رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 12 ديسمبر، 2023 0 تعليق

أهمية طلب العلم للمرأة المسلمة

  • العلم الشرعي في حياة المسلم والمسلمة هو المطية الموصلة لغاية عظيمة خُلق لأجلها الخلق ألا وهي تحقيق العبودية لله جل جلاله في هذه الحياة الدنيا
  • الخطاب المقتضي لتحقيق أركان الإيمان موجه إلى الرجال والنساء على حد سواء ولا سبيل إلى تحقيقها من غير علم راسخ ومعرفة صحيحة
  • لا يؤخذ العلم إلا ممن كملت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتهرت صيانته وسيادته
  • على الأخت الراغبة في تحصيل العلم أن تنظم أوقاتها في بيتها فتجعل لكل ذي حق حقه وللعلم وقته وحقه
  • من أهم ما نتواصى به بيننا هو حفظ القرآن والحرص على جعله في صدورنا فذلك أول العلم
  • تفطنت الصحابيات الجليلات في عهد النبوة لحاجتهن إلى العلم الشرعي فطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهن يوما يجتمعن فيه يعلمهن مما علمه الله
  • إن ثمرة العلم العمل به والانتفاع منه إذ لا قيمة لعلم لا ينفع حامله ولقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم -: من علم لا ينفع
 

لا يخفى على كل ذي لب أهمية العلم الشرعي في حياة المسلم والمسلمة؛ فهو المطية الموصلة لغاية عظيمة خلق لأجلها الخلق، ألا وهي تحقيق عبودية الله -جل جلاله- في هذه الحياة الدنيا، ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على تأكيد فرضية العلم، فقال: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} الآية.

        فبدأ -سبحانه- بالعلم قبل القول والعمل، ليبين قيمة العلم، وعدم تهوينه والتساهل في طلبه، وجاء أيضا في السنة المطهرة بيان وجوبه فقال - صلى الله عليه وسلم -: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. وهذا الحديث يشمل الرجال والنساء على حد سواء، لا فرق بينهما في تحصيل العلم الشرعي، وكما هو معلوم أن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا ما دخله التخصيص، ويؤكده قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما النساء شقائق الرجال»، فهن شقائق الرجال في جميع الأحكام الشرعية إلا ما خصه الدليل.

تحقيق أركان الإيمان والإسلام

         فالخطاب المقتضي لتحقيق أركان الإيمان موجه إلى الرجال والنساء، على حد سواء، ولا سبيل إلى تحقيقها من غير علم راسخ، ومعرفة صحيحة، وكذلك القول بالنسبة لأركان الإسلام الخطاب فيها للرجال والنساء، ويقال مثل ذلك في كل ما يتعلق بالأخلاق والآداب، فمن هنا تظهر أهمية العلم في حياة المرأة المسلمة.

الصحابيات وطلب العلم

        وقد تفطنت الصحابيات الجليلات في عهد النبوة لحاجتهن إلى العلم الشرعي؛ فطلبن من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخصص لهن يوما يجتمعن فيه يعلمهن مما علمه الله، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله»، فأقرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم والتعلم، واعتنى بهن، وكان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على تبليغهن أحكام الشريعة ليتمكنَّ من عبادة الله -عز وجل- على أكمل وجه، ولا سبيل لذلك إلا بالعلم.

حقيقة لابد أن تدركها النساء

          فإذا كان هذا حال الصحابيات في القرون المفضلة، وقد شعرن -رضي الله عنهن- بحاجتهن إلى العلم، فما بال حال نسائنا في هذا الزمان؟! فهذه حقيقة لابد أن تدركها النساء والأمهات والآباء والمجتمع بأسره؛ أنه أصبح حاجة المرأة إلى العلم أعظم من حاجتها إلى الطعام والشراب، وهذا ما ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- قال: «الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه في كل وقت».

تثبيط النساء عن طلب العلم

         وإننا نتعجب اليوم من أناس يثبطون النساء عن طلب العلم، أو يزهدونهن في التحصيل العلمي، بل وينصحونهن بالاكتفاء بالطهارة وبعض مسائل الفقه التي لابد منها، وكأن لسان حالهم يقول: إن ميادين العلم الشرعي هي من اختصاص الرجال، والحق أن باستطاعة المرأة أن تنافس الرجل في كل علم وفن، وقد تفوق الرجال في سعة العلم والاطلاع، وقد سجل التاريخ بالدليل والبرهان، -كما جاء في كتب السير خلال القرون الذهبية- أنه وجد من النساء من كن عالمات زاهدات، وراويات فاضلات، بل ومحدثات حافظات، تتلمذ على أيديهن فحول العلماء من الرجال، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن وأرضاهن - اللواتي كن مرجعا في شتى العلوم، وكفى بالمرأة عزة وشرفا أن يكون العلم لها نعتا ووصفا، وكفاها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اظفر بذات الدين تربت يداك»، وهل تدين المرأة يكون بغير علم؟! قال رسول الله: «يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه».

نشأة الأجيال

        ومن المعلوم أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون تحت عناية النساء ورعايتهن، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع، وحتى تقوم المرأة بهذا الواجب العظيم لا بد لها من مؤهلات ومقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح.. ولن تكون مصلحة ما لم تكن صالحة، ولن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم الشرعي؛ فبقدر ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقها تكون حاجتها إلى العلم الكافي الوافي.

تصحيح النية

صح في الحديث: «من تعلم علما يبتغي به وجه الله -عز وجل-، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة».

بناء الفقه على الكتاب والسنة

          فمن بين الكلام في العلم على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، ومن رام العلم الشرعي والهدى بعيدا عن الكتاب والسنة فقد رام المستحيل، ومن أخذ بغيرهما استغناء عنهما فقد ضل سواء السبيل.

تقوى الله -عز وجل- وإصلاح الظاهر والباطن

        قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال 29)، وقال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة282)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد: 28)، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد 17)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مقدمة رسالته في أعمال القلوب-: «فمن عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم».

التحلي بالتقوى

        فعليك أختي المسلمة بالتحلي في ظاهرك وباطنك بتقوى الله -عزوجل- حتى ينور الله قلبك بنور العلم، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره، فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك الذنوب واجتناب المعاصي، ويكون فيما بينه وبين الله خبية من عمل، فإنه إذا فعل ذلك فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره».

تفريغ القلب للعلم والهمة العالية

         لا شيء يدرك دون السعي في طلبه، والإرادة التامة، والهمة العالية هي التي تحملك على تحصيل العلم وبذل الجهد واغتنام الأوقات لإدراكه والتعوذ من العجز والكسل كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ منهما؛ لأنهما قاطع عن كل خير، فعلى من شرعت في تحصيل العلم النافع أن توطن نفسها على تحصيله من كل وجه، ولا تستبطئ النتيجة النافعة، وإن أعظم ما يعين على التفرغ للطلب هو عظم الرغبة في الآخرة وما عند الله، وشدة التعلق بالمطلب الأعلى؛ فإن في العلم شغلا عن متاع الحياة وزخرفها.

الصبر والاستمرار في التعلم

         الصبر والاستمرار في التعلم والبعد عن الإحساس بالملل والتحسر؛ فإن ذلك يؤدي إلى الترك، فعلى الأخت الراغبة في تحصيل العلم أن تنظم أوقاتها في بيتها، فتجعل لكل ذي حق حقه، وللعلم وقته وحقه، فعن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال سمعت أبي يقول: «لا يستطاع العلم براحة الجسم»، وقال الشافعي -رحمه الله-: «حق على طلبة العلم بلوغ جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض في الله في طلبه».

الاعتناء بحفظ كتاب الله قبل كل علم كفائي

         وهذا من أهم ما نتواصى به بيننا وهو حفظ القرآن والحرص على جعله في صدورنا فذلك أول العلم، قال الإمام الخطيب البغدادي -رحمه الله-: «ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله -عز وجل- إذ كان أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم». وقال الإمام النووي -رحمه الله-: وأول ما يبتدأ به حفظ القرآن العزيز؛ فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظ فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه.

التروي في طلب العلم

         قال الله -تعالى-: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} (الإسراء:106)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: «اقرأ القرآن في كل شهر قال: قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة قال قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك». وقال الزهري -رحمه الله- ليونس بن يزيد: «يا يونس، لا تكابد العلم؛ فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة؛ فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام» وعلامة ذلك التدرج في العلم ولاسيما لمن في المراحل الدنيا، فيبدأ بصغار المسائل قبل كبارها، كما يبدأ بالمختصرات التي تصور المسائل، وإن قللت من ذكر الأدلة..

الأخذ عن العلماء

         قال ابن سيرين ومالك وخلائق من السلف: «هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذوا دينكم»؛ فلا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته وسيادته، وقالوا لا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب بغير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق، فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف، ويكثر منه الغلط، ومن اطلع على كتاب (تصحيفات المحدثين) للعسكري وكتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لابن الجوزي رأى العجب العجاب، في شأن أولئك الذين تلقوا علمهم من الصحف دون مراجعة المشايخ.  

العمل بالعلم

         إن ثمرة العلم العمل به والانتفاع منه؛ إذ لا قيمة لعلم لا ينفع حامله، ولقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم -: من علم لا ينفع فقال: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع»، قال الإمام سفيان بن عيينة المكي الهلالي -رحمه الله-: «ليس شيء أنفع من علم ينفع، وليس شيء أضر من علم لا ينفع». وقد صح أن العبد يُسأل يوم القيامة عن علمه ما عمل فيه؟، وللخطيب البغدادي كتاب ماتع في الموضوع أسماه (اقتضاء العلم العمل)، وكذلك للحافظ أبي القاسم ابن عساكر كتاب (ذم من لا يعمل بعلمه)، ومن الحكم الإلهية الباهرة، أن العمل بالعلم يقود السامعين إلى الاقتداء، كما أن مخالفة العلم يصد الآخرين عن الأخذ به. والذي يخالف عمله علمه، معرض لأشد أنواع الوعيد، موصوف بأقبح أنواع الذم، فعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتي بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحي، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بل كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه». وذكر - صلى الله عليه وسلم - في أول الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة، رجلا «تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك