رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان 16 أغسطس، 2010 0 تعليق

أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (2)

 

 

اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

 

حكم تعظيم الأشخاص

هذه أجوبة(1) للشيخ حول تعظيم الأشخاص، التعظيم الذي فيه نوع عبودية لغير الله تعالى؛ وذلك أنه دخل عنده ثلاثة رهبان من الصعيد، فناظرهم وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار، وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح، فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون: أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك، فقال لهم الشيخ: وأي من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم - عليه السلام - ألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكا، ولا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا، ولا نشرك معه نبيا من الأنبياء ولا صالحاً: {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} (مريم: 93)، وإن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره مثل إنزال المطر وإنبات النبات وتفريج الكربات والهدى من الضلالات وغفران الذنوب؛ فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك، ولا يقدر عليه إلا الله، والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاؤوا به، ونطيعهم، كما قال نوح وصالح وهود وشعيب: {فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء: 108، 126، 144)، فجعلوا العبادات والتقوى لله وحده، والطاعة لهم؛ فإن طاعتهم من طاعة الله؛ فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي، وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافرا حتى يؤمن بذلك الكتاب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر.

فلما سمعوا ذلك من الشيخ ، قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه، ثم انصرفوا من عنده.

وسئل (2)- رحمه الله - عن تقبيل الأرض أمام بعض المشايخ أو بعض الملوك تعظيما لهم؟

فأجاب - رحمه الله -: أما تقبيل الأرض ورفع الرأس ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام الشيوخ وبعض الملوك؛ فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا، كما قالوا للنبي[: الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال[: «لا»(3)، ولما رجع معاذ(4) من الشام سجد للنبي[، فقال[: «ما هذا يا معاذ؟» قال: يا رسول الله! رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال[: «كذبوا عليهم، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة تسجد لزوجها من أجل حقه عليها! يا معاذ، إنه لا ينبغي السجود إلا لله»، وأما فعل ذلك تدينا وتقربا؛ فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتدينا فهو ضال مفتر، بل يبيّن له أن هذا ليس بدين ولا قربة؛ فإن أصر على ذلك استتيب؛ فإن تاب وإلا قتل.

وسئل(5) - رحمه الله- عن النهوض والقيام الذي يعتاده الناس عند قدوم شخص معين معتبر؟

فقال: لم تكن عادة السلف على عهد النبي[ وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه - عليه السلام - كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي[ وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك(6)، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له كما روي عن النبي[ أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: «قوموا إلى سيدكم»(7)، وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة لأنهم نزلوا على حكمه، والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله[ فإنهم خير القرون.

وخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد[ فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه، وينبغي للمطاع ألا يقر ذلك مع أصحابه؛ بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد.

وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة- فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له.

وليس هذا القيام - يعني القيام المرخص فيه لدرء المفسدة في حق من لا يعرف السنة - ليس هو من القيام المذكور في قوله[: «من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار» (8)؛ فإن ذلك أن يقوموا عليه وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء؛ ولهذا فرقوا بين أن يقال: قمت إليه، وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد، وقد ثبت أن النبي[ صلى بهم قاعدا في مرضه وصلوا قياما فأمرهم بالقعود(9)، وقال: «لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضهم بعضا»(10)، وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد؛ لئلا يتشبهوا بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.

قال(11): وأما الانحناء عند التحية فينهى عنه، كما في الترمذي عن النبي[ أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحنى له؟ قال: «لا»(12)، ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعلهما إلا لله - عز وجل - وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف: {وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} (يوسف: 100)، وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله - عز وجل - بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضهم لبعض؛ فكيف بالركوع والسجود؟! وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل في النهي عنه. انتهى كلامه، رحمه الله.

> الهوامش

1 - المجموع (1/370).

2 - المجموع (1/372).

3 - رواه الترمذي (2728)، وقال: حسن.

4 - رواه ابن ماجه (1853)، وأحمد (4/381)، وصححه الحاكم (4/190)، وابن حبان (1290 - الموارد).

وأشار البوصيري إلى تقويته بمجموع طرقه.

5 - المجموع (1/374).

6 - رواه الترمذي (2754)، وقال: حسن صحيح غريب، وأحمد (3/132)، والبخاري في «الأدب المفرد» (946).

قال ابن القيم في «حاشيته على السنن» (14/85): إسناده على شرط مسلم.

7 - رواه البخاري (3043)، ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري.

8 - رواه أبو داود (5229)، والترمذي (2755) وحسنه، وابن أبي شيبة (5/234/25582)، وقال المنذري في «الترغيب» (3/289): إسناد صحيح.

9 - انظر «صحيح البخاري» (688)، ومسلم (412).

10 - قارن مع حديث جابر عند مسلم (413).

11 - «المجموع» (1/377).

12 - رواه الترمذي (2728) وقال: حسن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك