رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 22 أكتوبر، 2023 0 تعليق

أدّب ولدك بالأمثال (1) – من سبل التأديب – تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة

   

  • من وظيفة الوالدين التربية الإسلامية السليمة للأبناء وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة بتدريبهم على العبادات والأخذ بأيدهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات
  • التربية هي صناعة الإنسان وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة
  • الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نُقش ومائل لكل ما يمال به إليه
 

الأسرة هي المحضن الأول للطفل؛ حيث تتكون فيها شخصيته، وتغرس فيها قيمه ومبادئه؛ لذا اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما كبيرا، وحمل الوالدين مسؤوليات خطيرة، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6)

       وبيّـن لنا الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- السبيل لوقاية الأسرة من هذا الخطر الجسيم؛ فقال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «علِّموهم، وأدّبوهم»، وقال ابن عباس:» اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار».

المهمة الجليلة

        وأكدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المهمة الجليلة فقال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» (متفق عليه)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- أيضا:» إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» أخرجه النسائي.

وظيفة الوالدين

         فمن وظيفة الوالدين تربية الأبناء التربية الإسلامية السليمة، وتنشئتهم التنشئة الدينية القويمة، بتعليمهم مبادئ الدين، وتدريبهم على العبادات، والأخذ بأيديهم إلى مكارم الأخلاق وحسن الصفات، وتحذيرهم من الموبقات والسيئات، وتهيئتهم ليعتمدوا على أنفسهم، ويستعدوا لتولي مهام أسرهم في المستقبل، فيحملوا الأمانة والمسؤولية كما حملها آباؤهم من قبل.

صناعة الإنسان

        والتربية هي صناعة الإنسان، وهي عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين ولا مرحلة محددة؛ فالإنسان عرضة للمؤثرات باستمرار، مما يقتضي أن يكون المرء واعيا لما يعرض له من مغريات وملهيات، وأن يكون قادرا على تقييمها في ضوء مبادئه وقيمه، ليقبل منها ما كان نافعا، ويرد ما كان ضارا.

ترسيخ المعيار الذاتي

        فترسيخ المعيار الذاتي لدى الإنسان ليزن به الأقوال والأفعال والأشخاص والمواقف من أهم ما ينعم به والد على ولده، فحياة الوالد مظنونة، ورعايته لأولاده محدودة، ولابد لهم من الاستقلال بحياتهم، والانفراد بشؤونهم؛ لذا فأعظم ما يورثه الوالد لذريته خلق قويم، وأدب رفيع، وتربية سوية. قال ابن عمر -رضي الله عنهما لرجل-: «أدّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه مسؤول عن برك وطواعيته لك». أخرجه البيهقي وقيلَ لابن الْمبارك: ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «غَرِيْزَةُ عَقْلٍ فِيْهِ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَدَبٌ حَسَنٌ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «صَمْتٌ طَوِيْلٌ» قيل: فإن لم يكن؟ قال: «مَوْتٌ عَاجِلٌ». قال أبو حاتم: «أفضلُ ما ورَّث أبٌ ابنًا ثناء حسن، وأدب نافع».

الصبي أمانة عند والديه

         ويقول الغزالي: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عّود الخير وعلّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزرُ في رقبة القيِّم عليه، والوالي له، وقد قال الله -عز وجل-: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً} (التحريم:6)».

مَن أهمل أولاده أضاعهم

        قال ابن القيم:» «فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغاراً» إلى أن قال: «وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفَوَّت على ولده حظه في الدنيا والآخرة». فالتأديب والأدب هو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي، قال المناوي: «الأدب رياضة النفوس ومحاسن الأخلاق»، قال الأحنف بن قيس: «الأدب نور العقل كما أن النار نور البصر». وغرس الفضائل في نفوس الصغار أحرى لاستقرارها في ضمائرهم، وثباتها في عقولهم، فيسهل عليهم في مستقبل زمانهم تمييز الصواب من الخطأ، وقبول الحق ورد الباطل. قال أبو حاتم:» ومن استفاد الأدب في حداثتِه، انتفع به في كِبَره؛ لأن مَن غرس فَسِيلاً يوشك أن يأكل رُطَبها».

من سبل التأديب وطرائق التهذيب

         ومن سبل التأديب، وطرائق التهذيب تلقين الأبناء الحكم والأمثال المفيدة؛ لما لها من أبلغ الأثر في ترسيخ المعاني الجميلة والآداب الرفيعة، والمفاهيم العالية والأخلاق السامية بألفاظ موجزة يسيرة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعجبه القول الطيب الموافق للشرع المطهر، فعن أبيّ بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من الشعر حكمة» أخرجه البخاري، قال ابن حجر: «هي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس».  

استحسان النبي - صلى الله عليه وسلم- للشعر

        وعن الشريد بن سويد الثقفي قال:» رَدِفْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقالَ: هلْ معكَ مِن شِعْرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيءٌ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: هِيهْ، فأنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقالَ: هِيهْ، حتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. أخرجه مسلم. قال النووي: «ومقصود الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحسن شعر أمية، واستزاد من إنشاده؛ لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث»، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:» أصْدَقُ كَلِمَةٍ قالَها الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيدٍ: «أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلٌ». متفق عليه وفي البيان والتبيين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ساكني الأمصار: «أما بعد فعلموا أولادكم العوم والفروسة، وروّوهم ما سار من المثل، وحسن من الشعر». وقال ابن المقفع:» إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق، وآنَقَ للسمع، وأَوْسَعَ لشُعُوب الحديث».

الحاجة إِلَى الشَّاهِد والمثل

          قال أبو هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال:» ثمَّ إِنِّي مَا رَأَيْت حَاجَة الشريف إِلَى شَيْء من أدب اللِّسَان بعد سَلَامَته من اللّحن كحاجته إِلَى الشَّاهِد والمثل والشذرة والكلمة السائرة؛ فَإِن ذَلِك يزِيد الْمنطق تفخيما، ويكسبه قبولاً، وَيجْعَل لَهُ قدرا فِي النُّفُوس، وحلاوةً فِي الصُّدُور، وَيَدْعُو الْقُلُوب إِلَى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة، والاستظهار بِهِ أَوَان المجادلة فِي ميادين المجادلة، والمصاولة فِي حلبات المقاولة». ومن أهم مراجع الأمثال العربية والإسلامية كتاب (مَجْمَعُ الأَمْثَالِ) لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، ويعد مرجعاً في الأمثال العربية القديمة، اشتمل على ثلاثين بابا، مليئة بأشعار العرب وأمثالها في الجاهلية وفي الإسلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك