رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسن الأشرف-المغرب 2 نوفمبر، 2010 0 تعليق

أكد ترصدالمنظمات للشباب .. المتخصص المغربي في التنصير الدكتور محمد السروتي: التنصير ينشط بين الشباب ويستغل: «الفقر.. والجهل.. والمرض»

يضع الباحث المغربي المتخصص في قضايا التنصير الدكتور محمد السروتي ظاهرة التنصير في إطارها الصحيح، ويعدها ظاهرة لا تقل أهمية عن حسابات الأمن الاستراتيجي، على اعتبار أنها تهدد تهديداً مباشراً سياسة الأمن الروحي أو الأمن الديني؛ لأنها مرتبطة بالدين.

ويرى السروتي في هذا الحوار أن اختيار الفئات المتنصرة ليس اختيارا حرا، بل هو متأثر بالضغوط المادية وبالإكراهات المعيشية والجهل بالدين، مضيفا أن التنصير ينشط بالذات في أي مكان يزدهر فيه الثالوث الشهير: «الفقر، والجهل، والمرض»، ولاسيما مرحلة الشباب.

ويكشف السروتي عن أن هناك رغبة في إحداث أقلية مسيحية تربط بين الأمازيغ في الجزائر والمغرب، مردفا أن هناك تركيزا كبيرا على المناطق الأمازيغية في كل من الأطلس في المغرب والقبائل في الجزائر.. وفي الحوار قضايا مهمة أخرى:

> ما تقييمك الحالي للزحف التنصيري على العالم الإسلامي عامة والمغرب نموذجا؟

< لا أحد اليوم ينكر أن واقع الأمة ينبئ عن مجموعة كبيرة من المشكلات، وعن صور متعددة من تكالب عدوها عليها، منها المعلن الجلي والخفي المستتر... وإذا جاز لنا أن نرتب هذه المشكلات والصور حسب الأولويات، فإن المتصل بدين الأمة وعقيدتها ينبغي أن ينزل منزل الصدارة من اهتمامنا ومعرفتنا ليحسن فهمه والتعامل معه، وعليه يأتي التنصير في مقدمة هذه المشكلات بما شكلته هجماتها المستمرة من سعي دائم إلى عزل الأمة عن أساسها الديني المتين.

لذا، فظاهرة التنصير لا تقل أهمية عن حسابات الأمن الاستراتيجي، على اعتبار أنها تهدد تهديداً مباشراً سياسة الأمن الروحي أو الأمن الديني؛ لأنها مرتبطة بالدين والدين في حياة الأمة ليس قضية شخصية أو حرية فردية، بل هو قضية وجودية للأمة كلها.

ومعلوم أن المغرب حظي باهتمام كنسي مبكر باعتباره أقرب مدخل للأوروبيين وأكبر دليل على هذا الاهتمام هو أن المجلس العالمي للكنائس أعلن سنة 2020 سنة دولية للتنصير في المغرب، كما تبدي التقارير والدراسات الكنسية اهتماما متزايدا به، باعتبارها منطقة مهمة لها الأولوية في برامجها ومخططاتها التنصيرية.

إذًا فهذه سمة مشتركة بين جل الدول الإسلامية في تعرضها لخطر التنصير، ولعل اتسام بعض المناطق بمميزات تجعلها أكثر عرضة للظاهرة من غيرها أمر وراد. فيمكن مثلا الحديث عن المواقع الاستراتيجي والجغرافي للمغرب خصوصا الحدودية منها.

وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن التنصير لم يحظ قط باهتمام علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، خصوصا أن هناك من يرى ضرورة محاربته اجتماعياً ليس فقط لاعتباره يمس مستويات دينية واجتماعية حساسة. ولكن أيضا بفعل ما يمكن أن يطرحه من أسئلة حرجة ومقلقة تتعلق بمدى قابلية المجتمع المغربي في ظل شروطه الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية لتتشكل فيه الطوائف المتعددة الولاء، والمدعومة خارجيا...

> تترصد المنظمات التنصيرية في تنصيرها العزاب والعازبات حتى تتكون أسر نصرانية... وأيضا تستعين بخدمات المهاجرين غير الشرعيين «من أفريقيا جنوب الصحراء» في توزيع منشورات تدعو الناس للتنصر واتباع الديانة النصرانية. كيف تقرأ خلفيات مثل هذه الوسائل لتنصير الشباب المسلم؟

< تظهر بين الفينة والأخرى وسائل تنصيرية جديدة، تستغل التطورات التقنية والطفرة الإعلامية... بيد أنه يمكن القول: إن جل الحركات التنصيرية في البلدان العربية والإسلامية كافة، تدرج وسائلها التنصيرية ضمن الأساليب الثلاثة وهي: الأسلوب المباشر، والشامل، وغير المباشر وسائل تنصيرية حديثة.

ويتم تنويعها وتجديدها وتطويعها تبعا للبيئة التي تعمل بها المنظمات، بيد أن لها ثلاثة مداخل أساسية هي: «الفقر، والجهل، والمرض»؛ فأنى وجد هذا الثالوث وفي أي منطقة، كانت هناك الفرص المواتية للتنصير.

وهناك تنصير موشح بالسواد في مدينة وجدة شرق المملكة المغربية، وهي إشارة إلى دور الأفارقة في الدعوة إلى النصرانية، بتوزيع منشورات تنصيرية في بعض الأحياء التي يوجدون بها بكثرة.. بيد أنه يمكن القول إن الأوضاع الإنسانية المأساوية التي يعيشها هؤلاء تجعل منهم فضاء خصبا للنشاط التنصيري في استقطابهم لاعتناق النصرانية.

أما مسألة أن يكونوا هم أداة لدعوة المغاربة فأمر مبالغ فيه، خصوصا وأن جلهم من ممتهني التسول، ويبحثون عما يسد به الرمق... فضلا عن أن يقدموا الخلاص لغيرهم، وهم الأجدر بذلك، بيد أنني لا أستبعد الأمر إلا في عمومه الظاهر.

> سبق أن قلتم في مقالات لكم: إن هناك رغبة في إحداث أقلية نصرانية تربط بين الأمازيغ في الجزائر والمغرب...هل يمكنكم تسليط الضوء أكثر على هذا الجانب؟

الاهتمام بالمنطقة الشرقية يأتي باعتبارها نقطة ارتكاز لمحور رابط بين منطقة القبائل الجزائرية ومناطق الأطلس المغربية التي تشهد هذه المناطق ضعفا هائلا لبعض الخدمات الصحية والاجتماعية، يترك فرصا سانحة للامتداد التنصيري فيها.. وفي هذا الصدد تحدث تقرير نصف سنوي صادر عن مؤسسة الفاتيكان في سنة 2001 عن المنطقة الشرقية باعتبارها إحدى المناطق المثيرة، ويقول التقرير: «ودلت تجارب حاملي البشارة النصرانية الذين عملوا في مناطق الشرق من المغرب أن هناك إمكانيات داعية لمواصلة العمل الميداني في مجالي: إيصال البشارة اليسوعية، وإزالة سوء التقدير العام تجاه النصرانية، عبر إدماج أكبر في مشاريع للتنمية المشتركة وخدمات الصحة والإعانات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتيسير طرق البحث والدراسة في مجال اللاهوت النصراني... إن منطقة وسط شرق المغرب يمكن تسجيلها ضمن دوائر التواصل بين الأديان خاصة مع زيادة العمل لتحقيق هدف إزالة الحواجز النفسية ونبذ سوء الفهم المتبادل».

والسبب هو أن المنصرين لم يكتفوا باستغلال الحاجة فقط للوصول لأهدافهم، بل عمدوا إلى افتعالها سواء أكانت حروبا أم نزاعات؛ ليتسنى لهم العمل التنصيري من خلالها، فيقول المنصر (ديفيد أ. فريزر) في المؤتمر التنصيري المنعقد في  ولاية كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية: «ليكون هناك تحول فلا بد من وجود أزمات معينة ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة تدفع الناس أفرادا وجماعات خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذه الأمور على شكل عوامل طبيعية كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية مثل التفرقة العنصرية. وفي غياب هذه الأوضاع المهيأة فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية».

لذا فمن بين هذه الأوضاع وعوامل التهيئة التي تشير إليها التقارير التنصيرية الوجود الأمازيغي بشمال أفريقيا عموما، وفي المغرب والجزائر تحديدا... واللعب على هذا الوتر، ففي هذا الصدد ذهب بعض المحللين السياسيين للقول: إن ثورة القبائل الجزائرية في السنوات الماضية كان من ورائها جهات تنصيرية… وقد كانت نسبة ارتداد الجزائريين عن دين الإسلام تقدر بستة أفراد يوميا، خلال فترة الاضطرابات ويعلنون اعتناق النصرانية.

وبهذا يمكن تفسير هذا الاهتمام الكبير بالمناطق الأمازيغية، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى المحاولات التنصيرية البروتستانتية، خصوصا من جماعة التنصير اللندنية British and Foreign Bible Society المؤسسة من الأب (ماكينتوش) التي انطلق عملها في المغرب بتوزيع الإنجيل مترجما إلى اللغة الأمازيغية، وبها عرف التنصير البروتستانتي دفعا جديدا، فكانت الطبعة الأولى للإنجيل باللهجة الريفية سنة: 1885م.

> لكن أستاذ السروتي.. ما الكوابح التي تحجم المغرب وبقية البلدان عن شن حرب فعالة على التنصير كما شنتها وما تزال على ما يسمى بالإرهاب..؟

< لعل التفسير الذي يستند إليه بعض الباحثين في التقليل من شأن الظاهرة هو سياسة الجهات الرسمية، المتسمة بموقف تهويني كما يسميه بعضهم. وينعت الاهتمام بالظاهرة بالفقاعة الإعلامية التي تحسن بعض الأطراف إطلاقها بين الفينة والأخرى؛ إمعانا في التقوقع على الذات خوفا وتوجسا من الآخر.

ولكن في المقابل هناك تفسيرات أخرى تعد منطقية وجوابا مقنعا ويسميها آخرون كوابح تفسر السياسة الرسمية؛ من قبيل أن عدم التفاعل والاهتمام هو مجرد « لعبة» توازنات تسعى السلطة من خلالها لكسب نقاط الرضا والقبول، فتغض الطرف عن هذا وتتجاوز عن ذاك لاعتبارات عدة:

أولها أنه لا يمكن للدولة وحدها مواجهة الظاهرة، خصوصا أننا في عصر العولمة الذي ضخمت فيه الحريات الفردية بشكل كبير... وهو ما يفسر به بعضهم السرعة التي يتم إطلاق من يتم ضبطهم كما هو الشأن بالنسبة للمجموعة التنصيرية بمراكش في إحدى السنوات؛ إذ سرعان ما عادت المجموعة إلى ممارسة نشاطها ممارسة اعتيادية.

وثانيها: أن تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ما فتئت تتهم المغرب في السنوات الأخيرة باعتقاله لشباب اعتنقوا النصرانية... ومن شأن ذلك أن يشكل نقطة سوداء في سجل المغرب، ويمكن التمثيل لذلك أيضا بتقرير الحرية الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية.

وثالها أن المغرب تربطه علاقات جيدة بالفاتيكان، وأي سلوك صادر في هذا الصدد سيجعله في تعارض مع دعواته المتكررة إلى الحوار والتسامح.

أما الرابع والأهم فهو أن الموضوع ما زال ضمن المسكوت عنه، وإثارته من شأنها خلق تضامن دولي لأنصار هذه الحركات، والمغرب في غنى عن ذلك.

بَيْد أن الدولة بأجهزتها الأمنية ووسائلها المختلفة لا يقبل منها أن تدعي تجاهلها بوجود المنصرين في البلاد، فإما أن يكونوا بعلمها ينصرون، وإما أن يكونوا دخلوا بأسماء مزورة ولأغراض مغلوطة مكذوبة، وهم يعملون في خفاء وتحت عناوين مزيفة؛ فعلى الدولة أيضا أن تراقبهم وتشدد في كشف خفاياهم، وإهمال ذلك ستكون له عواقب متعددة الأبعاد.

وعليه، فالرسالة التي يجب أن تعيها وتفهمها الجهات المعنية أن التنصير لم يعد يهدف إلى تحويل الناس من دينهم إلى النصرانية فقط، وإنما أصبح يتوخى إيجاد مجموعة بشرية وأقليات دينية لها نفوذها..

وجدير بالذكر أنني لست من الذين يعلقون المشكلات على مشجب واحد، ولا من الذين يحملون طرفا فالمسؤولية على آخر.. المسؤولية مركبة ومشتركة على الجميع الإسهام في حلها كل من زاوية اشتغاله: الأبوان في أسرتهما، والباحث في دراساته، والصحافي من منبره… وهكذا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك