رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

أبناؤنا والقرآن

   

إن الأبناء والبنات زينة الحياة الدنيا، وقد قال -تعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف:46)، ولا يكونون زينة وجمالًا ما لم يكونوا صالحين أخيارًا؛ وصلاح الأبناء لن يكون إلا ببذل الجهد الكبير للاعتناء بهم، وتربيتهم، وحسن توجيههم ورعايتهم، فنسعد بهم في دنيانا وأخرانا، فيكونون ذخرًا لنا عند الله، وصدقة جارية لا ينقطع ثوابها ما بقي أثرها، قال ابن قيم الجوزية: «وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته! ففاته انتفاعه بولده، وفوّت عليه حظه في الدنيا والآخرة».

 

التربية على نهج القرآن

     ولا طريق للتقى والصلاح والبر إلا بتربية هؤلاء الأبناء والبنات على نهج القرآن، ونشأتهم حتى يكونوا من أهل القرآن، قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عَلَّم آيةً من كتاب الله -عز وجل- كان له ثوابها ما تليت»، وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا, أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «من تعلم القرآن الكريم عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته».

أهمية تعليم الصغير القرآن

     وإن من أعظم ما يجب صرف الهمم إليه في تربية الأبناء: تعليمهم كتاب الله -تعالى-؛ لذلك ينبغي لولي الصغير أن يوجهه إلى تعلم كتاب الله -تعالى- منذ صغره؛ لأنه به يتعلم توحيد ربه، ويأنس بكلامه، ويسري أثره في قلبه وجوارحه، وينشأ نشأةً صالحة على هذا، قال الحافظ السيوطي -رحمه الله-: «تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال».

شعار من شعائر الدين

     وقال ابن خلدون: «تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي بني عليه ما يحصل بعد من الملكات»، قال -تعالى-: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا} (المزمل:4)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

متى نبدأ مع الطفل حفظ القرآن؟

     يقول خبراء التربية: أول ما ترى الطفل يردد الكلام بسهولة ويسر، فإنه يستطيع أن يحفظ القرآن، وهذا يختلف من طفل لآخر، فربما تجد طفلًا يميز الأمر من سن ثلاث سنوات، وغيره أربع أو خمس وهكذا، وهذا ما يسميه خبراء التربية بالفروق الفردية، وربما لا يعقل الطفل معنى الحفظ المنتظم الدائم إلا بعد سن السادسة أو السابعة على الأكثر، وهذا ما يسميه الفقهاء بسن التمييز، وهو العمر الذي يدرك فيه الولد، من ذكر أو أنثى، ما يصلح له من الأمور فيستغني عنده عن رعاية الوالدين في أداء الأشياء العادية، من ملبس ومأكل ونحو ذلك. ولا ينبغي أن نتفاجأ بما نراه أحيانًا أن بعض الأطفال حفظ القرآن كاملًا وهو ابن سبع سنين، فهذا وإن كان آية من آيات الله، وموهبة تستحق التقدير والتكريم، إلا أنها فلتات وليس قاعدة يقاس عليها.

كيف نحفظ أبناءنا القرآن؟

ينبغي مراعاة الآتي عند تحفيظ أبنائنا القرآن الكريم: 1- حب القرآن فابنك لا يحفظ ليرضيك أو لئلا يغضبك أو ليفلت من اللوم والعقاب، نريد أن نغرس في أبنائنا حب القرآن، وأنه عندما يحفظ القرآن فإن الله يحبه ويقربه، ويكون موفقًا في حياته، ونكلم الطفل عن ثواب تلاوة القرآن، وكذلك عن جزائه في الجنة كما في الحديث: «يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، فإذا كبر الطفل وتبوَّأ مكانةً دنيوية فإنه سيجعل القرآن له دستورًا ومنهاجًا، بعد أن ترسَّخ حبه في نفسه منذ الصِّغَر. 2- القدوة الصالحة إن القدوة من أفضل الوسائل في تربية الأولاد وأعظمها أثرًا؛ وذلك لأن الولد ينظر إلى والديه على أنهما مثلٌ أعلى له، فهو يحاكي فعلهما، ويقلد سلوكهما، فالابن حين يجد من أبويه القدوة الصالحة في كل شيء فإنه يتشرب مبادئ الخير، ويتربى على الفضيلة والأخلاق الطيبة، وحب القراءة والحفظ واستغلال الأوقات والفراغ، والعكس فإنه حين يجد من أبويه القدوة السيئة من تضييع للأوقات ولا مبالاة، فإنه ينهج طريق الضياع واللهو واللعب.

وينشأ ناشئ الفــتيان مــنا              على ما كان عوَّده أبــوه

وما دان الفتى بحجًا ولكن           يعـــوّده التــــــــدين أقــــربوه

 

 

3- الحفظ على يد معلم لابد من معلم للقرآن لصحة نطق الآيات؛ ومن ثم تسهيل الحفظ، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} (النمل:6)، أو الحفظ المنتظم مع أحد الوالدين إذا كانا بإمكانهما ذلك، أو الانتظام مع مدرسة لتحفيظ القرآن، وعلى المعلم قبل بدء تحفيظ الطفل أن ينشئ علاقة بينه وبين الطفل تُبنى على المحبة؛ بحيث يحب الطفل معلمه، ومن ثم يستطيع أن يستقبل الطفل من معلمه القرآن، ومن الممكن إعطاء المعلم شيئًا من الهدايا لإهدائها للطفل تشجيعًا له. كما ينبغي ألا يكون الحفظ مبنيًا على الخوف والقهر، فإذا لم يستجب الطفل للمعلم ولم يتمكن من الحفظ فلا بد من اللين والرفق معه، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه»، فالقرآن والعصا لا يجتمعان، فالعقاب البدني ليس واردًا في العلاقة بين المعلم والطفل، وإنما تكفي نظرة من عين المعلم تُشعر الطفل بغضب المعلم منه. 4- تيسير الحفظ على الأولاد وينبغي أن نهيئ الجو للحفظ بتخصيص مكان خاص للحفظ، ووقت محدد للحفظ، وانتظام يومي للحفظ، وإن كان الوقت قليلًا، فقليل دائم خير من كثير منقطع، كما يجب أن يستشعر الولد السكينة والهدوء وقت الحفظ، ويعطى الطفل مصحفًا خاصا به يحفظ منه، ويوضع في مكان محدد، ويكون ملكًا له ليعلم قيمته وأهميته. 5- عرض القرآن على سمع الطفل لماذا نجد الطفل يكرر كلمات الأناشيد والإعلانات بسهولة؟ لأن كثرة عرضها وسماعها أدى إلى حفظها لا شعوريا من الطفل، فمن باب أولى عرض القرآن على الطفل من خلال تشغيل سور جزء عم في السيارة مثلًا، وفي غرفة الطفل في أثناء لعبه، وأيضًا قبل النوم، وستلاحظ أن الطفل سيردد بعض الآيات التي لم يحفظها بعد من كثرة سماعه لها. 6- التشجيع التشجيع بالكلام؛ مثل أن تدعو له بعد فراغه من التسميع: بارك الله فيك، حفظك جيد، أنت ممتاز، وكذلك تقبيله واحتضانه وإظهار فرحك بما أنجز، ولا سيما عند إتمامه لحفظ سورة، وكذلك إخبار الأهل بأن فلانا حفظ سورة كذا وكذا، فيلقى كلمات التشجيع التي تحفزه على المزيد من الحفظ والتقدم، ومن التشجيع عمل حفلة صغيرة، كيك وحلوى مثلًا، يحتفل بها بالطفل، وتقدم له هدية بسيطة؛ لأنه حفظ جزءًا كاملًا، فهذه الفكرة تحفز الطفل وتشجع غيره، ومن التشجيع إذا كان الطفل يحسن الصلاة جيدًا أن يصلي بك إمامًا في البيت، ويقرأ بما يحفظ من سور القرآن، ومن التشجيع إقامة المسابقات التنافسية في الحفظ والتلاوة، وتوزيع الجوائز على المتفوقين لزيادة التنافس بين الأبناء. 7- أن نَقُص له قصص القرآن الكريم فالطفل يحب القصص حبا كبيرا، فنقص عليه قصص القرآن بمفردات وأسلوب يتناسب مع فهم الطفل ومدركاته، مثل قصة أصحاب الفيل، وقصة غلام الأخدود. 8- سجل صوته وهو يقرأ القرآن فهذا التسجيل يحثه ويشجعه على متابعة طريقه في الحفظ، بل حتى إذا ما نسي شيئًا من الآيات أو السور فإن سماعه لصوته يشعره أنه قادر على حفظها مرة أخرى، أضف إلى ذلك أنك تستطيع إدراك مستوى الطفل، ومدى تطور قراءته وتلاوته. 9- التكرار في مراجعة القرآن وهذا هو الأسلوب الأمثل في تذكر القرآن وعدم نسيانه سريعًا؛ لأن التكرار يثبت الآيات في الذاكرة، وهناك أطفال يحفظون بسرعة دون تكرار؛ لكنهم بعد فترة قصيرة ينسون، فالتكرار ينقل الآيات من الذاكرة المؤقتة إلى الذاكرة المستديمة. 10- الدعاء والاستعانة بالله فعلى كل أب وأم يحفظون أولادهم أن يدركوا أنهم يقومون بعمل عظيم، له قيمته عند الله -سبحانه وتعالى-، فنلازم الدعاء: اللهم أصلح لي في ذريتي، ونستعين بالله في صلاح ذرياتنا، وندعوه -سبحانه- أن يصلحهم وأن يحفظهم بحفظه، وهذا الأمر سنة من سنن الأنبياء، فمن دعاء الخليل إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} (إبراهيم:40)، وهذا زكريا دعا ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (آل عمران:38)، ومن دعاء عباد الرحمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان:74).  

ما يجب على المربي مراعاته

  • على المربي أن يراعي مراحل عمر الصغير، وأن يراعي ميوله، وقدراته على الفهم والأخذ بما يلقى عليه، فليس كل طفل يعامل كالآخرين.
  • على المربي أن يعلم أن فطرة الصغير سليمة، وأن ما يلحقها من كدر مرده إلى مؤثرات خارجية، وأن المربي يتحمل الجزء الأكبر من ذلك.
  • عليه أن يعلم أن الأخلاق تقبل التغيير، من حسن إلى سيء، ومن سيء إلى حسن؛ لذلك كان واجب المربي عظيمًا في متابعة الصغير، وفي ملاحظة خلقه وسلوكه، فما كان حسنًا سعى في تثبيته، وما كان سيئًا سعى في تقويمه وإصلاحه.
  • عليه أن يوطِّن نفسه على الصبر؛ فإن مرحلة الطفولة طويلة، والواجب الملقى عليه كبير، والتربية رسـالة شريفة، مهمته فيها: بذر الحسن، وتقويم المعوج، وقلع القبيح، وصيانة العود، وحماية الموجود، والنتائج بيد الله -سبحانه.
  • الصغير يملك قدرات عقلية عظيمة؛ كالذكاء، وسرعة التذكر، والاستيعاب لما يلقى عليه، وهذه القدرات بحاجة إلى إظهار وتنمية، وإلا اضمحلت، أو انحرفت، وهذا يلقي على المربي مسؤولية كبيرة أبًا كان أو غيره.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك