رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 1 أغسطس، 2010 0 تعليق

آداب الســــــفر

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إخواني وأخواتي، لقد شرع ربنا سبحانه وتعالى آدابا للسفر، يحسن بكل مسلم ومسلمة التأدب بها أثناء السفر؛ لما فيها من الأجر والخير العظيم الذي ينشده كل مسلم يريد رضا ربه سبحانه وتعالى.

وقد قسم العلماء السفر إلى ثلاثة أنواع: سفر مذموم، وسفر محمود، وسفر مباح.

 

فأما السفر المذموم: فهو السفر إلى معصية الله، فيشد المسافر رحاله إلى بلاد يعصي فيها الرب عز وجل، فهذا السفر محرم لا يجوز، وعواقبه في الدنيا والآخرة وخيمة لا يعلمها إلا الله.

وأما السفر المحمود: فمنه السفر للحج والعمرة، ومنه السفر لزيارة المساجد الثلاثة «المسجد الحرام – المسجد النبوي – المسجد الأقصى»، ومنه السفر لطلب العلم، وزيارة العلماء وأهل الخير.

وأما السفر المباح: فهو السفر في طلب المعاش، والسفر بقصد الاستجمام والترويح عن النفس في حدود ما أباح الله سبحانه.

إخواني وأخواتي، لقد ذكر العلماء للسفر آدابا كثيرة نذكر بعضا منها على سبيل الاختصار:

1 – التوبة من المعاصي والذنوب، ورد المظالم وقضاء الديون الواجبة، وإعداد النفقة لمن تلزمه، ثم أخذ المال الحلال الطيب.

2 – الحرص على طيب الكلام وإطعام الطعام وإظهار مكارم الأخلاق، قال النبي[: «إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال[: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام» رواه الترمذي؛ لأن السفر فيه تعب شديد ومشقة بالغة وضيق نفس، فلابد من التخلق والتحلي بالصبر ومكارم الأخلاق.

3 – الاستخارة، قال رسول الله[: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛  فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ،  وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ – ويسمي حاجته - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَال:َ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي». رواه البخاري.

4 – أن يستأذن الشاب والديه، وتستأذن المرأة زوجها بشرط أن تسافر مع محرم؛ قال[: «لاتسافر المرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه.

5 – أن يطلب الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتذكره إذا نسي؛ قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}، وقال تعالى:  {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، وقال رسول الله[: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي » رواه أبو داود.

6 – ألا يسافر وحده، بل في رفقة ثلاث فأكثر، ويؤمرون عليهم أحدهم؛ قال رسول الله[: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده» رواه البخاري، وقال رسول الله[: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب» رواه أبو داود،  وقال رسول الله[: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود. وذلك لكيلا يقع الخلاف والشقاق بينهم.

7 – أن يقول عند الخروج من بيته دعاء الخروج من المنزل، قال رسول الله[: «من قال حين يخرج من بيته: باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله،  يقال له: هديت وكفيت ووقيت، فيقول شيطان لآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» رواه أبو داود. ثم يقول دعاء السفر المعروف: يكَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ يقول: «سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِى سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَه،ُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِى السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِى الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِى الْمَالِ وَالأَهْلِ». وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». رواه مسلم.

8 – أن يقول ما قاله الرسول[ في السفر، فيكبر الله عند كل مرتفع، ويسبح الله عند كل واد. رواه أبو داود.

9 – السفر يوم الخميس، قال كعب بن مالك -رضي الله عنه -: كان رسول الله[ يحب أن يخرج يوم الخميس. رواه البخاري. وفي رواية قال: قلَّ ما كان رسول الله[ يخرج في سفر إلا يوم الخميس. رواه أحمد.

10 – أن يغتنم السفر في الليل؛ فإن الأرض تطوى بالليل وتقصر المسافة, قال رسول الله[: «عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل». رواه البيهقي.

11 –  أنه إذا أراد الراحة فليجتنب الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل؛ لقوله[: «إذا عرَّستم بالليل فاجتنبوا الطريق؛ فإنها طرق الدواب ومأوي الهوام بالليل» رواه مسلم. والتعريس: هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

12 – أنه إذا نزل منزلا للراحة أو الأكل أو النوم فليقل دعاء المنزل: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق»، قال رسول الله[: «إذا نزل أحدكم منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه». رواه مسلم.

13- أن يصلي النافلة وهو جالس في السيارة أو الطائرة ولو إلى غير القبلة، قال ابن عمر: كان النبي[ يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته. رواه البخاري ومسلم.

14- أن يقصر الصلاة الرباعية ما دام مسافرا مهما طالت المدة، قالت عَائِشَةَ -رضي الله عنها -: «فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِى صَلاَةِ الْحَضَرِ». متفق عليه.

15- أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، متى ما احتاج إلى ذلك، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «كان النبي[ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب». متفق عليه. وفي رواية عن ابن عمر قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ[ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِى السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ».

16- أن يأخذ معه بوصلة أو ساعة لمعرفة اتجاه القبلة؛ حتى يصلي صلاة صحيحة بشروطها التي من أهمها الصلاة تجاه القبلة.

17- أن يحذر من ارتياد أماكن الفساد والمحرمات والملاهي، وما يصاحبها من الفواحش والرذائل، فيحذر المسلم أن يقع فيما يغضب ربه وسخطه، وليعلم أن ربه مطلع عليه تام الاطلاع، وليستح من نظر ربه إليه:

وإذا خلوت بريبة في ظلمـة

             والنفس داعية إلى العصيان

فاستح من نظر الإله وقل لها

            إن الذي خلق الظلام يراني

 

18- أن يجتنب الإسراف في شراء البضائع، ومتابعة أحدث الموديلات، وبذل الأموال الطائلة في ذلك؛ فإن الله لا يحب الإسراف والتبذير، قال سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.

19- أن تلتزم المرأة المسلمة التقية الحجاب الشرعي الذي يغطي الجسم، ويكون واسعا فضفاضا، غير شفاف، ولا يفصّل الجسم، ولا يكون فيه زينة، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَ}.

20 – أن يعجل العودة إذا قضى حاجته من السفر, قال رسول الله[: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل الرجوع إلى أهله». متفق عليه.

21 – أنه إذا رجع إلى أهله فلا يدخل عليهم في غفلة بل يخبرهم قبلها، قال أنس -رضي الله عنه-: «كان النبي[ لا يطرق أهله ليلا، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية». متفق عليه.

22 – أن يحضر لأهل بيته من الهدايا ما يفرح به الأهل والأولاد؛ لأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر،  والقلوب تفرح به.

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفق جميع المسافرين في سفرهم، وأن ييسر لهم أمورهم، وأن يرجعهم إلى أهليهم سالمين غانمين، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك