رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 6 نوفمبر، 2023 0 تعليق

أدّب ولدك بالأمثال (4) المسألة آخر كسب الرجل

  • المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ أو لذي غرم مُفظع أو لذي دم مُوجع
  • الدين يحث على النفقة ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة
  • لما كانت ظروف الناس متنوعة وأرزاقهم متباينة جاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال

هذا المثل وصية الصحابي الجليل قيس بن عاصم -رضي الله عنه - لبنيه حين حضرته الوفاة، فقال لهم: «يا بَنيَّ احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم فتهونوا جميعا عليهم، وعليكم بحفظ المال؛ ففيه منبهة للكريم، ومغناة عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس! فإنها آخر كسب الرجل».

ذكر الخطابي في غريب الحديث أن معناه أحد وجهين:
  • أحدهما: اجعلوا المسألة آخر كسبكم أي: ما دمتم تقدرون على معيشة وإن دقت، فلا تسألوا الناس ولا تتخذوا المسألة كسبا.
  • والآخر: أن من اعتاد المسألة واتخذها كسبا لم ينزع عنها، كما ورد عن قيس بن عاصم أَنَّهُ قَالَ: إن أحدا لا يسأل الناس إلا ترك كسبه».

أحاديث في الترهيب من المسألة

         وقد ورد في السنة ا لمطهرة أحاديث في الترهيب من المسألة -وهي طلب أموال الناس- وتحريمها مع الغنى، فعن ابن عمر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله -تعالى- وليس في وجهه مُزعةُ لَحمٍ». متفق عليه قال النووي: «قَوْلُهُ: (مُزْعَةُ لَحْمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ أَيْ: قِطْعَةُ، قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: مَعْنَاهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَلِيلًا سَاقِطًا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُحْشَرُ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَامَةً لَهُ بِذَنْبِهِ حِينَ طَلَبَ وَسَأَلَ بِوَجْهِهِ. وَهَذَا فِيمَنْ سَأَلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سُؤَالًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ سَأَلَ تَكَثُّرًا». وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم، فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب». رواه البيهقي وحسنه الألباني. وعن عائذِ بن عَمروٍ: أن رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يسألُه، فأعطاه، فلما وضع رِجْله على أسْكُفَّةِ الباب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسألُه» رواه النسائي وحسنه الألباني. وعن ثوبان أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل مسأَلةً وهو عنها غني، كانتْ شَيناً في وجهه يومَ القيامة» رواه أحمد وصححه الألباني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأَل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستَقِلَّ أو ليستكثِرْ». رواه مسلم. قال النووي: «قال القاضي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالنَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ يَصِيرُ جَمْرًا يُكْوَى بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ».

العهد على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يسألوا الناس شيئا

        وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ العهد على أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا، فعن عوف بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم ؟ «-وكنا حديثي عهد ببيعة- فقلنا: قد بايعناك يا رسولَ الله. ثم قال: «ألا تبايعون رسولَ الله؟ «فبسطنا أيديَنا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلامَ نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسَرَّ كلمةً خفية- ولا تسألوا الناس شيئاً». فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدِهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. رواه مسلم قال النووي: «فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُمْ نُهُوا عَنِ السُّؤَالِ فَحَمَلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى سُؤَالًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا». وعن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تَكفَّلَ لي ألا يسأل الناس شيئاً، أتكفلُ له بالجنة» فقلت: أنا؛ فكان لا يسأَل أحداً شيئاً. رواه أحمد وصححه الألباني، وعند ابن ماجه قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه؛ حتى ينزل فيأْخذَه.

ظروف الناس متنوعة

         وحيث إن ظروف الناس متنوعة، وأرزاقهم متباينة، فجاءت أحاديث بجواز سؤال الناس في أضيق الأحوال، فعن أنس أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: «إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع» رواه أبو داود وصححه الألباني. والفقر المدقع: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها. والغُرْم المفظع: هو الدين الشديد الشنيع. وذو الدم الموجع: هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.

المسألة لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة

         عن قَبِيصة بنِ المخارقِ قال: تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها». ثم قال: «يا قَبيصةُ، إن المسألةَ لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة: رجل تحمَّل حَمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك، ورجل أصابتْه جائحةٌ اجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَ قِوَاماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش، ورجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.فما سواهن من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ، يأكلُها صاحبُها سُحتاً».رواه مسلم

أوجه جواز السؤال

          ومن أوجه جواز السؤال أن يسأل المرء السلطان عن حقه، فعن سَمُرَةَ بن جُندَبٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما المسائلُ كدوحٌ يَكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأَل ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُداً». رواه أبو داود وصححه الألباني، والكُدوح (بضم الكاف: آثار الخموش). وفي عون المعبود: «وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوِ الْخُمُسِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَخُصُّ بِهِ عُمُومَ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ. قوله: (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) أيْ: عِلَاجًا آخَرَ غَيْرَ السُّؤَالِ أَوْ لَا يُوجَدُ مِنَ السُّؤَالِ فِرَاقًا وَخَلَاصًا. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَابُدَّ عِنْدَهَا مِنَ السُّؤَالِ كَمَا فِي الْحَمَالَةِ وَالْجَائِحَةِ وَالْفَاقَةِ، بَلْ يَجِبُ حال الاضطرار في العري والجوع».

الحث على النفقة

           فالدين يحث على النفقة، ويجعل اليد العليا المنفقة خيرا من اليد الآخذة، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، والعليا هي المنفِقة، والسفلى هي السائلةُ». متفق عليه، وحث الدين على العمل ولو بحرفة متواضعة؛ فذلك خير من السؤال، فعن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلَه، فيأَتي بحزمةٍ من حطب على ظهره، فيبيعَها فيكفَّ بها وجهَه، خيرٌ له من أنْ يسأَلَ الناس، أعطَوْه أم منعوه».رواه البخاري، وقال عمر: «مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك