رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حافظ محمد نصر الله خان بن حبيب الله 26 يوليو، 2010 0 تعليق

الألفاظ الغريبة في صحيح البخاري بين كتب اللغات الأساسية وشروح الحديث الشريف -دراسة مقارنة-

 

إعداد: حافظ محمد نصر الله خان بن حبيب الله

تمهيد

     لقد عرفت اللغة العربية بوصفها إحدى اللغات البشرية المتطورة التي تضرب في عمق التاريخ بأصالتها, وقوتها, واستيعابها, وسهولتها, عرفت قبل ظهور الإسلام بوقت بعيد رمزاً لأمة وعنواناً لأرض, تميزت بكثرة مفرداتها, وعمق معانيها, وسعة مدلولاتها, وسهولة تناولها, واشتهر عنها تراث أدبي رفيع تمثل في الشعر, والخطابة, والأمثال, وعرف أهلها بالفصاحة, والبلاغة, والقدرة على الإبداع.

وقد بلغت أوج قوتها, وأصالتها, وفصاحتها قبيل بعثة رسول الله[ , وكأنها بهذا تستعد لاستقبال هذه الرسالة العظيمة لتشرُف بنزول القرآن الكريم بحروفها, وكلماتها, وصوتها؛ قال الله - عز وجل -: {ألر تلك آيات الكتاب المبين  إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} وقال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين  نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين  بلسان عربي مبين} فتخلّد بخلوده, وتؤبّد بأبده, وقال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وتقوى بقوته, وتنتشر بانتشاره, وتتسع دائرتها باتساعه, وقد تحقّق لها ذلك عندما انطلق صوتها بالدين الخالد, فنهضت الأمة الإسلامية بزعامة العالم, وتسلمت زمام الحضارة والقيادة, فاستوعبت جميع علوم الأرض وفنونها, وأَثْرَتْ بعقول مفكريها الساحة العلمية والأدبية, فصارت بذلك اللغة العالمية الوحيدة التي صمدت منذ عرفت اللغة العربية لغة تخاطب وأدب ودين إلى يومنا هذا لم تتغير حروفها, ولا كلماتها, ولا معانيها, ولا أصولها, فما قيل قبل الإسلام أو في الإسلام يقرؤه الصغير والكبير في يومنا هذا بيسر, وسهولة دون أيّ صعوبة, هذا الشيء لم يتحقق لأيّ لغة في الدنيا سواها, فهي لغة غضّة طريّة حيّة متجدّدة, استوعبت فنون الآداب, ومجمل العلوم, وهذه اللغة ما كان لها أن تثبت وتصمد وتستمر لولا ارتباطها الوثيق بالإسلام, والقرآن الكريم, والحديث الشريف.

فصارت رفعتها من رفعته, وقوتها من قوته, وسمتها من سمته, وبهذا صار لزاماً على المسلمين عامة, والعرب خاصة: الحفاظ على هذه اللغة الكريمة وحمايتها, والاهتمام بها وخدمتها؛ لأن في خدمتها خدمة القرآن الكريم والدين الحنيف، والشريعة الإسلامية, وخدمة الإسلام.

ورسول البشرية محمد[ هو أفصح من نطق لساناً وأبلغ العالمين بياناً, وكان قد أوتي جوامع الكلم, والأمثال الموجزة, والألفاظ الصائبة , والمعاني المؤثرة, وكان لا ينطق إلا بالوحي الإلهي, ويسمى الحديث الشريف.

وكان أوّل من دوّن الحديث الصحيح هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري, فالعلماء يتمنون في كل زمان ومكان أن يكتبوا عن هذا الكتاب لفظاً ومعنىً, إيضاحاً, وإفهاماً؛  فلذا قد زادت شروح البخاري على ستين شرحاً, ومع ذلك الناس متعطشون لكي ينهلوا من ينابيع الإسلام محضاً خالصةً من أيّ تشويب. فكانت الشروح المتقدمة مشتملة على توضيح الأحكام والمسائل, ومملوءة بالتفصيل طرقاً وإسناداً وغير ذلك, ولا يوجد شرح وافٍ شافٍ للألفاظ الغريبة الواردة فيه إلا ما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري بالاختصار, وهو أيضاً يحتاج إلى الدراسة تحليلاً لغويّاً وإعراباً, فنظراً إلى الأهمية اللغوية والأدبية لهذا الكتاب مع أنه كتاب للحديث النبوي لكنه مملوء بالحكم, والموعظة الحسنة, وجوامع الكلم, والأمثال العربية, والألفاظ الغريبة, وقد عزمت أن أرفع القلم لتحقيق هذه الغاية الكريمة مع أن ضعف قصدي وقصر باعي, وقلة بضاعتي تمنعني من القيام في هذا المقام وتعوق إنجاز ذاك المرام. فأسأل الله الحكيم العليم أن يسهل لي أمري, ويحقق لي قصدي, ويشرح لي صدري, والله الموفق.         

منهجي في هذه الرسالة

الموضوع العالي المذكور لابدّ له من منهج مسبوق؛ لكي يسهّل الأمر على القارئ فيتبيّن منهجي في هذا الموضوع بالأمور التالية:

1ـ أبدأ الموضوع بكيفيّة تكوين اللفظ ومعناه, وتعريفه الاصطلاحيّ في العلوم والفنون, وأذكر الأقسام له ذاتاً وصفاتٍ وغير ذلك مع ذكر المراجع له.

2ـ ثمّ أذكر تعريف الغرابة لغة واصطلاحا, وأسبابها, وتاريخ تدوين شروحها.

3ـ آخذ الألفاظ الغريبة أنموذجاً، وهي التي وردت في الجامع الصحيح للبخاري فحسب.

4ـ وأذكر مع بيان معنى اللفظ, المعنى الراجح الّذي انتخبته من دراسة صحيح البخاري, والكتب اللغوية الأساسية, والشروحات المشهورة لصحيح البخاري, والكتب الأساسية اللاتي يشرحن المعاني للألفاظ الغريبة المفردة.

5ـ وأيضاً أذكر اشتقاق اللفظ ومعانيه من مقاييس اللغة لابن فارس إن أمكن, ثمّ من الصحاح للجوهري, ثمّ من القاموس المحيط للفيروز آبادي, وأكتفي بواحدة.

6ـ وأيضاً أذكر تخريج اللفظ من كتاب صحيح البخاري, من أبوابه وكتبه, مع ذكر ترقيم الحديث الّذي وضعه محمد فؤاد عبد الباقي , وطبع دار السلام بالرياض.

7ـ وأيضاً أذكر اللفظ بأنه غريب بالاستشهاد من كتب  شروح غريب الحديث والأثر, مثل النهاية في غريب الحديث والأثر, والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير, وغريب الحديث للهروي, وللخطابي وللحربي, ومن الفصل الخامس من هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري.

8ـ وأحشّي أيضاً الموضوع من شروح غريب الحديث والأثر, مع ذكر رقم الصفحات, ورقم المجلّدات, وأجزاءها.

9ـ ثمّ إن كان اللفظ الغريب من القرآن الكريم, أشرحه من كتاب التفسير من صحيح البخاري بأقوال الصحابة والتابعين: كابن عباس, وابن عمر وابن مسعود, ومجاهد, وقتادة وعطاء.

10ـ وأوضّح اللفظ الغريب من القرآن الكريم أيضاً من كتب التفاسير, ومفردات ألفاظ القرآن الكريم, وشروحات ما في القرآن من الغريب, كتفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي, ومفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني, وغريب القرآن لابن قتيبة, وتحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

11ـ وأذكر المعاني للألفاظ الغريبة استشهاداً بالأشعار من العصر الجاهلي والمخضرمي, ومن العصر الإسلامي, ومن العصر الأموي, ومن العصر العباسي.

12ـ وزيّنت الموضوع بالأقوال اللطيفة, والأمثال المشهورة, والقواعد المسلّمة.

13ـ وقمت باستنباط  المسائل والأحكام من ألفاظ غريبة حيثما استنبط الإمام البخاري في تراجم أبواب الجامع الصحيح.

14ـ واهتممت بقواعد اللغة العربية والإملائية بعناية خاصة, وعلامات ترقيمها.

15ـ وذكرت الترجمة للأعلام من المؤلفين والمحقققين للكتب الأساسية .

16ـ أخيراً ذكرت فهرس المصادر والمراجع.

أنموذج للألفاظ الغريبة في صحيح البخاري:

17- (خسف): وهو غموضُ ظاهرِ الأرض.قال ابن فارس: الخاء والسين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على غموض وغُؤور، وإليه يرجعُ فُروع الباب. فالخَسْف والخَسَف: غموضُ ظاهرِ الأرض؛ قال الله تعالى:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} (القصص: 81). ومن الباب خُسوفُ القَمَر، وكان بعضُ أهل اللُّغة يقول:الخُسوف للقمر، والكُسوف للشمس. ويقال بئرٌ خَسِيفٌ، إذا كُسِرَ جِيلُها فانهارَ, ولم يُنتَزَحْ ماؤُها، قال: «قَليذَمٌ من العَياليم الخُسُفْ»

وانخسفَت العينُ: عمِيَتْ. المهزول يسمَّى خاسفاً؛ كأنّ لحمَه غارَ ودخَل. وبات على الخَسْفِ، إذا باتَ جائعاً، كأنّه غاب عنه ما أرادَه مِن طعام. وَرضِيَ بالخَسْفِ، أي الدنِيّة.ويقال: وقَع النّاسُ في أخاسِيفَ من الأرض، وهي اللّينة تكاد تَغْمُِضُ لِلينها. وممّا حُمِل على الباب قولُهم للسحاب الذي يأتي بالماء الكثير: خَسِيفٌ، كأنَّه شُبِّه بالبئر.وكذلك ناقة خَسِيفة، أي غزيرة. أورده الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب الكسوف من صحيحه.

قال ابن الأثير: فيه «إن الشَّمسَ والقمَر لا يَنْخسِفَان لموت أحدٍ ولا لحَيَاتِه»، يقال:خَسَفَ القَمَرُ، بوزن «ضرب»، إذا كان الفْعلُ له, وخُسفَ القمر على ما لم يُسَمَّ فاعله.وقد وَرَد الخُسوف في الحديث كثيرا للشمس والمَعْروف لها في اللغة الكُسُوف لا الخُسُوف.فأما إطلاقه في مثل هذا الحديث فَتَغْليبا للقمر لتذكيره على تأنيث الشمس, فجَمع بينهما فيما يَخُص القمر, وللمُعاوَضة أيضاً, فإنه قد جاء في رواية أخرى «إن الشمس والقمر لا يَنْكَسفان»، وأما إطلاق الخُسُوف على الشمس منفردةً, فلاشتراك الخسُوفِ, والكُسُوف في معنى ذهاب نورِهما وإظلامهما. وقال الحافظ: قوله: خسفت الشمس - بفتحتين - قيل: الخسوف في الكل, والكسوف في البعض, وهو أولى من قول من قال: الخسوف للقمر, والكسوف للشمس؛ لصحة ورود ذلك في الصحيح بالخاء للشمس, والخسف في الأرض: أن تغور هي أو من حل بها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك