رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم أحمد الناشي 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

أقامتها «الفرقان» بالتعاون مع مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية-ندوة فلسطين: الكيان الصهيوني يشن الحرب على المؤسسات الخيرية

 

 

أقامت مجلة الفرقان بالتعاون مع مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ندوة بعنوان: «فلسطين ومستقبل العمل الخيري»؛ دارت حول عمل الجمعيات الإسلامية الخيرية لدعم القضية الإسلامية في فلسطين محلياً وعالمياً، وما يواجهه العمل الخيري من تحديات ومضايقات، سواء أكان ذلك محلياً أم على المستوى العالمي، ولاسيما وهو يصطدم مباشرة مع غطرسة الاحتلال اليهودي لفلسطين.

وتحدث المحاضرون عن العمل الخيري في فلسطين، مؤكدين أنه امتداد لتاريخٍ إسلامي عريق، ابتدأ من حادثة الإسراء والمعراج، وكيف أنّ الإسلام ربط المسلمين كافة-وليس الفلسطينيين فقط- أينما كانوا بالمسجد الأقصى ديانةً وعقيدةً..

موضوعات كثيرة طرحتها ندوة: «فلسطين ومستقبل العمل الخيري» التي حاضر فيها د. بسام الشطي رئيس تحرير مجلة الفرقان ورئيس قسم العقيدة والدعوة بكلية الشريعة جامعة الكويت، ورئيس مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية جهاد عايش، والكاتب والباحث في الشؤون الفلسطينيية ورئيس تحرير سلسلة بيت المقدس عيسى القدومي.

 

في البداية تحدث رئيس قسم العقيدة والدعوة بكلية الشريعة جامعة الكويت د.بسام الشطي عن أهمية العمل الخيري في الإسلام، مشيرا إلى أنه ليس أمراً جانبياً أو ثانوياً، فكما أن المسلم مطالب بالركوع والسجود والعبادة؛ فهو مطالب بفعل الخير، وقد ورد فعل الخير في سياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا} (الحج: 77)، كما أمر سبحانه وتعالى بالدعوة إلى فعل الخيرات: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}.

وأضاف الشطي: مع أن العمل الخيري جهد مبارك فيه النفع للبلاد والعباد، وهو من مطالب ديننا الحنيف، الذي يتحقق فيه الخير الوفير والأجر الجزيل؛ إلا أن واقع قطاع العمل الخيري في عالمنا العربي والإسلامي يواجه تحديات جمة، عالمية ومحلية، وفي بعض الدول أثرت هذه الضغوط ليس فقط على تقليص العمل الخيري ومؤسساته بل على وجوده أصلاً، ولحق بذلك تردي حالة الأوقاف الإسلامية!!

ولا يزال الفرق شاسعاً في عصرنا الحاضر بين المأمول والواقع في كثير من المجالات الخيرية.. مع أن العمل الخيري له اليد الطولى على البلاد والعباد في فتح مجالات وآفاق واسعة للمتبرعين، وسد حاجات أهل الفاقة الذين عجزوا عن تدبير أحوالهم، إلا أن تلك المساعدات على اختلاف مشاريعها كانت بلسماً يداوي الجراح ويهوّن الآلام... ويخفف الأعباء عن الدولة.

ثم ذكر الدكتور الشطي نماذج مضيئة في عمل الخير، منها:

عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الذي جهز جيش العسرة؛ حيث تبرع بثلث ماله.

عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار، ثم فرّقها في أهله من بني زهرة، وفقراء المسلمين، وقدّم يوما لجيوش الإسلام خمسمائة فرس، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وفي مرض موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار.

 صهيب بن سنان : وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله، يعين محتاجا.. يغيث مكروبا..{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}، حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى إنك لتسرف..! فأجابه صهيب: لقد سمعت رسول الله يقول:" خياركم من أطعم الطعام".

 ومن نماذج النساء خديجة بنت خويلد أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقد بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول[ وقد قال عنها[: "وواستني بمالها إذ حرمني الناس".

 ومنهن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - التي قال عنهـــا الرسول[: "أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً" رواه مسلم، والمقصود بطول اليد : كثرة مدها بالعطاء للفقراء، فقد كانت - رضي الله عنها - تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء، وتقول عنها عائشة - رضي الله عنها-: «ولم أر أمراة قط خيراً في الدين من زينب بنت جحش، وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به لله تعالى» رواه مسلم.

وأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - كانت تضحي بنطاقها وتشقه نصفين وهو أغلى وأثمن ما تملك - رضي الله عنها - تقول: "صنعت سفرة للنبي[ وأبي بكر حين أراد المدينة، فقلت لأبي: ما أجد شيئاً أربطه إلا نطاقي، قال: فشقيه، ففعلت فسُميت ذات النطاقين" رواه البخاري.

وأم سليم بنت ملحان - رضي الله عنها - كانت محبة للخير وخدمة المسلمين، يقول عنها أنس - رضي الله عنه-: كان رسول الله[ يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار إذا غزا يداوين الجرحى.

ومن أوضح أسس العمل الخيري الناجح ومقوماته

تأسيس العمل الخيري وفق القواعد والأسس الإدارية الحديثة، يساعد على نجاحه واستمراره ويتوافق مع متطلبات المرحلة واستمرارية العطاء ؛ فالمؤسسة الخيرية لا يمكن أن يكون لها وجود من الناحية القانونية إلا في إشهار المؤسسة، وبذلك تكتسب الجمعية الصفة القانونية، علما بأن المؤسسات والجمعيات الخيرية لا تنفرد بقانون خاص ولكنها هي جزء من جمعيات النفع العام – غير الربحية - بوجه عام.

وأضاف : لذا لا بد من تحديد الأهداف والأغراض لإقامة المؤسسة الخيرية، وما الذي تريد تحقيقه من خدمات خيرية وتطوعية في المؤسسة المزمع إشهارها، ويفترض في الأهداف أن تكون محددة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وواقعية ومقيدة بوقت إلى حد ما.

 

العمل الخيري في فلسطين

بدوره تحدث الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني عيسى قدومي عن العمل الخيري في فلسطين، موضحا أنه حديث ذو شجون تختلط فيه العزة بالألم، وأن العمل الخيري في الإسلام ليس أمراً جانبيا أو ثانويا.

وقال: إن العمل الخيري المعاصر في فلسطين بدأ منذ العشرينيات من القرن العشرين، وثورة العام 1936 ثم نكبة العام 1948، وشكلت لجان لمساعدة اللاجئين واستيعابهم في الأرياف وضواحي المدن وتجميع المساعدات لهم. وخلال الفترة من 1948 حتى 1967، ونشطت لجان الزكاة وانتشرت وأصبح لها وجود في كل المدن وحتى الأرياف والمخيمات وسجلت نجاحات، مشيرا إلى أنه خلال المرحلة الثانية من 1968 -1994 طوّرت اللجان نشاطاتِها: المرحلة الثالثة، من سنة 1994 إلى اليوم وصفت 40% على أنها «جمعيات خيرية»، بينما اختارت 35% منها وصف «منظمات مدنية»، و15% منها «منظمات وطنية»، و10% منها «اتحاد عام».

وبين أن التقارير الرسمية تشير إلى أن عدد الجمعيات المسجلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2005 بلغ حوالي 1250 جمعية؛ منها حوالي 675 جمعية في الضفة الغربية و 575 جمعية في غزة، علما بأن عدد الجمعيات العاملة منها ليس أكثر من العُشر!!

وقال: منذ 1996م صعّد الكيان الصهيوني ومؤسساته الحرب على المؤسسات الخيرية، وجمد أموال "لجنة الإغاثة الإسلامية" التي تكفل 10 آلاف يتيم فلسطيني، وجاء ذالك متوافقا مع كتاب أصدرته "مادلين أولبرايت" في عام 1997" دعت فيه لوقف أي تبرعات للشعب الفلسطيني بحجة أنها أموال تدعم الإرهاب"، وتزامن ذلك مع قرار من الكيان اليهودي مشابه بالإعلان عن حظر خمس مؤسسات خيرية خارجية.

 

تفريغ القدس

وبين مقوماته: القدومي أن اليهود أرادو تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية بذرائع وحجج هدفها: "طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس"!! حتى إن المؤسسات التي لم يصبها داء الإغلاق، أسهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسراً !!

وأشار إلى أن بعضهم يحمل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير جزءا من مسؤولية عدم الحفاظ على وجود المؤسسات الفلسطينية في القدس؛ بسبب تسريع عملية نقل بعضها إلى المدن الأخرى.

 

الدور الإسلامي

وأوصى الباحث عيسى قدومي بأمور عدة منها:

- الضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم رؤيتها الواضحة وموقفها من العمل المؤسسي على وجه العموم، والخيري والإغاثي على وجه الخصوص.

- تفعيل الدور العربي والإسلامي ليرتقي إلى التخصصية والمنهجية لمواجهة المخططات اليهودية.

- ودراسة عقلية القوى التي تقف ضد العمل الخيري الإسلامي بكل أشكاله وأدواته، وتحليل طبيعة الاتهامات الموجهة إلى العمل الخيري والمؤسسي. والرفض التام لربط العمل الخيري بالإرهاب.

- أن تولي الحكومة الفلسطينية والحكومات العربية والإسلامية العمل المؤسسي الثقة والاهتمام والدفاع، والعمل على توفير الحصانة لرموز العمل الخيري ومؤسساتهم وتقديم العون لها لتخفف عن الحكومة مهام لا تستطيع أن تتجاوب معها.

- مشاركة الجهات الحكومية والقطاع التجاري في حملات ومشاريع الجهات الخيرية والمؤسسات المجتمعية؛ مما يعقد الأمر على من أراد أن يتهم ويضيق على تلك المؤسسات.

- تشكيل لجنة قانونية لحماية العمل الخيري بمؤسساته ومنشآته وإنجازاته لتجنب الاتهامات المعلبة، وتشكيل مجالس تضم المؤسسات الخيرية لتتكاتف الجهود وتتواصل للدفاع عن المؤسسات التي تتهم، والعمل على استمرار عملها.

- البعد عن الحزبية وعدم تأطير المؤسسة بإطار حزبي يخدم أهداف بعيدة.

- ولا بد من مواجهة اتهامات العلمانيين الذين أدوا دوراً بارزا في تشويه العمل الخيري ومؤسساته، وكانوا داعمين لتوجهات الغرب وأطروحاته في ضرب العمل الخيري الإسلامي ومؤسساته في العالم وعلى وجه الخصوص فلسطين.

 فمن حق الفلسطينيين تأسيس الجمعيات والهيئات الأهلية المنظمة لمختلف الأنشطة الأهلية، وممارسة النشاط الاجتماعي والثقافي والمهني والعلمي، بما يتوافق مع أحكام الشريعة، بما في ذلك الحق في تشكيل الجمعيات والهيئات الأهلية وتسييرها؛ فلماذا يحرم المجتمع الفلسطيني من هذا الحق؟!

 

صندوق قومي

وفي سياق متصل تحدث جهاد عايش-رئيس مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، موضحا حقيقة العمل الطوعي عند اليهود (محلياً وعالميا).

وقال: إن عالم الرياضيات الحاخام اليهودي هيرمان دعا إلى إنشاء صندوق قومي يهودي قائم على التبرعات, وفي المؤتمر الخامس عام 1901 وبتأييد من هرتسل  تم تفعيل الفكرة ليكون بمثابة (وديعة للشعب اليهودي)، وكان  الهدف من الصندوق: شراء الأراضي  والسيطرة عليها, وقد اتسع نشاط الصندوق بعد وعد بلفور عام 1920 فأسهم الصندوق برعاية الهجرة إلى فلسطين،  وخلال الانتداب البريطاني على فلسطين سهّل لليهود عملية شراء الأراضي ونقل ملكيتها لهم، وبسبب التسهيلات البريطانية  وقع تحت سيطرة اليهود ما نسبته 3,55% من مجمل أراضي فلسطين وما نسبة 54% من مجمل الأراضي التي سيطرت عليها الوكالة اليهودية حتى وصلت عام 1960 إلى 17% من مجمل مساحة الدولة اليهودية.

وبين أنه قبل الحرب العالمية الثانية قام اليهود بتأسيس:  «الصندوق الأزرق»  ليضعوه  في المحلات التجارية ونحوها لغرض جمع المال لليهود.

وفي عام 1947م طلبت «غولدا مائير»  برسالة لطيفة أبكت  اليهود في حملة  جمع تبرعات  حصدت فيها  50 مليون دولار!!

 

فلسفة الحض على التبرع عند قوى الضغط اليهودية

وقال: إن الجماعات الصهيونية ترى أن عملية التبرع تقوي الروابط العاطفية بين اليهود، وتعطي انطباعا أن كل يهودي مشارك في تأسيس وبناء دولة إسرائيل حتى تبقى الصلة بين اليهودي والصهيوني ودولة إسرائيل وإن لم يهاجر إليها, وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم: "يهود النفقة" ويهود الخارج "متبرعو صهيون"، وهؤلاء لا يشترط بهم أن يدركوا المفهوم السياسي من وراء عطائهم, بل  استغلال للمدخولات العالية التي يتحصل عليها هؤلاء, فضلا عن أنها ضريبة عدم هجرتهم إلى الكيان اليهودي.

 

أهمية العمل الطوعي في الكيان اليهودي

وأكد أن الكيان اليهودي من أوائل دول العالم التي تولي القطاع الخيري والتطوعي اهتماما بالغا؛ حيث عدّ العمل الخيري فيه بمثابة القطاع الثالث على مستوى الدولة. ومنذ أواخر عام 1970 وبفضل التجاوب السريع  شهد العمل الطوعي في الكيان اليهودي  نموا وتطورا متميزا، فقد أقرت وزارة الداخلية  عام 1980م  قانون العمل وفي عام 1997م تم تأسيس" المركز الإسرائيلي لبحوث  القطاع الثالث " في جامعة بن غوريون في مدينة النقب، وهو أول مركز دراسات متخصص على مستوى الكيان اليهودي, جمع في حواسيبه بيانات ما يقارب 43 ألف مؤسسة طوعية في الكيان اليهودي وجميع البيانات الخاصة بها من اسمها وعنوانها وأعضائها وميزانياتها والخدمات التي تقدمها للجمهور اليهودي, وغير ذلك  من بيانات أدلت بها هذه المؤسسات ليقدم المركز خدمة البحث العلمي للأكاديميين المتخصصين في مجالات المجتمع المدني في الكيان اليهودي أو العاملين فيه, كما أنه يقدم خدماته للسلطات الرسمية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

أثر القطاع الطوعي على

الاقتصاد الصهيوني

وأشار إلى أن القطاع الطوعي أسهم في دعم الاقتصاد الصهيوني منذ عام 1990 إلى 2002م،  بمعدل 14 ألف مليار دولا أمريكي  سنويا ما يساوي 13.3 من الناتج الإجمالي  المحلي ، ووظف 145000  شخص  يمثلون  29% من حجم العاملين في القطاع الحكومي، وفي نهاية عام 2002م وفرت مؤسسات العمل الطوعي قرابة  236 ألف فرصة عمل بدوام كامل للقوى العاملة اليهودية وهو ما يمثل نسبة 10.9% من إجمالي العاملين لديهم, بنسبة 30% زيادة عن عام 1990.

ولفت إلى أن  البروفيسور جاف أوضح أن ثلثي اليهود داخل "إسرائيل" يتبرعون بانتظام، وكشفت الدراسة أن التبرعات الخارجية الفردية للجمعيات "الإسرائيلية" في تزايد مستمر بما في ذلك تبرعات الشباب اليهود في أوروبا وأمريكا.

وبين أن مساهمة القطاع التطوعي في دعم اقتصاد الكيان الصهيوني قد بلغت في عام 2006م  14 مليار دولار أي ما نسبته 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي, لذلك وجد الكيان اليهودي نفسه في المرتبة الرابعة بين 22 دولة بعد هولندا وأيرلندا وبلجيكا في دعم القطاع الثالث للاقتصاد الوطني .

وكانت الحرب بين مصر والصهاينة عام 73 والهزيمة التي مني بها اليهود كانت دافعا للصهاينة في الداخل والخارج وعلى الصعيد الفردي في تأسيس المزيد من الجمعيات الطوعية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك