رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور :علي بن عبدالعزيز الشبل 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

أعظم الفتن وأشنعها فتنة المسيح الدجال

حذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من الفتن، وهي في آخر الزمان فِتن كثيرة ومتنوعة ومتتابعة، ونحن الآن في آخره، ألا وإن من بينها فتنةٌ هي أعظم الفتن وهي أفظعها وأشنعها، فتنةٌ لم يتركها نبيٌ إلا بينها لأمته، هي أعظم الفتن من لدن آدم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلى أن تقوم الساعة، إنها فتنة المسيح الدجال الذي أنذره نوحٌ قومه، وأنذره موسى قومه، وكان أشدهم إنذارًا وإعذارًا وتحذيرًا وتنويهًا بشرِّه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم .

     الدجال يظهر على الناس على حين غرة على حين خلة بين الشام والعراق، أي أن الناس يغفلون عنه لا ينسونه وإنما هم عنه في سلوانٍ وذهول، روى عبد الله بن أحمد في زوائِده على مُسند أبيه عن الصعب بن جثَّامة الليثي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذِكره، وحتى تترك الأئمة خبرهُ على المنابر».

الذهول عن ذكره

     أما الذهول عن ذكره: فكالذهول عن الموت يتخطَّف الناس من بيننا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، وأحدنا طويلٌ أمله يظن أنه باقٍ عليهِ سنون في عمره، وكذلك الدجال لم ينسه المؤمنون، ولكنهم عنه في ذهولٍ وسُلوان وفي غفلةٍ وإعراض، «وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر»: فلا تحذير ولا إنذار ولا تنويهٌ ولا وصف لهذه الفتنةِ العظيمة التي هي أعظم الفتن من لدن آدم إلى قيام الساعة.

ذكر الدجال في السُنَّة

       روى مُسلمٌ في صحيحه من حديث النواس بن سمعان الكِلابي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لهم الدجال ذات غداة أي ذات يوم فخفض فيه ورفع حتى ظنه الصحابةُ وراءهم في طائفة النخل -نخل المدينة- فلما راحوا إليه رأى - صلى الله عليه وسلم - وجوههم متغيرة -أي متأثرةً مما ذكر من شأن الدجال- هذا شأن الصحابة إذا وُعظوا بلغت الموعظة قلوبهم، أما نحن فما في قلوبنا من الغفلات والسهيان لا تُغادر أحدنا باب المسجد إلا وقد نسي الموعظة ولا حول ولا قوةَ إلا بالله. راحوا إليه فلما رأى وجوههم متغيرة قال: «ما لي أرى وجوهكم متغيرة؟»، قالوا: يا رسول الله، ذكرت الدجال فخفضت فيهِ ورفعت حتى ظنناه وراءنا في طائفةِ النخل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «والله لغير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجهُ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مُسلم»، نعم استخلف - صلى الله عليه وسلم - ربه على كل مُسلم، ونِعم بالله الخليفة، حسبنا الله وكفى، حسبنا الله ونِعم الوكيل.

غير الدجالِ أخوفني عليكم

      ولهذا لما قال - صلى الله عليه وسلم : -«غير الدجالِ أخوفني عليكم»، ما أراد بذلك - صلى الله عليه وسلم ؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُنبِأُكم بما هو أخوفني عليكم من فتنة المسيح الدجال؟» قالوا بلى يا رسول الله، قال: «الشِّرك الخفي يقوم الرجل فيُزيِّن صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه»، إنه الرياء، إنه شِعار المنافقين ودثارهم، يُراؤون الناس بأعمالهم ولا يذكرون الله إلا قليلًا، ويسير الرياء قد يتهاون به العبد فلا يُلقي له بالُا، وأما كثيرهُ فهو المُحبِط للعمل والمُخلِّدُ لصاحبه في نار جهنم، خاف علينا - صلى الله عليه وسلم - الرياء أشدَّ من مخافته علينا المسيح الدجال، والرياء لا ينتهي منه الناس، لا في أول الزمان ولا في آخره، ويتهاونون في شأنه وهو يسري إلى نُفوسهم وصُدورهم، أما الدجال فإنه لا يفتن الأقوام إلا الذين ظهر عليهم، فكل من مات قبل الدجال فهو سالمٌ من شره ومن فتنته.

الفتنةُ الثانية التي خافها - صلى الله عليه وسلم 

     الفتنةُ الثانية: التي خافها علينا - صلى الله عليه وسلم - أشد من مخافته علينا المسيح الدجال، ما قاله - صلى الله عليه وسلم : -«ألا أنبئِكم بما هو أخوفني عليكم من فتنة الدجال؟» قالوا بلى يا رسول الله، قال: «الأئمة المُضلون»، أئمة الضلالة يحثون الناس على البدع ويُروجونها بينهم، ويُحبطون السُّنن ويُميتونها في نُفسهم، ومن أئمة الضلالة علماء السوء وأمراء السوء الذين يُحرفون ويُغيرون دين الله، خافهم علينا؛ لأن شرهم على متبوعيهم وعلى رعاياهم شرٌ عظيمٌ مُستطير في أولِ الزمان وفي آخره، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ ‌يَأْتِيَ ‌رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (الأنعام: 158).

احذروا الفتن !

       فاحذروا الفتن! احذروها وخافوها على دينكم وإيمانكم وعلى أنفسكم وعلى أهليكم وأولادكم! فإن من خافَ شيئًا قارب أن ينجو منه، ومن اتقى شيئًا حذِرهُ يا عباد الله، اذكروا الدجال في مجالسكم وبين أهليكم وأولادكم إعذارًا وتحذيرًا منه، ولا يفيدنكم غفلة الناس عنه؛ فإن الغفلات لا تُنجي أصحابها ويكادُ أن يكون هؤلاءِ الغافلون ممن رتعوا في هذه الفتن، وممن أوبقوا في هذه المحن ومنها فتنةُ المسيح الدجال.

فتنةٌ عظيمةٌ عمياء

      إن فتنة هذا الخبيث الكذاب (مسيح الضلالة الدجال) فتنةٌ عظيمةٌ عمياء، قلَّ أن يسلم منها إلا من كان من عباد الله والأولياء، ولهذه الفتنةِ العظيمة مُقدماتٌ وإرهاصات، فمن ذلكم ما جاء في صحيح مُسلم من حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنه خارج خلة» -أي على حين غرة وفجأة- «بين الشامِ والعراق فعاثَ يمينًا وعاثَ شِمالًا ألا يا عباد الله فاثبتوا». وقد روى الإمام أحمد وغيره عن الصعب بن جثامة الليثي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره»، فهم عنه في ذهول لا في نسيان، كما أنهم عن الموتِ في سلوان لا عن نسيان «حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر»، فلا يُحذرون منه، ولا يُبينون خطره ولا فتنته ولا شره، ولا ينذرون عباد الله من خطرهِ وفتنته.

سنواتٌ خداعات

      ومن ذلكم أن بين يدي الدجال سنواتٌ خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائِن ويُخوَّن فيها الأمين، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومهِ أو من غده، والدجال يا عباد الله، تسبقه ثلاثُ سُنين: فأما سنةٌ فلا تُعطي السماءُ إلا ثُلثي ما بها، وأما الثانية: فلا تُمطر السماءُ إلا ثُلث ما بها، وأما الثالثة: فسنةٌ جدباء في قحطٍ ومَحْلٍ عظيم. فإذا جاء الدجال فتن الناس بما معه من الفتن، فيمر على القوم مُجدبين ممحلين ليس في أيديهم من أموالهم شيء، فيأمرهم وينهاهم فيستجيبون له ويؤمنون بربوبيته، فيأمر السماء عليهم فتُمطر والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرى من الشحم ومن العُشب، وأمدها خواصِر وأجرها ضُروعًا، لا إله إلا الله، ما أعظم فتنته! ولا إله إلا الله ما أعظم شرهُ وخطره!

فتنة الأعرابي

     ومن ذلكم أن الدجال يمر على الأعرابي في زوده فيدعوه إلى ربوبيته وأن يؤمن به، فيرد عليه الأعرابي دعوته ويقول ربي الذي يُحيي ويُميت، فيولِّي عنه الدجال دُبره ويُرسل له جنًا وشياطين فيتمثلوا في صورةِ أبيه وأمه، فيأتيانه ويظن أنهما قد ماتا، فيقولون يا فلان فيقول: أنت أبي وأنتِ أمي، ألم تموتا؟ قالا: نعم متنا وأحيانا ربك الذي كفرت به، يا من فيك كذا وكذا؛ فيظن هذا المِسكين أن هذا الأعور الكذاب هو ربه فيذهبُ يطلبه ويبحث عنه حتى يُصدقه ويؤمن به، فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال -تعالى-: {هَلْ ‌يَنْظُرُونَ ‌إِلَّا ‌أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (الأنعام: 158).  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك