد الذي وصل إليه الغرب أنه لم يعد يتحمل وبدأ في الانهيار، والحث عن حلول ومخارج ولماذا لا، والأيام دول؟!

نعم، يتضح ذلك بشكل خاص بعد أن حضر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليخاطب العالم الإسلامي منذ ما يزيد عن شهر بلغة اتضح منها أنه يريد تغيير صورة بلاده والغرب في عيون المسلمين، ولأنهم في حاجة ماسة إلى ذلك بعد أن بدأ انهيارهم وفشلت مخططاتهم، وتأكدوا أن المسلمين ليسوا كما تم تصويرهم وأنهم أبعد بكثير عن أي شبهة أو اشتباه.

ورغم كل ذلك متى وجهت الدعوة للحوار كان المسلمون سباقين دائما لموائد الحوار متمسكين بثوابت دينهم مقيمين الحجة والبرهان وفي إعجاز شديد ينفون التهم ويزيلونها.

ولعل حسنا ما فعله الأزهر مؤخرا منذ أيام عدة في القاهرة حين أقامت الرابطة العالمية لخريجي الأزهر ملتقاها الرابع تحت عنوان: "الأزهر والغرب.. ضوابط الحوار وحدوده"، بمشاركة عدد كبير من خريجي الأزهر على مستوى العالم من بينهم د.مأمون عبدالقيوم، رئيس جمهورية جزر المالديف سابقا، وعدد من أتباع الأديان الأخرى ليستمعوا وهم في رحاب أعلى مرجعية إسلامية للعالم الإسلامي، الأزهر الشريف، الذي يتميز بنشر المنهج الوسطي للإسلام وتعليمه.

شرف المقاصد

وهنا يؤكد فضيلة الشيخ د.محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر أن صدام الحضارات منهج مرفوض، موضحا أن الشرق له حضارته والغرب له حضارته والشمال والجنوب كذلك، ويقول شيخ الأزهر: إن الأزهر الشريف يؤمن بأن خير وسيلة لحل النزاعات الحوار البناء الذي يقوم على شرف المقاصد والشجاعة، الذي يقوم أيضا على التسامح، بعيدا عن التعصب الأعمى، وذلك عندما يصدر الحوار من العقلاء وأصحاب العقول المستنيرة.

 ويمضي شيخ الأزهر ليوضح جمال الفلسفة الإسلامية وشريعتها فيقول: إن شريعة الإسلام قامت على أصول حكمية متعددة روعيت فيها الطبائع الإنسانية والقوى البشرية، ومن أهم هذه الأصول رعايتها لمصالح الناس، والتيسير عليهم، والعدل فيما بينهم، فرعايتها لمصالح الناس هي جماع أغراضها وهي أساس مقاصدها لا تتركه في الحكم ولا تتحول عنه في تشريع، فحيثما تكن المصلحة يكن حكمها، وحين تكون المفسدة ينتفي حكمها.

 ويبين شيخ الأزهر أن العقوبات شرعت رعاية لمصالح الناس وليس لإذلالهم كم يتصور بعضهم ويروج في الغرب؛ لأن الناس في كل زمان ومكان فيهم الأشرار والأخيار والعقلاء وغير العقلاء وفي هذا يقول المولى عز وجل: {ولولا دفع اللهِ الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. وأما التيسير فمنه نجد الزكاة، فلم تشرع للفقراء فقط وإنما أيضا لتقام منها مشروعات التنمية، ومنه إفطار غير القادرين على الصيام، والتعامل برحمة مع غير المسلمين. وأما العدل بين الناس فقد أوجبته شريعة الإسلام وعشرات الآيات القرآنية تأمر بالعدل في الأقوال والأحكام. من هنا فإن الأزهر يقيم ميزان العلاقة بين الأسلام والغرب على أساس شريعة تعطي المسلم حقه وغير المسلم حقه.

 منارة أهل السنة

ويتحدث د.أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر – رئيس الرابطة العالمية لخريجي الأزهر – ليبين أن الأزهر الذي كان مقررا له دراسة ونشر المذهب الشيعي الإسماعيلي، أراد الله أن يجعله "منارة" تشع منها علوم المسلمين من أهل السنة بمختلف مذاهبهم الفقهية، حتى أصبح الأزهر المرجعية الكبرى في العالم المعبرة عن وسطية الإسلام.

 ويشرح الطيب أن الله خلق الناس مختلفين في ثقافتهم وحضاراتهم وتراثهم، ومن هنا فإن التعليم الأزهري يحرص على أن يقدم الإسلام بصورة صحيحة وتأصيل قاعدة التعددية وقبول الرأي الآخر، بما يضمن للعقل الأزهري أن يكون عقلا حواريا، مضيفا أن النص الإلهي في قوله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، فأكد على وحدة الأصل الإنساني، ومن هنا يستبعد الإنسان كلياً فلسفة الصراع في علاقات الأمم والشعوب وما يتبع هذه الفلسفة من سياسات الغلبة والتسلط والاستقواء على الضعفاء، بل ينكر أشد الإنكار ما تجنح إليه بعض الحضارات – قديما أو حديثا – من محاولات صب الناس في حضارة واحدة أو ثقافة بعينها.

  قفص الاتهام

وفي جرأة قال الطيب: لقد كتب علينا نحن المسلمين في الفترة الأخيرة أن نوضع جميعا في قفص الاتهام بإسلامنا ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، من قبل مؤسسات غربية سياسية ودينية، واتهم الإسلام – زورا وبهتانا أو جهلا – بأنه دين العنف والتطرف والسيف والحرب، وهي تهم قديمة بالية، كنا نظن أن العقل الغربي المعاصر قد تخطاها وضرب عنها صفحاً بعد ما توافرت لديه الحقائق والوثائق العلمية والتاريخية على زيف هذه الادعاءات.

 وقد بذلت جهود ومحاولات من أجل توضيح الحقيقة على الجانبين: الغربي والإسلامي، لكنها لم تؤتي ثمارها المرجوة، وحالت دون ذلك عقبات كثيرة أهمها: عقبة التعميم المعيب من بعض الغربيين الذين يعممون أحكامهم المسيئة، على الإسلام والمسلمين، انطلاقا من تصرفات فئة شاردة انحرفت بفهم الإسلام، إما إلى حرفية شديدة الانغلاق والتزمّت، وإما إلى عنف مسلح اتخذته أسلوبا في التعبير ومنهجا في الحوار.

 وفي المقابل فإن بعض المسلمين في الشرق لم يتخلصوا من عيب التعميم حين وضعوا الغرب كله في سلة واحدة وحكموا عليه حكما كليا بأنه شر مستطير وعدو متربص بالإسلام والمسلمين تجب مواجهته وتحيّن الفرص لتحجيم آثاره قدر المستطاع.

 ويشير الطيب إلى عقبة نتفهمها نحن المسلمين من تخوف الغرب من تكاثر الجاليات الإسلامية في الغرب، والخشية من غلبة أنماطها الثقافية على الشارع الغربي، ويقول الطيب: من المستطاع التغلب على هذه العقبة إذا ما اقتنع العقلاء في الغرب والشرق بأن حضارة الغرب تقدس الحريات الشخصية وتحمي التنوع، وفهموا أن الإسلام بطبيعته دين له تجارب تاريخية معلومة في تجاور الحضارات وتعدد الأديان والتشريعات والطقوس والأنظمة الاجتماعية تحت سماء الدولة الواحدة، دون إقصاء لهذه الحضارات أو إزاحتها أو حتى مزاحمتها.. ويضرب الطيب مثلا على ذلك قائلا: إن زواج المسلم بكتابية يهودية أو مسيحية تبقى على دينها ليس إلا نموذجا مضيئا لامتزاج الأديان السماوية وتعايشها في مودة ورحمة تحت سقف واحد. ويكفي لإثبات هذه الحقيقة أن الإسلام في الأندلس لم يحدث أن طارد حضارة اليهود أو المسيحيين أو تعامل مع أي منهما بروح العداء.

 لكل هذه الأسباب وغيرها أصبحنا جميعا في أشد الحاجة إلى حوار مباشر بين الطرفين يضع النقاط على الحروف، ويوفر الفرصة لرؤية مشتركة تكون بمنزلة إعلان عن بدء مرحلة جديدة لحوار موضوعي عقلاني، بين الأزهر بوصفه مرجعية كبرى للعالم وبين النخبة المتميزة من المفكرين وعلماء الأديان الغربيين.

مسارات التصحيح

ويرى د.مأمون عبدالقيوم، رئيس جمهورية جزر المالديف سابقاً وأحد خريجي الأزهر أن الإسلام منذ ظهوره وهو يقود معارك متواصلة ضد الباطل الذي يبذل كل ما يستطيع من جهد لطمس معالم الحق الذي جاء به، وسيظل هذا الصراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 ولأن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الرسالات السماوية، ولأنه كان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض؛ فإنه وبصفة خاصة كان ولا يزال يتعرض أكثر من غيره لإثارة الشبهات حوله.

ولتصحيح الصورة المشوهة للإسلام، وللرد على الشبهات التي تثار حوله يطرح د. مأمون عددا من المسارات:

أولها: إيجاد حلول عملية للنزاعات الإسلامية الداخلية؛ فلا شك أن النزاع المزمن بين الفرق والمذاهب الإسلامية وبين الدول الإسلامية قد أدى إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ولا يزال بعض المسلمين يكفرون بعضهم بعضا، ويحاربون بعضهم بعضاً بالكلمة والسيف والقنبلة.

 ثانيها: توحيد الفكر الإسلامي ووجهات النظر الإسلامية في المسائل السياسية، ولاسيما فيما يتعلق بمفهوم الجهاد وأحكامه وشروطه، والحالات التي يتعين فيها، ومعاملة أهل الذمة، والعلاقات مع الدول غير الإسلامية، والتعاون الدولي في شؤون الأمن والسلام، وبرامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الاضطهاد واستعباد الشعوب، ووضع الأقليات وحقوقها.

 ثالثها: إبراز الصورة المشرقة الحقيقية للإسلام وقيمه ومبادئه وأخلاقياته. ومن أهمها أن العدالة أساسها المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، والمساواة أمام القانون، والمساواة في المسؤولية المدنية والجنائية، وفي استحقاق الجزاء الحسن على فعل الخير، والعقوبة على فعل الشر، دونما تفرقة على أساس اللون والجنس والدين، يقول عز وجل: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.

 رابعها: إقامة حوار بناء بين مفكري الإسلام وبين مفكري الأديان الأخرى.

 خامسها: التعامل المستمر مع الإعلام الغربي بهدف إقناعه بتوخي الدقة فيما ينشره من أخبار ومعلومات عملا يجري في الدول الإسلامية وغيرها مما فيه مساس بالعلاقات بين الدول الإسلامية والدول الغربية.

 فكما هو معروف أن وسائل الإعلام الغربية تعطي الأولوية القصوى للأخبار المثيرة والأحداث الدامية وأخبار العنف والنزاعات على غيرها من الأخبار. وإذا حدثت حادثة عنف في أي مكان في العالم راح ضحيتها أناس أبرياء لا يعرف مرتكبوها فإن وسائل الإعلام الغربية تتسابق في إلصاق التهمة بجماعة أو أخرى من الجماعات الإسلامية، دون انتظار لما يسفر عنه التحقيق في تلك الحادثة. وما أكثر الحوادث التي يتضح فيما بعد أن مرتكبيها لا صلة لهم بأية طائفة أو جماعة إسلامية. ولا شك أن وسائل الإعلام لها دور أساسي في تكوين الرأي العام في أي بلد من بلاد العالم، فما بالك بوسائل الإعلام الغربية بما لها من نفوذ واسع وبما تمتلكه من صحف وفضائيات ومواقع الإنترنت التي تغطي العالم كله.

السلوك

وباقتضاب يقول د/ القصبي زلط، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر: إن سلوك المسلمين سبب في انتشار الإسلام، فإذا كان بعض المسلمين يلجؤون إلى التعصب وإلى التشدد وإلى التزمت وإلى محاولة فرض هذا الدين، فإن ذلك مما ينفر الناس عن الإسلام، ومن هنا أقول: المسلك الوحيد هو سلوك المسلمين في الخارج، وقد انتشر الإسلام قديما بالتجارة عندما رأى الناس فيهم أخلاقا تتفق مع العدالة ومع الإنسانية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك