رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: هيام الجاسم 17 أغسطس، 2010 0 تعليق

أيهما أولى لعيالنا.. تنشئتهم على عبادة القلب أم الأركان؟

 

أنا أدري.. قد يكون عنوان مقالي مبهما شيئا ما، ولكنني سأزيح الإبهام في تجوالي معك عزيزي القارئ حول التنشئة الدينية لعيالنا، اعتدنا نحن الأمهات والآباء من شريحة المحافظين على الدين والتدين لنا ولعيالنا- دوما أن نركز أثناء مراحل تربية العيال على عبادات الجوارح والأركان، على السلوكيات الظاهرة، على الأخلاق والآداب، على القيم والمثل والمبادئ، حتى بات اهتمامنا بالصلاة والصيام والحجاب وباقي الفرائض، يفوق ويغلب اهتمامنا بعبادة قلوب عيالنا لله تعالى؛ لذا يكبر الولد وما معه شيء من الرقابة الذاتية لنفسه مع نفسه، إن حادت عنه أمه يمنة أو يسرة تجول بين أفانين الحرام جملة وتفصيلا، ينتظر اللحظة التي يسترق فيها شيئا من حريته لينفلت، وكأن أحدا من الناس «مطرشه» قد بعثه لفعل الحرام «دال طريج المنكر طواعية من نفسه»! تعجب عزيزي القارئ أين هو ذلك الجهد والتعب المضني من الوالدين لتعويده على الصلاة؟! أليست هي من المفترض أن تنهى عن الفحشاء والمنكر؟! وتعجب  أين هي ثمرة الشد والجذب الذي عاشته الأم مع ولدها من أجل ضبطه على قواعد وسلوكيات وأركان الدين؟! يتفاجأ الأهل أن ولدهم أو ابنتهم وهما على مشارف الشبابية بدأ يتحولان عن المحافظة والتدين مائة وثمانين درجة إلى رفض لكل شيء ديني، يا ترى ما السر في ذلك، تستغرب الأم وتقول لي «لم أكن أتوقع أن ابنتي ترفض لبس العباءة مع بلوغها! نحن بيئة محافظة! توقعت منها تلقائيا قبول ارتدائها؟!» وأخرى مصدومة كيف يجرؤ ولدها على أن يدخن سيجارة وهو من هو في جهدها معه في غرس التدين، وثالثة تتألم محبطة كيف تجاسرت ابنتها وخرقت حرمات الله في تكوين علاقة محرمة مع شاب من خلال المسينجر، ورابعة قد بلغ ابنها عمر الشبابية وبعد هو ما زال يرفض أن يصلي أو هو يصلي تقطيعا.

عزيزي القارئ أنا أعتقد أن جميع تلك المفرزات ما كانت لتظهر وتنمو وتتكاثر لو أننا ركزنا تركيزا صحيحا على تنشئة العيال على عبادة قلوبهم قبل عبادة جوارحهم حينما كانوا صغارا، نحن نملك اثنتي عشرة سنة قبل البلوغ، فرصة ذهبية عظيمة، بل كافية لتربية وتأصيل قلوب العيال على فقهيات عبادات القلوب قبل أن نربيهم على عبادة الأركان، وهم في صغرهم غير مكلفين، فالاقتناص هنا مهم جدا لغرس القيم القلبية في تعامل العبد مع ربه قبل أو مع تعويده على عبادات الأركان.

عزيزي القارئ العبادات القلبية قد أفرد لها علماؤنا أبوابا وفصولا، بل كتبا مستقلة، وما لشهرة كتاب مدارج السالكين لابن القيم -رحمه الله- عنا ببعيدة، فقد طار اهتمام المحافظين به شرقا وغربا ، كثير من الأمهات يسألنني «أليس المفترض أن أتعلمها أنا أولا ثم أغرسها في عيالي؟» نعم هذا صحيح، وأخرى تسأل «حتى لو تعلمتها.. كيف أستطيع تبسيطها للعيال لتتشربها قلوبهم؟».

عزيزي القارئ بالمحاكاة والتلقين والدربة والترويض، بكل هذه الوسائل المتنوعة أضف إليها الحكايات والقصص النهارية والليلية، كما أننا نملك أفضل وسيلة تربوية رائعة في تأثيرها، تعلمناها ممن سبقونا في ميدان التربية، ألا وهي التربية بالأحداث، فمن خلال ما يستجد من مواقف وأحداث تكون الأم أو الأب حاضرا شاهدا لها، سواء وقع الحدث للابن نفسه أو لغيره لا يضيع الوالدان فرصة اتخاذ موقف يظهر فيه بقوة عبادة القلوب أمام العيال، حدث ازدحام في الشارع لا تتأفف، وإنما أسمع ابنك وأنت مبتسم تقول « قدر الله وما شاء فعل»، حصلت أنت على مكافأة مالية كبيرة ومفاجئة، دع ابنك يرى منك اتزانا واعتدالا في فرحك لا طيشانا وخفة، فضلا عن عملك الجوارحي بالتمتمة بالحمد والثناء، في حزنك يرى منك صبرا فائقا، في حال ضجرك يقتبس منك رضا قلبك، يتروض في حال غيابك وحضورك أنه هو هو لا ينقلب بوجه آخر، لأنه نبت في بيئة يرى والده يحمل حزمة صدق مع ربه داخل البيت مثلما هو خارجه، وغيرها كثير كثير نصبغ أبناءنا به اصطباغا، لسان حالنا ومقالنا دوما معهم نغذيهم برسائل لن نجد أروع منها منبعا لتحصينهم باتجاه قوة أنفسهم، فنغذي في الابن ألاّ يحب أحدا كحبه لله، وألا يخاف أحدا كخوفه من الله، وألاّ يرجو أحدا مثلما يرجو الله، وما يذل نفسه إلا لله ومن أجل ما عند الله، وألا يصبر إلا لله، وغيرها كثير وكثير جدا تحتاج منا إلى وقفات جادة مع أنفسنا، عندها لن نشتكي من تفلت العيال من الصلاح إلى الانحراف، فلابد أن نشتغل على  تعمير وتحريك قلوبهم نحو الرب - عز وجل - قبل أن نجتهد في ترويضهم على عبادة جوارحهم وقبل البلوغ وبعده تلقائيا سيسألك ابنك، بل وبدون سؤال سيندفع من تلقاء ذاته اندفاعا، ستعجب منه آنذاك، سيندفع نحو الصلاة والصيام، جميع الفرائض من عبادات الجوارح دونما إلحاح منك أو من والدته، بل سيصبح منارة دعوة لإخوانه وأصحابه إلى الهدى، وستجد نفسك في يوم ما تحت مجهر تقييمه ومناصحته لك، إذ سيراك أقل منه اهتداء فسيتصدر تطبيب علل قلبك لو زللت في شأن تدينك أيها الأب وأنت أيتها الأم!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك