رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 4 مارس، 2024 0 تعليق

أهميته وشروطه وفضله والآثار المترتبة على تركه  – فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

  • جعل الله سبحانه وتعالى الفلاح في الدنيا والآخرة مرتبطًا بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  • حذرنا الله تبارك وتعالى من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك يترتب عليه كثير من المفاسد للعباد والبلاد
  • لا يجوز للمحتسب التجسس من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الله حرم التجسس على عورات الناس
  • ابن حجر العسقلاني: أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء
  • من شروط تغيير المنكر باليد القدرة على هذا التغيير كأن يكون ولي أمر أو محتسباً من قبل الإمام وألا يؤدي هذا التغيير إلى منكر أكبر فإذا ترتب على ذلك مفسدة عظيمة أصبح عدم التغيير واجبًا
  • إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام وولاة الأمور من المسائل المهمة التي إذا أساء الناس فهمها ترتب على ذلك فتن عظيمة ومفاسد كبيرة
  • يعد الصبر على الأذى من الدعائم التي يجب أن يستند عليها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولذا أوصى الله تبارك وتعالى الرسل بالصبر
  • قال الإمام أحمد بن حنبل لفقهاء بغداد في فتنة خلق القرآن: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدًا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر
  • الإمام النووي: إن العلماء إنما ينكرون على ما أجمع على إنكاره وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم
 

بعث الله -تبارك وتعالى- الأنبياء والمرسلين بمهمة سامية، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وقد بين الله -عز وجل- المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه كل من يتصدى للقيام بهذه الرسالة السامية؛ فقال -سبحانه وتعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، ولما أساء كثير من الناس - ولا سيما الشباب - فهم الطريقة المثلى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان لابد من هذا البحث الموجز لبيان هذه القضية وأهميتها وشروطها وآدابها وفضلها، والآثار المترتبة على تركها.

أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن الكريم

       لقد تحدث القرآن الكريم في كثير من آياته عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحثنا الله -تبارك وتعالى- على هذه المهمة السامية: فقال -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فجعل -سبحانه- الفلاح في الدنيا والآخرة مرتبطًا بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقول الله -عز وجل-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: هذه الآية مدح لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ويظل هذا معها ما أقاموا ذلك، فإذا تركوا ذلك التغيير زال عنهم اسم المدح، ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو شرط الخيرية، ويقول الإمام ابن كثير - رحمه الله -: يخبر -تعالى- عن الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، فقال -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. ويقول -سبحانه وتعالى- كذلك: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر}، وفي هذه الآية الجليلة يوضح الله -تعالى- أن الغاية من التمكين في الأرض والظفر بالسلطان والحكم، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثانيًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السنة

       لقد جاءت السنة المطهرة، تحث الناس على ضرورة القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يتضح جليا في كثير من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنها ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ»، وروى الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوسَ بالطرقاتِ! قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما بُدٌّ لنا من مجالسِنا نتحدثُ فيها، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إن أبيتم فأعطوا الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهي عن المنكرِ». وروى الشيخان من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بايَعْنا رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ في المَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وأَلا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، وأَنْ نَقُومَ أوْ نَقُولَ بالحَقِّ حَيْثُما كُنَّا، لا نَخافُ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ».

ثالثًا: الآثار المترتبة على ترك الأمر بالمعروف

        لقد حذرنا الله -تبارك وتعالى- من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ذلك يترتب عليه كثير من المفاسد في البلاد والعباد، وقد جاء هذا التحذير في آيات كثيرة منها: قول الله -تعالى-: {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، قال ابن جرير الطبري: «كان العلماء يقولون ما في القرآن آية أشد توبيخًا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها». وقال الله -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، في هذه الآية الكريمة يبين الله -تعالى- أن سبب لعن بني إسرائيل، هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واللعن هو الطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء.

رابعًا: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

       قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى-: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف». والدليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ما يلي: قوله -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}، قال ابن كثير: «والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن»، وقوله -تعالى- أيضاً: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، وهكذا، فإن هذه الفرقة التي تفقهت في الدين، هي التي تستطيع أن تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

خامسا: آداب من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر

ذكر أهل العلم آدابًا ينبغي أن يتحلى بها كل من يريد أن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نوجزها فيما يلي: (1)  إخلاص العمل لله وحده الإخلاص أساس قبول الأعمال، وحصول ثواب الله -تعالى-؛ ومن احتسب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقه الله -تعالى- للقيام بهذه المهمة السامية، قال الله -تعالى- في محكم التنـزيل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وروى البخاري من حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى». (2)  العلم لابد لمن يقوم بالأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أن يكون على علم بموقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون على علم بحال من يأمره وينهاه، حتى يقتصر في تصرفه على حدود الشرع الحنيف؛ لأنه إذا كان جاهلاً بهذه الأمور، فإنه سوف يفسد أكثر مما يصلح. (3) الرفق وحسن الخلق يعد الرفق وحسن الخلق من صفات من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فالعنف والغضب المفرط في الدعوة قد يؤديان إلى مفسدة عظيمة لا يحمد عقباها، قال -تعالى عند الحديث عن موسى وهارون-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، وقال الله -تعالى أيضًا مخاطبًا النبي [-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وروى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»، قال سفيان الثوري -رحمه الله-: «لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى». (4) الصبر وتحمل الأذى يعد الصبر على الأذى من الدعائم التي يجب أن يستند عليها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ ولذا أوصى الله -تبارك وتعالى- الرسل بالصبر، فقال -سبحانه- مخاطبًا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، وقال أيضًا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا بد من العلم والرفق والصبر؛ فالعلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده»، وفي وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

سادسًا: شروط الفعل المطلوب إنكاره

لقد اشترط أهل العلم للفعل المطلوب إنكاره شروطًا يمكن أن نوجزها فيما يلي: (1)  أن يكون الفعل منكرًا لابد للفعل المطلوب إنكاره أن يكون قبيحًا شرعًا، ولا يختص وجوب الإنكار على الكبائر دون الصغائر، ولا يشترط أن يكون معصية، فمن رأى صبيا أو مجنوناً يشرب الخمر، فعليه أن يمنعه، وإن كان هذا لا يسمى منكراً في حق الصبي والمجنون. (2)  أن يكون المنكر موجودًا ويشترط في الفعل المنكر المطلوب منعه أن يكون مستمرا، فإن من فرغ من شرب الخمر مثلاً، لم يكن لأحد من الناس الإنكار عليه إلا بالوعظ والتعريف، إذا أفاق من سكره، ومن الأفضل الستر عليه مع ذلك، حتى لا يقام عليه الحد إذا وصل أمره إلى الإمام، وذلك بدليل ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة». (3)  أن يكون المنكر ظاهرًا بغير تجسس لا يجوز للمحتسب التجسس من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله حرم التجسس على عورات الناس، فقال -سبحانه-: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}. (4) أن يكون المنكر معلومًا قال الإمام النووي: «إن العلماء إنما ينكرون على ما أجمع على إنكاره، وأما المختلف فيه فلا إنكار فيه؛ لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم».

سابعًا: كيف ننهى عن المنكر؟

ذكر الإمام ابن قدامة في كتابه مختصر منهاج القاصدين درجات لنسير عليها، عند تغيير المنكر وهي بالترتيب كما يلي:

أولاً: التعريف بالمنكر

قد يقدم العبد على فعل المنكر، وهو لا يدري أنه منكر، ومثل هذا الشخص ربما إذا علم أن ذلك منكر، أقلع عنه في الحال، فيجب تعريفه باللطف والرفق، ويقال له مثلاً: إن الإنسان لا يولد عالماً، وإننا كنا كذلك فسخر الله لنا من علمنا، وليس من العيب أن نخطئ، ولكن من العيب أن نعلم الخطأ ونستمر في عمله.

ثانيًا: الوعظ والنصح والتخويف بالله

        إذا أقدم إنسان على فعل منكر مع علمه بأن ذلك حرام، مثل: الغيبة والنميمة والرشوة، والتعامل بالربا، وأكل أموال اليتامى ظلمًا، فإن مثل هذا ينبغي أن ينصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يذكر بآيات القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة التي تحتوي على التهديد والوعيد من رب العالمين، وينبغي للمحتسب أن ينظر إلى فاعل المنكر بعين الرحمة، وأن يتخيل نفسه مكانه، فكيف يجب أن يعامله الآخرون في مثل هذا الموقف؟

ثالثًا: التغيير باليد

إذا رأى الناهي عن المنكر أن هذا الفعل المنكر الذي هو بصدده لم يتوقف باستخدام التعريف، أو الوعظ، فإنه يلجأ إلى تغيير هذا المنكر باليد، وذلك بشرطين كما يلي:
  • أولاً: أن تكون لديه القدرة على هذا التغيير، كأن يكون ولي أمر، أو محتسباً من قبل الإمام.
  • ثانياً: ألا يؤدي هذا التغيير إلى منكر أكبر، فإذا ترتب على ذلك مفسدة عظيمة، أصبح عدم التغيير واجبًا.
وقال بعض العلماء: إن التغيير باليد يكون لولاة الأمور فقط، حتى لا تحدث مفسدة بين الناس، وأن يُعطى الإذن للمحتسب للتغيير باليد.

ثامنًا: أحوال تغيير المنكر

قسم الإمام ابن قدامة أحوال تغيير المنكر إلى أربعة أحوال هي:
  • الحال الأولى: أن يعلم المسلم أن المنكر يزول بقوله، أو فعله من غير مكروه يلحقه، فهذا يجب عليه الإنكار.
  • الحال الثانية: أن يعلم الناهي أن كلامه لا ينفع، وأنه إن تكلم ضرب، فهذا يرتفع عنه الوجوب.
  • الحال الثالثة: أن يعلم المسلم أن إنكاره لا يفيد، ولكنه لا يخاف مكروهًا، فلا يجب عليه الأمر بالمعروف لعدم الفائدة، ولكن يستحب الإنكار لإظهار شعائر الإسلام والتذكير بالدين.
  • الحال الرابعة: أن يعلم الناهي عن المنكر أنه يصاب بمكروه وحده، ولكن يبطل المنكر بفعله، فإنه يسقط عنه الوجوب ويبقى الاستحباب.

تاسعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام وولاة الأمور

        إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكام، وولاة الأمور، من المسائل المهمة، التي إذا أساء الناس فهمها، لترتب على ذلك فتن عظيمة، ومفاسد كبيرة في البلاد والعباد، ويجب أن نعلم أن الله قد أرسل رسولين كريمين، وهما موسى وهارون إلى حاكم كافر، ادعى أنه رب لهذا الكون، وأنه إله للناس، وهو فرعون. والله -تعالى- يعلم أن فرعون سوف يموت على كفره، وعلى الرغم من ذلك طلب منهما أن ينهياه عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال -سبحانه وتعالى-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فانظر أخي الكريم: إذا كانت هذه هي كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحاكم الكافر، فكيف تكون إذاً مع الحاكم المسلم؟ إنها لا شك يجب أن تكون أكثر لينًا في الكلام مع استخدام حسن الأدب في الحوار.

أقوال العلماء في كيفية الأمر بالمعروف مع ولاة الأمور

نذكر فيما يلي أقوال السلف الصالح في الطريقة المثلى في كيفية نهي الحكام، وولاة الأمور عن المنكر.

الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله

      اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الخليفة الواثق إلى أحمد بن حنبل، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا، يعنون إظهار القول بخلق القرآن، وغير ذلك، وقالوا: لا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر، وقال: ليس هذا صوابًا، هذا خلاف الآثار.

ابن حجر العسقلاني- رحمه الله

       روى الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً»، قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: قال ابن بطال: «في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار»، وقال ابن حجر: «وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها».

شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله

         قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه؛ ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمور بالسيف؛ لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذنوب، وإذا كان قوم على بدعة أو فجور، ولو نهوا عن ذلك، لوقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك، ولم يمكن منعهم منه، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة، لم ينهوا عنه».  

أعظم المعروف: الدعوة إلى التوحيد الخالص

        إن أعظم معروف ذكره الله -تعالى- في كتابه العزيز هو الدعوة إلى توحيده -سبحانه وتعالى-، وإخلاص العمل له وحده، والتوحيد هو الرسالة التي أرسل الله بها رسله إلى الناس كافة، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقال -سبحانه-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وقال جل شأنه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

تغيير المنكر الذي يترتب عليه ضرر للآخرين

       ينبغي أن نعلم أنه إذا غلب على ظن من ينهى عن المنكر أنه إذا قام بتغيير هذا المنكر، فإنه يتعدى الضرر والأذى الكبير إلى أحد من أقاربه، أو أصحابه، أو جيرانه، أو يُعتدى على محارمه، أو غيرهم من الناس وهم غير راضين عن ذلك، فلم يجز له تغيير هذا المنكر، ويصبح ترك النهي عن المنكر في هذه الحال واجباً، لأن التغيير لا يتحقق إلا بمنكر أعظم منه.

أعظم المنكر: الشرك بالله -تعالى

      ينبغي أن يكون من المعلوم أن أعظم المنكر، هو الشرك بالله -تعالى-؛ لأنه محبط للأعمال، ولا يغفره الله -تعالى-، يقول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}، ويقول -سبحانه- أيضاً: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}، وقال -سبحانه- كذلك: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك