أوضاع المسلمين في مقدونيا
بحلول العام 2030 م يتوقع أن يفوق عدد المسلمين في مقدونيا ثلثي السكان. وينقسم المسلمون إلى عدد من العرقيات وهي: الألبان: حوالي نصف مليون، والمسلمون من أصل مقدوني: وعددهم مائة ألف، والأتراك: 78 ألفاً، وطائفة الروما: 54 ألفاً، والبوسنيون: 17 ألفاً. وغالبيتهم من أهل السنة.
يعيش المسلمون في مقدونيا في فقر، يعانون الحرمان، ويبدو ذلك من المساكن القديمة وأحوال المساجد التي تحتاج للترميم. بعد سقوط النظام الشيوعي عام 1992م طالب المسلمون بحقوقهم الثقافية والتعليمية وتمثيلهم في المؤسسات السياسية في الدولة، وهذا ما لا يريده المقدون الأرثوذكس.
وعلى الرغم من محاولات النظام الشيوعي السابق طمس الهوية الإسلامية وتدمير أي شيء بناه العثمانيون في فترة حكمهم لمنطقة البلقان، من مساجد ودور علم، إلا أن هناك صحوة إسلامية في جميع أنحاء البلاد، وهناك عدد من الخريجين في الجامعات الإسلامية يقومون بالدعوة، وتعقد اللقاءات، وتلقى المحاضرات في المساجد ولاسيما في شهر رمضان، وتقام حلقات لتعليم أبناء المسلمين في الجوامع، وكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم تزيد عن 63 كُتّاباً.
وعدد المساجد في مقدونيا 470 مسجداً، وفي مدينة (تيتوفا) وحدها 80 مسجداً، والمسلمون حريصون على الصلاة وأداء العبادات والشعائر والمعاملات الإسلامية، وأسسوا جامعة (تيتوفا الأهلية) التي تدرس باللغة الألبانية رغم معارضة السلطات وضغوطاتها.
يشار إلى أن الإسلام دخل إلى منطقة البلقان قبل الفتح العثماني عن طريق التجار المسلمين، وبعد معركة كوسوفا 793هـ/1389م دخل الألبان في الإسلام، وعندما ضعفت الدولة العثمانية، وبعد انتصار صربيا وبلغاريا واليونان على العثمانيين عام 1913م قسمت مقدونيا بينهم، وبعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 م كون الزعيم (تيتو) الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي من البوسنة والجبل الأسود وكوسوفا وصربيا وسلوفينيا ومقدونيا وكرواتيا، وسمح للمقدونيين بتكوين جمهورية تحت الحكم اليوغسلافي، وبعد سقوط النظام الشيوعي عام 1992 م أعلنت مقدونيا استقالتها وحكمها مجموعة من الشيوعيين السابقين.
أوضاع المسلمين في مقدونيا
المسلمون يشكلون أكثر من ثلث سكان مقدونيا، ومن المتوقع أن يفوق عددهم أكثر من 40% من مجموع السكان بحلول العام 2030م، وينقسمون إلى خمس مجموعات عرقية على النحو الآتي: الألبان 510.000، والمسلمون المقدونيون (40-10.000)، والأتراك 78.000، وطائفة الروما 54.000، والبسنيون 17.000، وغالبية المسلمين هم من السنة، وأقلية تنتمي إلى الصوفية، وبعض من الشيعة البكداشيين.
وهذا التنوع العرقي للمسلمين صاحبته ديناميكية خاصة تحكم حياتهم الدينية والسياسية، فبالرغم من الاضطهاد العام الذي يواجهه المسلمون في مقدونيا إلا أن المسلمين الألبان في مقدونيا كان لهم نصيب الأسد من هذه الاضطهادات.
فربما يمكننا رؤية السور العظيم الذي يفصل الصين إلى جزأين من الفضاء الخارجي، ولكن الخط الذي يفصل مقدونيا إلى شطرين قد لا يمكن تلمسه ولكنه أكثر وضوحاً وحقيقة على أرض الواقع، فمقدونيا هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تستقل عن يوغسلافيا السابقة سلمياً ولكنها -ومنذ استقالها- واجهت خطر الحرب الأهلية بين الأكثرية السافية والألبان المسلمين الذين يشكلون 25% من سكان مقدونيا حسب إحصائيات 1994م، والآن يشكلون أكثر من ثلث سكان مقدونيا.
يعود تاريخ الألبان في مقدونيا إلى ما قبل تقسيمها جغرافياً؛ وذلك عندما تم تشكيل دولة ألبانيا حسب اتفاقية لندن عام 1913م، وتم تقسيمها على نحوٍ ترك الكثير من الألبان خارج حدودها؛ ولذلك نرى أعداداً كبيرة من الألبان يعيشون في كوسوفو ومقدونيا واليونان ومونتينيغرو.
المسلمون الألبان مضطهدون في مقدونيا منذ استقالتها عام 1991م وكانوا لا يعطون أبسط حقوقهم بوصفهم مواطنين، فمثلاً الحكومة لم تسمح لهم ببناء المدارس والجامعات، ولم تعترف باللغة الألبانية، والأراضي التي نهبت منهم في فترة الحكم الشيوعي لم ترد إليهم ولاسيما التي كانت تنتمي للمنظمات الإسلامية كالمساجد والمراكز الإسلامية، وكانوا يمنعون من الوظائف الحكومية وفي بعض الأحيان لم يكن بعضهم يحصل على الجنسية المقدونية بتهمة أنه ليس مقدونياً بل تسلل إليها من الدول المجاورة.
هذه الأمور كانت على وشك أن ترمي بمقدونيا في دوامة الحرب الأهلية عندما تمرد جيش التحرير الوطني والمكون من الألبان المقدونيين ضد الحكومة في شهر فبراير من عام 2001م، ولكن سرعان ما تداركت الحكومة خطورة هذا التمرد ولجأت إلى حوارات سياسية سلمية مع جيش التحرير الوطني، بمشاركة ممثلي الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وهذه الحوارات أدت إلى اتفاقية (أوهريد) التي نصت على إعطاء الألبان حقوقاً أكثر وفرص تعليم أكبر، والسماح لهم بالعمل في المناصب الحكومية مثل: التعليم والصحة، ولكن مازال الألبان يطالبون بوظائف في الجيش والشرطة والوظائف الدبلوماسية الأخرى.
وهذا دليل واضح أن المسلمين الألبان في مقدونيا يتميزون عن غيرهم من المسلمين في الدول الأخرى بأنهم نشيطون سياسياً، ومع سقوط النظام الشيوعي كان لهم حزب يمثلهم في مقدونيا وأوروبا، فضلا عن ذلك فإن مقدونيا تسعى جاهدة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي والناتو، الأمر الذي يرغمها بأن تكون دولة ديمقراطية، وأن تحافظ على سجلها نظيفاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
ممتلكات مسلوبة
النظام الشيوعي السابق حوّل مساجد المسلمين ومراكزهم إلى مكاتب ونوادٍ ترفيهية، وإن كانت الحكومة المقدونية أصدرت قانوناً يسهل إرجاع الأراضي المسلوبة للأفراد ولكن الإجراءات أصعب وأعقد عندما يتعلق الأمر بالأراضي والممتلكات التابعة للأوقاف، ومن أهم القضايا المعاصرة في هذا الصدد قضية مسجد (برمالي) الذي تم بناؤه في العصر العثماني قبل 430 سنة، ولكن تم تحويله إلى نادٍ ترفيهي للضباط والمسؤولين أثناء فترة النظام الشيوعي، ولكن لم يتم استخدام المبنى منذ أن أصاب المنطقة زلزال عام 1965م، ومنذ سنين يطالب المسلمون الحكومة المقدونية بالسماح لهم بترميم هذا المسجد الذي يعد رمزاً تاريخياً بالنسبة لهم، ولكن الحكومة المقدونية عندها خطط أخرى؛ إذ منحت هذه الأرض إلى شركة يونانية لتبني عليه فندقاً سياحياً؛ ما دفع المسلمين للتظاهر والاعتراض، ولكن ما أغضبهم مطالبة الكنيسة الأرثوذكسية بأن تمنح لها الأرض لتبني عليها كنيسة ضخمة.
وما زالت القضية عالقة وهناك قضايا أخرى مشابهة لمساجد وأراضٍ أخرى ترفض الحكومة المقدونية منحها للمسلمين؛ مستغلة القانون غير الواضح فيما يخص الأراضي التي لا ترجع ملكيتها للأفراد كالمساجد والمراكز الدينية.
الخطر الألباني
يتفق الكثيرون بأن المقدونيين والحكومة المقدونية يحملون الضغينة ضد الألبان أكثر من المسلمين، وأن كرههم للإسلام ناجم عن كرههم للألبان، فهم يرون الألبان دخلاء على المجتمع والثقافة المقدونية وإن كانوا جزءاً من مقدونيا منذ استقالتها عام 1991م، ومر الألبان بفترات من الاضطهاد؛ إذ أعدت الأمم المتحدة تقريراً عن الألبان في مقدونيا عام 2003م، وصنفتهم ضمن الأقليات المهددة في العالم، وذكرت أن السجناء الألبان في سجون مقدونيا يواجهون التعذيب؛ مما أدى إلى حالات وفاة عديدة.
وتخاف الحكومة المقدونية كذلك من أن يصبح الألبان أكثرية في العقود القليلة القادمة؛ فحسب تقرير اليونيسف في عام 2000م الذي يظهر سرعة النمو العددي للألبان مقارنة بالسلاف، فإن في كل 20 مولوداً 10 ألبان و 7 أسلاف، الأمر الذي دفع الحكومة المقدونية إعطاء حوافز مادية للعائلة السلافية التي تنجب طفلاً ثالثاً، وهذا ما أغضب المسلمين وأثار اعتراضهم على هذا الأمر مع السلطات بحدة، وأبدت كتل ألبانية اعتراضات شديدة في البرلمان، وهددت باللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لإلغائه، وهي الجهود التي أثمرت عن عودة مشروع القانون للبرلمان مرة أخرى وإقراره بعد تعديله ومساواته بين جميع المواطنين الذين تنجب أسرهم طفلا ثالثا.
آخر المستجدات
العنف العرقي: 2012- 2013
في مطلع عام 2012م احتفل المقدونيون بكرنفال (فيفكاني) الذي يعود تاريخه لأكثر من 1400 سنة، ويلبس فيه المحتفلون أزياء تنكرية وأقنعة، ولكن هذه المرة قرر بعض المحتفلين ارتداء أقنعة وأزياء تمثل رموزاً دينية للمسلمين، وبعض المحتفلات لبسن الحجاب بأسلوب ساخر؛ الأمر الذي آثار غضب المسلمين، وتصاعدت حدة التوتر حينما تم إشعال النار في كنيسة قديمة في قرية (إستروغا)، وفي شهر فبراير من السنة نفسها قتل شرطي اثنين من الألبان زاعماً أنهما تهجما عليه عندما طلب منهما ركن سيارتهما في مكان آخر، وتبعت هذه الحادثة أحداث عنف متتالية. ففي 7 من مارس تعرض 5 أشخاص للضرب المبرح في حافلة نقل عامة، وبعدها بأيام هاجم مجموعة من الشبان رجلاً في السادسة والستين من عمره وتم إشعال النار بجسر خشبي فوق نهر (فردر).
وزعمت الصحف المقدونية أن عصابة ألبانية قتلت خمسة من المقدونيين في 12 أبريل 2012، وهذه الحادثة كانت الأكبر من نوعها منذ أحداث عام 2001م، وعلى إثرها بدأت الحكومة المقدونية بعملية سمتها عملية (الوحش)، فداهم أكثر من 800 شرطي لابسين أقنعة سود بيوت الألبان ليلقوا القبض على أكثر من 20 شخصاً من بينهم نساء، وغالبية من تم إلقاء القبض عليهم كانوا قد شاركوا في حرب أفغانستان، وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان الحكومة المقدونية؛ لأنها ألصقت تهمة القتل على المقبوض عليهم دون محاكمتهم أو إبراز ما يثبت إدانتهم. هذه الأحداث دفعت بالألبان إلى التجمهر أمام مبنى الحكومة في العاصمة في أعداد تفوق الـ 10.000 حاملين أعلام ألبانيا وشارات الجهاد.
وفي مطلع شهر مارس 2013م، تهجمت مجموعة من ممثلي حزب (دجنيتي) الوطني على الألبان في العاصمة اعتراضاً على تعيين طلعت ظفيري وزيراً للدفاع، وهذا الهجوم شمل الأطفال والنساء، وبعدها بأيام رد الألبان بتظاهرات مماثلة وأشعلوا النار بباص في المدينة. وقد شارك طلعت ظفيري في الجيش الألباني الذي تمرد على الحكومة المقدونية عام 2001م، ومن ثم شارك في المفاوضات التي نتجت عنها اتفاقية (أرهيد)، وحزب (دجنيتي) الوطني يرى أن تعيينه وزيراً للدفاع يهين شهداء مقدونيا.
ملخص
المسلمون في مقدونيا يواجهون بعض أنواع الاضطهاد من الحكومة المقدونية، ولكن تختلف ظروفهم حسب اختلاف أعراقهم، فمثلا المسلمون من الأصول المقدونية لا يعدونهم المقدونيون مواطنين؛ لأنهم يعدون الديانة المسيحية جزءاً من الهوية المقدونية. ورغم أن هؤلاء المسلمين هم من الأسلاف إلا أن المقدونيين يطلقون عليهم لقب الأتراك، ولكنهم لا يواجهون تمييزاً في الوظائف الحكومية، والأقليات المسلمة الأخرى ترى أن المسلمين الألبان يحاولون فرض الهوية واللغة الألبانية عليهم الأمر الذي ينكره الألبان.
وأكبر مجموعة تواجه الاضطهاد هم المسلمون الألبان، ولكن ما يميزهم هو نشاطهم السياسي الفعال، وعددهم الكبير الذي يفوق ثلث سكان مقدونيا؛ حيث يبلغ مليوني نسمة، فضلا عن ذلك فإن الألبان لهم حق التصويت وهذا يضيف لهم ثقلاً سياسياً أكبر، فلو قارنا أوضاعهم بالمسلمين الآخرين في المنطقة فإنهم أفضل -ولله الحمد- من غيرهم بمراحل عديدة، ولن يكون أمراً غريباً إذا حكم مقدونيا رئيس مسلم في الخمسين سنة القادمة.
لاتوجد تعليقات