رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 27 يوليو، 2010 0 تعليق

أحاديث باطلة تروج باسم الدين عبر بيانات صحفية

 

 

الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى، ونَكَتَ في قلوب أهل الطغيان فلا تعي الحكمة أبداً، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد أكرم الناس أصلاً ومَحتِداً، وأبهرهم صدراً ومورداً، وعلى آله وصحبه غيوث النِّدا وليوث العِدا، وعلى من بهديهم وطريقتهم اقتدى، أما بعد:

     فقد طالعتنا صحيفة (الوطن) الكويتية وغيرها  بتاريخ 13/7/2010م  ببيان صدر من محمد باقر المهري الملقب بـ «وكيل المراجع العظام» وعلى الرغم من وجازة هذا البيان وقلة عدد  سطوره فإنه قد احتوى من المغالطات والتدليسات والترويج للأحاديث الباطلة والموضوعة  شيئاً يفوق نكارةً عدد تلك السطور، ولا شك أن الواجب على المرء أن يخشى الوقوع في الإثم العظيم الثابت في قوله [ : «من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار»؛ فإن الذي يصف النبي [ بما لم يثبت عنه فهو كاذبٌ عليه وواقعٌ في المحذور إلاّ أن يتوب؛ لأن مدحه [ ليس مسوِّغاً للكذب عليه.

1 – حديث «الأفلاك» والجرأة على حق الله:

     ذكر المهري حديث «يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك» وقد خرَّجه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة «1/450 برقم: 282» ذاكراً بعض من حكم عليه بالوضع والضعف كـابن الجوزي والشوكاني والصغاني.

     ومخالفة هذا الحديث المكذوب للحكمة من الخلق - والتي نص الله سبحانه عليها - في محكم قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} واضحة، كما أن الآية واضحة في دلالتها على الحصر، فأي حكمة تخالف هذا الحصر فإنها لا تقبل إلا بنص صحيح صريح. انظر: (التوسل) للألباني.

      وأحب أن أضيف وجهاً من أوجه منافاة هذا «الكذب المكشوف» للشرع والعقل - معاً – حيث إن محمداً [ على ما آتاه الله سبحانه من المقامات الرفيعة والفضائل العظيمة إلا أن من أعظمها أنه رسولٌ أرسله الله سبحانه، فإذا كان، هذا هو الواقع، فهل الغايةُ والمقصودُ الأعظم عند كل مُرسِل: «الرسول»،أن «الرسالة» نفسها؟! وأوضِّحُ مقصودي من خلال مَثلٍ ضربه النبي [ على نفسه بقوله: «مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وأجملها وترك فيها موضع لبِنَةٍ لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة!»فيقال هنا نسأل أيضاً: هل اللَّبِنة هي الغاية لدى صاحب الدار ؟ أم غايته هي الدار؟ أدع الجواب لذوي العقول.

2 - الجرأة على رسول الله [ :

إن لحديث الأفلاك هذا تكملةً - في غير مصادر أهل السنة - تؤكد بطلانه وتهافته، وتبين مقدار جرأة البعض على مقام رسول الله [ هذا نصها: «لولاك ما خلقت الأفلاك ولولا علي ماخلقتك!! ولولا فاطمة ما خلقتكما!!» فتأمل هذا التفضيل المبطن على رسول الله [ ، فمحصلة هذا الهراء: أن الأفلاك ومحمد [ لم يخلقوا إلا لأجل علي ] ! وأن الأفلاك ومحمد وعلي لم يخلقوا إلا لأجل فاطمة رضي الله عنها! فأي كرامة بقيت لرسول الله [ وهم يتجرؤون عليه مثل هذه الجرأة؟! مما يؤكد أن الأساس الذي وُضعت لأجله مثل هذه الأحاديث هو الغلو.

3 - المهري والأمانة العلمية!!:

     سأذكر في هذه الفقرة مثالين فقط يوضحان حال الأمانة العلمية لدى المهري أولهما: أنه ذكر – كما يقول - بعضَ «من أقر بصحة حديث الأفلاك» من أهل السنة، وعدّ من ضمنهم «القندوزي في كتابه ينابيع المودة» مع أن هذا القندوزي ليس من أهل السنة وكتابه لا يعدّ ضمن مؤلفات أهل السنة؛ بل قد ذكره آغا بزرك طهراني ضمن مصنفات الشيعة في كتابه «الذريعة إلى تصانيف الشيعة 25/290».

     أما المثال الآخر - مما يبين حال الأمانة العلمية لدى المهري - : ادّعاؤه أن ممن «أقر بصحة الحديث.. العلامة ابن كثير في تفسيره» ومثل هذا التقوُّل على الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يجعل أمانة المهري في قفص الاتهام إلا أن يأتي بصورة للموضع الذي صحح فيه الحافظ ابن كثير هذا الحديث, ولن يأتي به.

4 - حديث يرى في الظلام:

أما حديث أن النبي [ يرى في الظلام فهو موضوع، وفي إسناده المعلى بن هلال وقد اتفق النُّقادُ على تكذيبه، وقد ضَعَّف الحديث عدد من العلماء كالبيهقي في (دلائل النبوة)، وابن بشكوال، والألباني.

     ثم هو منافٍ لأحاديث أخرى تبين أن الصحابة رضي الله عنهم ما عرفوا مثل هذا الغلو ولا خطر في بالهم، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري (1247) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «مات إنسان كان رسول الله [ يعوده ، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه فقال: «ما منعكم أن تعلموني؟» قالوا: «كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة، أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه».

     فتأمل كيف أن الصحابة رضي الله عنهم عللوا المشقة بالظُّلمة؛ مما يُشعر بأن هذا الغلو لم يعرفه الصحابة، وإنما عرفه الوضّاعون والمجاهيل الذين يروون المناكير، وتبعهم عليه الغلاة من الصوفية وغيرهم .

5 - حديث أن النبي [ لا ظل له:

     ذكر المهري وغيره حديثا مفاده أن النبي [ لا ظِلَّ له، وقد عَلَّلَ بعضُهم ذلك بأن جسده كان يضيء نوراً، وهذا حديث لم يُذكر له إسنادٌ يُعتمد عليه، ويقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله في (القول المفيد: 1/68): «ومن قال: إن الرسول [ ليس له ظل! أو إن نوره يطفئ ظله إذا مشى في الشمس! فكله كذب باطل؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أمدُّ رجلي بين يديه» وتعتذر بأن البيوت ليست فيها مصابيح ، فلو كان النبي [ له نور، لم تعتذر رضي الله عنها، ولكنه الغلو الذي أفسد الدين والدنيا، والعياذ بالله»، ويقول في تفسيره لآخر سورة الكهف: «ولو كان الرسول [ ليس له ظِلٌّ، لنُقِل هذا نقلاً متواتراً؛ لأنه من آيات الله».

     قلت: وينافي هذا الغلو أيضاً حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المذكور في النقطة السابقة حيث ربط الصحابة بين الظلمة و خوف المشقة على النبي [ ، فليُنظر.

هذا والله أعلى وأعلم، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك