رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 15 يوليو، 2010 0 تعليق

إحياء للتراث الإسلامي، وانتهاجاً للوسطية -أكده المؤتمر الحادي والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

 مرة أخرى ناقش المؤتمر العام الحادي والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر موضوع "تجديد الفكر الإسلامي"، الذي هدف إلى تناول الموضوع من زوايا مختلفة لاستنهاض جهود مفكري الأمة، وإعادة تنشيط حركة التجديد حتى لا تتخلف أمتنا عن ركب التطور. وقد عمد المجلس إلى طرح الموضوع في مؤتمر هذا العام ليأتي مواكبا للظروف الاجتماعية والتحولات السياسية والاقتصادية والفكرية والعلمية التي يعيشها عالمنا المعاصر، بعد أن أصبحت الأمة الإسلامية على مفترق الطرق، وما يجب عليها من مواجهة التحديات المعاصرة؛ فليس أمام الأمة من خيار سوى خيار التجديد لمواكبة التغيرات السريعة والمتلاحقة.

 

وقد حرص منظمو المؤتمر على أن تكون الأبحاث والمناقشات التي يشهدها المؤتمر مستمدة من أحوال الدين الإسلامي وثوابته التي لا تقبل التغيير بما يهدد أركان هذا الدين العظيم، وإنما التجديد يراعي مصالح المسلمين فى كل زمان ومكان، ولاسيما أن المجلس قد عبر عن إدراكه أن هناك توجسا وخيفة من بعض المسلمين من أية مطالبة بتجديد الفكر الديني؛ خشية أن يؤدي التجديد لتغريب الدين وتفريغه من مضمونه وجوهره؛ لأن دعاوى التغيير جاءت ردة فعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من تداعيات على الصعيدين السياسي والفكري في العالم.

وقد انطلق المؤتمر من أرضية مهمة وهي أن الله لا يغير من أحوال أي أمة إلا إذا سعت هذه الأمة لإصلاح نفسها؛ استناداً لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وفي الإطار نفسه يأتي الحديث المشهور عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه[ قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه والبيهقي في المعرفة وأحمد في مسنده.

هذا، وقد تابعت "الفرقان" أعمال المؤتمر على مدى أربعة أيام متصلة، وأجرت خلالها لقاءات عدة مع عدد من الوفود المشاركة الذين أجمعوا على ضرورة التجديد في الخطاب الإسلامي بما يحقق صالح الدين حتى تتغير النظرة الغربية للمسلمين، وأقر بعض الوفود من الدول الغربية أن المسلمين بوصفهم أقليات في الدول الغربية يمارسون حياتهم وشعائرهم الدينية بمنتهى الحرية ، و لكن ما زالت أمامهم بعض المعوقات مثل عدم وجود مساجد كبيرة مستقلة بذاتها، وأن المرأة إذا ارتدت الحجاب ينظر إليها باندهاش وتعجب واعتبار ذلك تخلفاً، وغيرها من الأمور التي تجب معالجتها للأقليات المسلمة في أوروبا.

وطالب المتحدثون مع "الفرقان" بضرورة تواصل المسلمين في البلاد العربية والأفريقية معهم، وأن يكون هناك حوار متواصل بينهم، وزيارات متبادلة، ولاسيما بين الشباب الذي يمثل جيل الغد.

كما طالب المشاركون في المؤتمر بالتصدي بكافة السبل للهجمات المستمرة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون والعمل على التخلص من الادعاء الظالم على المسلمين أنهم إرهابيون وأن دينهم دين الإرهاب، والقضاء على حملات التنصيرية المستشرية في الدول الأفريقية، واستغلال منظمات التنصير حاجة الناس وفقرهم ليتركوا الدين الإسلامي  ويدخلوا في النصرانية.

وعلى ضوء ذلك ناقش المشاركون في المؤتمر قضايا عدة تمس حياتنا المعيشية اليومية وتؤثر علينا منهجيا وفكريا وسلوكيا من أهمها:

- الغلو و التشدد المذهبي لغير أهل السنة.

- منهج التعامل مع الآخر دينياً وحضارياً.

- الغزو الفكري والثقافي، وما يتبعه من مؤامرات كبرى لمحاربة الإسلام و الهيمنة على العالم الإسلامي.

- المناهج المقترحة لإحياء التراث الإسلامي.

- العولمة وتداعياتها المستمرة .

 كما حصلت "الفرقان" على نسخة من الأبحاث التي قدمت من المشاركين من 87 دولة ومنظمة من مختلف دول العالم وقاراته من بينها دولة الكويت، وفيما يلي نلقي الضوء على مجموعة من أهم الأبحاث التي قدمت للمؤتمر . 

 التعامل مع القرآن والسنة

وفي بحث مهم جدا بعنوان: "منهج ومفهوم التعامل مع القرآن الكريم والسنة النبوية" لـــ أ . د / السيد علي بن السيد عبد الرحمن الهاشم، مستشار الشؤون القضائية والدينية بدولة الإمارات، نجده يبرز الفرق بين  التجديد فى التصور الإسلامي، والتجديد في المفهوم الغربي، فالأول ينتمي إلى نسق معرفي هو محصلة التفاعل بين كتاب الوحي وكتاب الكون بكل امتداداته ، مما يجعل الدين منطلقا وغاية في العملية التجديدية، أما الثاني فيحكمه نسق معرفي تشكل من خلال خبرة تاريخية، اصطبغت بذلك الصراع الحاد بين الكنيسة الكاثوليكية، وسلطة المعرفة والعلم والعقل، مما دفع بهذا الطرف– باسم التجديد– إلى مواجهة ممارسات الكنيسة، وذلك بالبحث عن سلطة مرجعية لا تتجاوز الكنيسة فحسب بل جميع الأطروحات الدينية، وهو ما أفصحت عنه فلسفة التنوير التي تأسس عليها والنهضة الأوروبية الحديثة .

ويمضي الباحث ليكشف أن الفرق الجوهري بين التجديد الإسلامي، والتجديد الغربي يكمن في المعيار الذي تقوم به الأفكار والظواهر، ففي حين تشكل أصول الدين وثوابته محور انطلاق التجديد الإسلامي وغايته التي يسعى لتحقيقها في واقع نسبي متغير؛ مما يجعل التجديد يحمل معنى الاستمرار، نجد التجديد في الرؤية الغربية يحمل معنى الهدم والانحياز لكل جديد أياً كان مضمونه؛ وذلك لأنه محاولة للتكيف مع المتغيرات في إطار نسبة القيم؛ حيث لا يلتفت إلى علاقة الثابت بالمتغير؛ إذ جميع القيم يعتريها التحول والتبدل .

 إحياء التراث الاسلامي

وفي بحث بعنوان: "منهج التعامل مع التراث وتهذيبه" لـــ أ . د / فريد بن يعقوب المفتاح، وكيل الشؤون الإسلامية في مملكة البحرين، يقدم الباحث منهجاً مقترحاً لإحياء التراث الإسلامي؛ حيث أشار إلى أن عدد المخطوطات المفهرسة يصل إلى ثلاثة ملايين مخطوطة، وما هو غير مفهرس وما لم يكتشف بعد وما زال حبيسا في المكتبات العامة والخاصة فإنه يفوق ما هو معروف ومفهرس وهي موزعة في الشرق والغرب .

محاربة الإسلام

"الغزو الفكري والثقافي" هو بحث تقدم به الشيخ سليمان كمارا أستاذ العلوم الشرعية والعربية فى سيراليون .

الذي عدد في بحثه أسباب معوقات تجديد الفكر الإسلامي في عصرنا الحاضر، كما استعرض كمارا بعضاً من السموم الخطيرة التي وجهت إلى عقر ديار الإسلام من قبل أعداء هذا الدين، وهي المؤامرات الكبرى لمحاربة الإسلام والهيمنة على العالم الإسلامي؛ حيث جاءت فى هذه المؤامرات تصريحات متنوعة تدعو جميعها إلى القضاء على الإسلام ومحاربته بكل وسيلة، وقد رصد الباحث عدداً من هذه التصريحات التي نورد بعضها، فمنها:

• ما قاله وزير المستعمرات البريطانية سابقا سنة 1894 م "ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم؛ لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به".

• مقولة الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على استعمار الجزائر: «إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية ، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم».

 استمرار التنصير  

أما الشيخ أمين الدين محمد إبراهيم، رئيس المجلس الإسلامي في موزمبيق فقد قدم بحثا بعنوان: "ضرورة التجديد في الفكر الإسلامي" عرض فيه لنماذج المجددين في الفكر الإسلامي مثل الحسن البصري - رحمه الله - الذى هدى آلاَف الناس بالمواعظ والنصح، وشاركه في هذه المهمة التجديدية سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين، والإمام الشعبي، رحمهم الله جميعا.

وعندما ظهرت فتنة خلق القراَن قام الإمام الراسخ أحمد بن حنبل – رحمه الله – يقاوم القوى الباطلة-.

كما عرض الشيخ أمين في بحثة إلى دوافع التجديد وميادينه ، وكذلك موقف المذاهب الفقهية من مظاهر التجديد في الفكر الإسلامي من أنه أمر مقبول ومستحسن، مؤكداً أنه يجب البعد عن التعصب المذهبي والانتماءات السياسية وتطبيق روح التسامح.

 العولمة والاستعمار

وفي ورقة عمل أوضح الشيخ محمود محمد ديكو، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في جمهورية مالي، أن العولمة استعمار جديد في ثوب فضفاض للاستمرار في قيادة العالم بأساليب حديثة، وعدد في ورقته الآثار السلبية لهذه العولمة وهي:

1- السيطرة على مصالح العالم مهما كلف ذلك من ثمن.

2- عدم التكافؤ الاقتصادي بين الدول الغربية المتقدمة وبين الدول النامية.

3- التنافس الشرس بين الدول الغربية في حد ذاتها  "المصلحة الذاتية".

4- تهميش اقتصاد الدول النامية وزعزتها وعدم استقرارها .

5- التبعية المسبقة .

وأوضح ديكو أن الاستعمار العالمي ضرب التعليم الديني ووهّن معاهده، إما بالإجهاز عليها وإما بشل حراكها وإبقائها صورة هامدة أو اسما بلا مضمون .

 التوصيات

وفي ختام أعمال المؤتمر أقر المؤتمرون حزمة من التوصيات، أهمها:

• مناشدة العلماء والمجتهدين والمؤسسات والهيئات الإسلامية بذل أقصى طاقاتهم لإنزال النصوص على الوقائع التي تستجد في حياة الناس استنادا لأصول الفقه الإسلامي.

• التنسيق بين جميع المجامع الفقهية في العالم والاستعانة بأهل الخبرة في مختلف المشكلات؛ لتوضيح الأبعاد المختلفة للقضايا التي تحيط بالأمة في الشؤون الصحية والعلمية.

• ضرورة بذل الجهد لتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تدرس في الجامعات الإسلامية، باستخراج كنوز التراث التي تعرضها لهذه العلوم وضمان عدم تعارضه مع الحقائق الإسلامية.

• اتباع العلماء للنهج الوسطي في بحث قضايا الأمة ومشكلاتها، والابتعاد عن الغلو والتطرف الذي ساد في مراحل زمنية معينة.

• عدم التساهل في إصدار الأحكام والفتاوى، وضرورة أن تقوم الفتوى على أساس متفق عليه بين العلماء.

• ضرورة الإعداد الجيد للأئمة والدعاة ومن سيتولون الإفتاء والاجتهاد، مع الاهتمام بتكوينهم العلمي في الجامعات والدورات التدريبية مع التركيز على مهارات فنون التأثير و الإقناع.

• إصدار موسوعة علمية تتناول قضايا ومفاهيم إسلامية حول المسائل المثارة على الساحة الدولية في العصر الحاضر،  وترجمتها إلى مختلف اللغات الحية.

• الرد على مختلف التساؤلات والشبهات المثارة حول الإسلام من قبل كافة المؤسسات والمنظمات الإسلامية على مواقعها على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك