رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى صلاح خلف 19 يوليو، 2010 0 تعليق

أحكام شرعية مهمة للمرشحين والناخبين لمجلس الأمة

 

ونحن على أعتاب انتخابات مجلس الأمة تنتشر بعض الظواهر، منها ما هو إيجابي وبعضها سلبي؛ فسمعنا من يتحدث عن كثرة الحلف بالله وبغيره في المجالس والمقرات الانتخابية، وسمعنا عن بعض المرشحين أنهم يشترون الأصوات بالمال، وبعضهم يلزم الناخبين بالحلف بالقرآن الكريم أن يعطوه أصواتهم.

هذه الظواهر السلبية ما حكمها الشرعي؟ وما رأي شريعتنا الإسلامية في مثل هذه التصرفات والأفعال التي نسمع عنها في بعض الدوائر الانتخابية؟

ولمعرفة هذه الأمور وموقف الشريعة فيها حاورنا فضيلة الشيخ حاي الحاي الداعية المعروف وعضو الهيئة الشرعية بجمعية إحياء التراث الإسلامي، الذي قدم بحثا متميزا يجيب بالأحكام الشرعية عن حقيقة حكم بعض التصرفات السلبية التي تحدث في بعض الدوائر الانتخابية من القرآن الكريم والسنة المطهرة بما يعطي النصح والإرشاد للإخوة المرشحين والناخبين في انتخابات مجلس الأمة القادمة.

 

 

> في البداية سألنا فضيلة الشيخ «أبو عمر» حاي الحاي عن حكم الحلف من أي مسلم في أي أمر من الأمور، وما ضوابطه الشرعية؟

 

< الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، إن الحلف أو القسم بالله جل وعلا عبادة لله سبحانه وتعالى؛ فالقسم يراد منه تعظيم المقسم به؛ لذلك لا يجوز الحلف بغير الله؛ قال النبي[: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» رواه البخاري ومسلم، وقال[: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وهو صحيح، وقال[: «احلفوا بالله وبروا واصدقوا فإن الله تعالى يحب أن يحلف به» رواه أبو نعيم في الحلية وهو صحيح، ومن ذلك يتضح أن الحلف بغير الله معصية وقد يكون شركا، وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى-: «فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك» (فتح الباري: 11/540).

أما الحلف بالمصحف فقد اختلف فيه العلماء والراجح جوازه كما ذهب إليه أصحاب النبي[ كعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به أجمع، ومن حلف بالقرآن فعليه بكل آية منه يمين» أخرجه عبدالرزاق في المصنف.

ومن الأدلة على جواز الحلف بالقرآن أن اليمين جائزة بصفات الله جل وعلا والقرآن الموجود بين الدفتين من كلام الله سبحانه وتعالى؛ فالحلف به وإن لم يرد نصا فهو جائز لعموم الأدلة كما لو حلف مسلم بصفة من صفات الرب العظيم الشأن فلا يمنع منه؛ فكذلك الحلف بالمصحف؛ لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وكلامه صفة له تبارك وتعالى.

وإلى هذا ذهب جمهور العلماء كالحسن البصري وأبي عبيد ومالك والشافعي، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا: ليس بيمين ولا تجب فيه الكفارة، وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى-: فمعلوم أن الحلف بصفاته كالحلف به كما لو قال: وعزة الله تعالى؛ فإنه قد ثبت جواز الحلف بهذه الصفات عن النبي، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والصحابة الكرام.

> في رأي فضيلتكم ما المحاذير التي يجب أن يعلمها الناخبون والمرشحون لمجلس الأمة حتى لا يقعوا فيها؟ وما حكمها الشرعي؟

< ما يجب الحذر منه ونحن على أعتاب انتخابات مجلس الأمة هو ما ينتشر في مجالس المرشحين ومقراتهم وديوانياتهم، من الغيبة والشائعات والافتراءات وكشف عورات المسلمين والحلف على كتاب الله بالباطل.

> هل يجوز شرعا أن يلزم المرشح ناخبا أن يحلف على المصحف بأن يعطيه صوته أو نحو ذلك؟

< لا يجوز شرعا أن يلزم المرشح أو غيره ناخبا أن يحلف على المصحف بأن يعطيه صوته؛ وذلك لمفاسد عديدة وأضرار كبيرة، منها أن هذا الإلزام ليس بلازم، بل هو بدعة في الدين أن يأمر المرشح أو غيره الناخب ويضطره إلى القسم على القرآن أن يعطيه صوته، ولاشك أن هذا من محدثات الأمور في الإسلام، وقال النبي[: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه البخاري.

وعلى هذا فإن الإنسان الذي يأمر الناس بالحلف على المصحف إنسان لا يكترث لأوامر الله تعالى ولا يقيم وزنا لأحكام الله - جل وعلا - بل مراده الأكبر وشغله الذي أهمه هو الوصول إلى المنصب.

والأكبر إثما من الذي يأمر الناخبين بالحلف على المصحف هو من يعطي مالا للذي استحلفه حتى يضمن صوته، وسبحان الله ما أرق دين وأشين خلق من تكون هذه بضاعته وبئس ما صنع؛ فإن الله عز وجل لا يبارك في عمل المفسدين.

> هل يجوز الوصول إلى المناصب بهذه الطريقة؟

< إن هذا المنصب إنما هو نوع من أنواع الولايات، والولايات لا يجوز أن يصل إليها من لا يستحقها بطرق غير مشروعة؛ لأن من أخذها بحقها أعانه الله على ما ولاه من مسؤولية، ومن أخذها بغير حق وكله الله عز وجل لنفسه، وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فعن عبدالرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله[: «لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأئْتِ الذي هو خير وكفر عن يمينك» رواه البخاري.

 > ينتشر بين بعض المرشحين عملية تعرف بتبادل الأصوات من مرشح إلى آخر والعكس، فما حكمها؟

< لا يجوز أيضا الاتفاق على تبادل الأصوات؛ لأنه ربما يكون من حرص على تبادل الأصوات لم تكتمل الشروط المراد توافرها فيمن يوضع في مثل هذا المنصب؛ لأن النبي[ قال: «المسلمون عند شروطهم فيما أُحِلّ» أخرجه الطبراني.

وعلى هذا فإن الشروط والعهود التي يجب على المسلم أن يلتزم بها هي ما أحله الله، أما ما حرمه الله عز وجل فلا يجوز اشتراطه، وجاء في ذلك أيضا قول رسول الله[: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» رواه النسائي.

ومما لاشك فيه أن اشتراط تبادل الأصوات شرط يحل باطلا فلا يجوز؛ حيث إنه يعطي الفرصة لمن لا يستحق للوصول إلى المنصب؛ فيكون بذلك فسادا وضررا بالمصلحة العامة لدولتنا الحبيبة.

> فضيلة الشيخ حاي الحاي، بماذا تود أن تختتم نصحك للناخبين والمرشحين لمجلس الأمة؟

< ختاماً ننصح إخواننا المرشحين بأن يتقوا الله ويتحروا الصدق في طرح برامجهم الانتخابية، وننصح كذلك إخواننا الناخبين بأن يتقوا الله فيمن يعطونهم أصواتهم؛ لأنها أمانة سيسأل عنها كل فرد أمام الله جل وعلا، وليضع نصب عينيه حديث النبي[ الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما النبي[ في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله[ يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه[ قال: «أين أراه السائل عن الساعة؟» قال: هأنا يا رسول الله، قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال[: «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخاري.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك