رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان 21 أغسطس، 2010 0 تعليق

أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة (4)

 

اقتبسها: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

الواسطة بين الحق والخلق

هذه المسألة ساءت فيها أفهام كثير من الناس مما أدى ببعضهم إلى الكفر والضلال، فقد سئل شيخ الإسلام عن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله؛ فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك!

فأجاب بقوله: الحمد لله رب العالمين. إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبغلنا أمر الله فهذا حق؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته، وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها، وأمثال ذلك؛ إلا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم إليه زلفى، ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون وهم عن ربهم محجوبون ضالون، قال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون • والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (الأعراف: 35-36)، وقال تعالى: {...فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى • ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى • قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا • قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} (طه: 123-126)، قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وقال تعالى عن أهل النار: {... كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير • قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل  الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} (الملك: 89)، إلى أن قال: وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره، قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} (الحج: 75)، ومن أنكر هذه الواسطة فهو كافر بإجماع أهل الملل، يعني لأنه كافر بالرسل ومكذب لهم.

وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل كيف أهلكهم ونصر رسله والذين آمنوا.

قال: فهذه الوسائط تطاع وتتبع ويقتدى بها كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء:64) وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء:80) {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (آل عمران:31).

ثم بيّن - رحمه الله - الواسطة الأخرى التي من أثبتها كفر، فقال: إن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم، يسألونه ذلك ويرجونه فيه فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين؛ حيث اتخذوا من دونه أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار.

ثم استثنى -رحمه الله- الشفاعة التي يأذن الله بها لمن رضي قوله وعمله، فقال: لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حق.

ثم قال: فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين.

وذكر الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون • ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 79-80)، قال: فبيّن سبحانه أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر؛ فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب؛ فهو كافر بإجماع المسلمين.

قال: ومَن سوى الأنبياء من مشائخ العلم والدين فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته يبلغونهم ويعلمونهم ويؤدبونهم ويقتدون بهم فقد أصاب في ذلك، وهؤلاء - يعني العلماء - إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة؛ لا يجتمعون على ضلالة، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول؛ إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق. بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله [. وقد قال النبي [: «العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، فالعلماء وسائط بهذا المعنى، وأما من جعلهم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه! فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله! فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأن هذا من تشبيه المخلوق بالخالق واتخاذ الأنداد له.

هذا ما قرره شيخ الإسلام في هذه المسألة المهمة - التي هي اتخاذ الوسائط -، حيث بيّن أن وساطة الرسل بين الله وبين خلقه وساطة تبليغ عن الله، وواجبنا طاعتهم في ذلك، ووساطة العلماء بين الرسل والأمة هي وساطة تبليغ العلم الذي جاءت به الرسل؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء.

أما اتخاذ الأنبياء والعلماء وسائط عند الله في قضاء الحاجات وقبول الدعوات فهي وساطة باطلة ومن أثبتها فهو كافر بالله عز وجل، لأن الله لم يجعل بيننا وبينه وسائط في هذا الشأن، بل حكم بكفر من اعتقد ذلك، فقال تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3).

 

الفرق بين الواسطة عند

الله وعند الخلق

قال رحمه الله مبينا الفرق بين الواسطة التي تكون بين الملوك وبين رعاياهم وبين ما يزعم من الواسطة بين الله وبين خلقه. قال: فهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق. فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس يكونون على أحد وجوه ثلاثة:

إما لإخباهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه. ومن قال: إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بذلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم؛ فهو كافر، بل هو سبحانه يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية  في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير، يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات عن تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين.

فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، فهو كافر بإجماع المسلمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك