رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 26 يوليو، 2010 0 تعليق

أجهزة الاستخبارات الغربية تدعم حركات التمرد لتأجيج الصراعات-الصــــــراعات الدامـــــــــــية تحاصــــر العالــم الإســـلامي-

 

     لا يفاجأ أي متتبع لأي نشرة أنباء في أي قناة فضائية أو أرضية حين يرى اقتصار الصراعات المسلحة والمذابح الدامية والمعارك المروعة على بلدان إسلامية وعربية؛ فالأنباء الواردة تبدأ بالعراق غالبًا ثم فلسطين ثم تنتقل للسودان والصومال وتشاد ثم تتجه أقصى شرق العالم الإسلامي في أفغانستان وباكستان، وطبعًا الضحايا بالآلاف وأغلبهم مسلمون كأن الدماء والحروب والصراعات المسلحة أصبحت قدرًا يخصهم وحدهم، وكأن دماءهم صارت السلعة الأرخص.

وحين ندقق في أسباب تلك المآسي نجد أنَّ هناك إجماعًا على وجود أدوار دولية لقوى غربية ودولية لا ترغب في استقرار المنطقة ولا أمنها، بل تستغل هذه الصراعات لتنفيذ أجندة مشبوهة تسمح لهذه القوى بالسطو على ثروات هذه المنطقة والاستيلاء عليها.

ولو نظرنا إلى آخر النزاعات المسلحة بين دولتين إسلاميتين فسنجد الصراع المشتعل دائمًا بين السودان وتشاد منذ أمد طويل رغم توقيع البلدين لعدد من الاتفاقيات بدأت في ليبيا، مرورًا بالوساطة السعودية، وتوقيع البلدين اتفاقًا لتطبيع العلاقات خلال قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي استضافتها السنغال منذ ما يقرب من عام، وأخيرًا وليس آخرًا الاتفاق الموقع بين البلدين من خلال الوساطة القطرية.

ولعل الأمر الغريب في هذا الموضوع أن البلدين ما يلبثان فور توقيع اتفاق التهدئة الدخول في صراع مسلح قد يصل لتهديد العاصمتين إنجامينا أو الخرطوم؛ حيث يحرك كل طرف فصائل التمرد الموالية له لقض مضاجع النظام الآخر وإضعاف مواقفه أمام المعارضين له أو المتمردين على سلطته على حد سواء.

 

دور سلبي

ولا يستطيع أحد تجاهل الدور السلبي الذي أدته تشاد في إذكاء الصراع في دارفور عبر الامتداد الطبيعي لقبائل الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس ديبي، ودعم إنجامينا لحركات التمرد في دارفور، ومن بينها حركة العدل والمساواة وجناح عبد الواحد أحمد نور من جيش تحرير السودان.

فالدعم الذي قدمته تشاد لتمرد خليل إبراهيم في أم درمان كان من أهم أسباب تفكير هذه الحركة في القيام بعملية نوعية، سعيًا للوصول للخرطوم والسيطرة على السلطة.

ولا تكتفي تشاد بهذا الدور السلبي، بل إنها وعبر عملها بوصفها وكيلاً دائماً لعدد من القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية الراغبتين بقوة في السيطرة على ثروات دارفور من نفط ومعادن ويورانيوم، تعمل دون كلل على عرقلة أي مفاوضات لتسوية الصراع في دارفور.

ومن البديهي الإشارة إلى أن موقف القوى الكبرى وفي طليعتها واشنطن وباريس ولندن، يعد لاعبًا أساسيًا في إشعال الصراع الدامي ليس في دارفور فقط، بل كانت لهم إسهاماتهم الكبيرة في إشعال الصراع في الجنوب، وتتحرك أيديهم بقوة لإشعال مواجهات دامية في مناطق الجنوب والشرق السوداني للتآمر على وحدة هذا البلد واستقراره، دون أن نجد من يردعها من قوى عربية أو إسلامية.

ومن السودان ننتقل إلى الصومال، فلقد لاحت فرصة للاستقرار في هذا البلد الممزق بفعل الحروب والصراعات المسلحة منذ سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991م وما تلاه من غياب سلطة الدولة، وقد تنفس الصوماليون الصعداء بعد انتخاب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيسًا انتقاليًا للبلاد، وشعروا بإمكانية استعادة نعمة الأمن والاستقرار المفقودة منذ سنوات، ولاسيما أن الشيخ شريف كان أحد زعماء المحاكم الإسلامية التي استطاعت السيطرة على معظم أنحاء البلاد ورفضت نهائيًا ما يطلق عليه لوردات الحرب.

غير أن الأحداث الأخيرة وإعلان قيادة المحاكم الإسلامية جناح أسمرة التمرد مدعومة بما يطلق عليهم شباب المجاهدين والحزب الإسلامي، أعادت الأوضاع إلى مربعها الأول، مدعومين من جهات إقليمية ودولية وعلى رأسها إريتريا وقوى أخرى لقض مضاجع النظام الموالي لحكام إثيوبيا بحسب مزاعهم، وهو ما يدخل مع رغبات دولية في استمرار الأوضاع الحالية في الصومال؛ سعيًا للسيطرة على هذا البلد الاستراتيجي ومنع شعبه من اختيار نظام حكم يتوافق مع هويته العربية والإسلامية.

وليس بعيدًا عن الصومال ما يحدث في اليمن حاليًا من بواكير صراع سياسي قد يتطور ليأخذ طابع العمليات المسلحة من جهات في جنوب البلاد تتبنى خيارات انفصال وقضم أوصال الوحدة اليمنية، وتقسيم البلاد إلى شطرين: جنوبي وشمالي، والعودة إلى ما قبل عام 1991م، بل تعيد الذاكرة للمواجهة العسكرية التي اندلعت عام 1994م وانتهت بتوثيق عربي للوحدة اليمنية قبل أن يضرب الجنوب اليمني اضطرابات سياسية واجتماعية تطالب بانفصال الجنوب وإنهاء سنوات التهميش والتمييز بحسب مزاعم جهات معروفة بصلاتها بأجهزة استخبارات غربية لها أجندتها الدائرة في فلك سعي القوى الاستعمارية السابقة الراغبة في إعادة تقسيم المنطقة، وتكريس استراتيجية تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ سعيًا للسيطرة على الثروات العربية والإسلامية، وإخضاع مناطق إستراتيجية وممرات مياه عالمية للسيطرة عبر الاستعانة بعملاء أجهزة المخابرات الدولية وإعانتهم على ظهور الدبابات وحكم بلادهم وفق الأجندات الغربية.

وإذا انتقلنا للأوضاع في أفغانستان وباكستان فالأمر لا يبدو أفضل حالاً؛ فقد سعت واشنطن لإثارة الاضطرابات في باكستان أدىّ تحريضها على القوى الإسلامية في باكستان دورًا في إجبار حكومة زرداري على الدخول في صراع مسلح مع حركة تطبيق الشريعة المحمدية، واشتعلت تطورات بعينها لشن حملة عسكرية على وادي سوات، ووضع اتفاق تطبيق الشريعة الإسلامية الذي أقره البرلمان في حكم المنتهي، وفتح الباب لنزاع دام قد لا تستطيع الدولة الباكستانية حسمه، بل قد يفتح الباب أمام عمليات انتحارية من قبل حركة طالبان باكستان ضد الجيش بشكل يهدد استقرار ووحدة باكستان حيره ترددت أنباء عن تقارير استخباراتية تشير لتهديدات حقيقة لوحدتها نتيجة تنامي الصراعات المسلحة بين أرجائها.

 

ضغوط مكثفة

وقد مارست واشنطن ضغوطًا على حكومة زرداري لمواصلة عملياتها العسكرية ضد حركة طالبان تحت ذريعة حماية القنبلة النووية من أيدي جهات "متطرفة"، رغم أن وضع السلطة في باكستان يمنع حدوث مثل هذا السيناريو، بل أن بعضهم يطرح «سيناريو» يشير إلى إلى أن واشنطن تدعم خيارات قد تعصف بوحدة باكستان وتدعم تقسيمها بشرط الحفاظ على الترسانة النووية، وهو «سيناريو» حذرت منه أجهزة استخبارات باكستانية وإقليمية ودولية، فضلاً عن سعي واشنطن لإشعال الفتنة في باكستان بين الدولة والإسلاميين بهدف الحفاظ على أمن قواتها في أفغانستان وتأمين المناطق الحدودية ومعها إمدادات هذه القوات، مهما كلف ذلك باكستان من أمنها واستقرارها والانسجام بين مؤسسات الدولة فيها والشعب.

وتتكرر المأساة نفسها في أفغانستان؛ حيث يراق الدم الأفغاني يوميًا، والمعارك والمواجهات المسلحة لا تنتهي، سواء من قبل حركة طالبان التي تواجه ضربات قاصمة لقوات نظام كرازي أو للقوات الأمريكية والمتحالفة معها، أم نتيجة القصف العشوائي للقوات الأمريكية للمدنيين الذي خلف ما يقرب من ثلاثة آلاف قتيل خلال الأشهر الماضية، وكأنه كتب على الشعب الأفغاني أن يواجه المآسي منذ منتصف السبعينيات، وانقلاب محمد داود على الملك ظاهر شاه وما تلاه من وصول الشيوعيين للسلطة والاحتلال السوفييتي لأفغانستان.

وبعد هذا الاستعراض لمجمل الصراعات والحروب المسلحة التي تعانيها الدول الإسلامية جدير بنا أن نذكر أن هذه الصراعات كانت لها تداعيات مدمرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، بحيث أبقت شعوبها أسيرة الفقر والمرض، وتعثرت جميع المشاريع التنموية، وأصيبت المؤسسات التعليمية والصحية والبنى الأساسية بانفجار تام داخل هذه البلدان.

ولا يخفى على أحد سعي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للسطو على مقدرات المنطقة من نفط وغاز وطرق استراتيجية وثروات ومواد خام شديدة الأهمية، قد أسالت لعاب أجهزتها والشركات المتعددة للجنسيات لإشعال الصراعات المسلحة في الدول الإسلامية؛ لتسهل لهم السيطرة على هذه الثروات أو حتى الحصول عليها بأسعار بخسة.

وينبغي علينا هنا ألا نتجاهل رغبة واشنطن في حماية ربيبتها «إسرائيل»؛ حيث لا تجد بدًا من إشعال صراعات في العراق وفلسطين وعديد من الدول العربية والإسلامية لإبقائها أسيرة الفقر والتخلف وضمان تفوق الدولة العبرية كمًا ونوعًا.

ومن هنا فإن استمرار هذه الأوضاع ينذر بعواقب وخيمة العالم الإسلامي؛ فبقاء الدول العربية والإسلامية أسيرة سياسات رد الفعل يغري الغرب باستمرار مؤامراته ضد العالم الإسلامي، ولاسيما أن العداء للإسلام والسعي لعدم أدائه دورًا أساسيًا في حياة الأمة يقف على رأس الأسباب التي تدعو الغرب وأجهزة استخباراته لتأجيج الصراعات في العالم الإسلامي.

ولا يفوتنا هنا التأكيد على أن التحديات التي تواجه الدول الإسلامية تفرض واجبًا على القوى الكبرى، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية لاستخدام نفوذها لدى الدول العربية والإسلامية؛ للحد من مؤامراتها وتبني سياسات موضوعية تجاه الصراعات في المنطقة، وعدم استمرار هذه القوى في التودد للقوى المتمردة ودعمها بالمال والسلاح، رغبة في رسم خريطة جديدة للمنطقة، والإشارة إلى أن مثل هذه السياسات الغربية تضر بمصالحهم ومصالحنا في آن واحد.

 

عراقيل وفيتو

وقد حاولت الرياض والقاهرة - كما نعلم - التدخل لتسوية عدد من النزاعات في السودان والصومال وتشاد وفلسطين، غير أن جهودهما لا تصل إلى النجاح لوجود عقبات كثيرة تمول دون تحقيق النتائج المرجوة.

ويعود اندلاع هذه الحروب في دول المنطقة إلى حزمة من الأسباب أولها المطامع الأجنبية في الدول الإسلامية، ورغبتها في الهيمنة التامة على مقدرات هذه الشعوب، وإخضاع قراراتها السياسية لإدارة الغرب، فإذا واجه الغرب تحفظًا من الأنظمة العربية والإسلامية فالأوراق لديه عديدة والعملاء على الطرقات يتمنون المشاركة في تنفيذ الأجندة الغربية مقابل منح ومزايا قد تصل إلى الوصول لسدة الحكم.

انسداد أفق

ويستغل الغرب كذلك انسداد الأفق السياسي وغياب التداول السلمي للسلطة ومشكلات الفقر والتهميش السياسي التي تعانيها قطاعات عريضة من الشعوب في أغلب مناطق العالم الإسلامي.

 

إرادة سياسية

ويدعم هذا التفسير الدكتور وجيه عفيفي سلامة الخبير الاستراتيجي؛ حيث يرى أن القاهرة والرياض قد حاولتا كثيرًا التدخل لحل عديد من المعضلات التي تحقن الدماء العربية والإسلامية؛ فقد دعمت القاهرة والرياض المصالحة الفلسطينية، وسعت للتوصل لحل الأزمة في دارفور، وتطبيع العلاقات بين السودان وتشاد، وإعادة الاستقرار للصومال، غير أن القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية عرقلت هذا الدور؛ لضمان هيمنتها على المنطقة.

وأضاف: لقد رعت السعودية اتفاقا للتطبيع بين السودان وتشاد، وما إن غادر الرئيسان البشير وديبي الأراضي السعودية حتى استؤنف الصراع من جديد؛ مما يشير لوجود أيادٍ خارجية وراء اندلاع هذه الصراعات؛ لافتًا إلى أن الغرب ليس بعيدًا عما يحدث في اليمن وباكستان وأفغانستان والعراق واستمرار الشقاق في فلسطين خدمة لمصالحة.

وأكد عفيفي أن منع التدخل الغربي في شؤون العالم الإسلامي يتطلب وجود إرادة سياسية لدى القادة العرب والمسلمين عبر توجيه خطاب قوي للدول الغربية؛ للكف عن التدخل في شئون المنطقة الداخلية، ومعها عدم دعم المعارضة والمتمردين في هذه البلدان، وكذلك السعي لإيجاد علاقة صحية بين الحكومات والمعارضة في العالم الإسلامي، والتوصل إلى مصالحة عامة داخل الدول الدائر بها نزعات؛ سعيًا لغل يد الغرب عن التدخلات وإذكاء الصراعات المسلحة.

 

موقع وثروات

وفي الإطار نفسه يرى السفير سيد قاسم أن الموقع الاستراتيجي والثروات الضخمة وممرات المياه الاستراتيجية قد أسالت لعاب القوى الغربية للتدخل في شؤونه وإخضاعه لهيمنة هذه القوى، وهو وضع مرشح للاستمرار خلال السنوات القادمة ما لم يحدث نوع من التكاتف بين هذه الدول والتصدي بخطاب موحد وواضح للمؤامرات التي تشن على العالم الإسلامي.

وحذر السفير قاسم من أن هناك ثلاث دول إسلامية على الأقل تتعرض وحدتها للخطر، وعلى رأسها السودان واليمن وباكستان، إذا استمرت الأوضاع داخلها على حالها، وهي بلاد شديدة الأهمية من الناحية الإستراتيجية بشكل يحتم تدخل دول كبرى مثل مصر والسعودية، واستخدام ثقلها لحل الخلافات والصراعات داخل هذه الدول، بدلاً من مواجهة عواقب وخيمة في المستقبل.

ويعتبر قاسم أن تسوية الصراعات الداخلية بشكل سلمي، والتوصل لمصالحات وطنية شاملة، وإصلاح العلاقة بين الأنظمة وشعوبها هي السبيل الأهم لوقف أنهار الدماء التي تسيل في جنبات العالم الإسلامي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك