رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ سعيد بن عماش السعيدي 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

آباء وأبناء في القرآن الكريم

 

 

موسى عليه السلام وأمه

هو موسى بن عمران عليه السلام.

     قال تعالى: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا} (مريم: 51 - 53).

ذكره الله بالرسالة والنبوة والإخلاص والتقريب، وَمنَّ عليه أن جعل أخاه هارون نبيا.

وقد ذكر عليه السلام في مواضع كثيرة من القرآن الكريم تقارب مئة وستين مرة.

- مكانة أم موسى:

     قال تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} (القصص: 7).

     ذكر كثير من أهل التفسير أن هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد وليس بوحي نبوة. وهذا من عناية الله تعالى بأوليائه وحفظه لهم، والآيات في السياق الكريم لا تحتاج إلى إيضاح وبيان، وذكروا كذلك أن الآيات مع قلة عددها حملت أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين، وهذا من إعجاز القرآن الكريم.

     قال تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} (القصص: 10).

     يقول أهل التفسير: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى {إن كادت لتبدي به} أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة، {لولا أن ربطنا على قلبها} أي صبّرناها وثبتناها {لتكون من المؤمنين}.

     قوله تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} (القصص: 13).

- مواقف وعبر:

1 - أودع الله تعالى الحنان في قلب كل أم وجعله جليا فأين المقابل من الأبناء؟! {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} (القصص: 10).

2 - الله تعالى مع أوليائه يربط على قلوبهم في ساعة الشدة {لولا أن ربطنا على قلبها} (القصص: 10).

3 - تصرفات الوالد - الأم أو الأب - نحو ابنه تتعدى الحدود والشعور: {وقالت لأخته قصيه} (القصص: 11).

4 - صلاح الابن يكون سببا في رفع مقام الوالد في الدارين ورفع مكانته في العالمين، قال تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى}.

زكريا عليه الــــــــــــــسلام

     قال تعالى: {كهيعص ، ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياء قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا، ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا، يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا} (مريم: 1 - 7).

     وقال تعالى: {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 89 - 90).

     وقوله تعالى: {إذ نادى ربه نداء خفيا} أي ناجى ربه بذلك في محرابه، دليله قوله تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} (آل عمران: 39)، واختلف في إخفائه هذا النداء، فقيل: أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن، ولأنه أمر دنيوي، فإن أجيب فيه نال بغيته وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد، وقيل مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى. قاله القرطبي رحمه الله تعالى.

     وقوله تعالى: {وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا} (مريم: 5).

{خفت الموالي} معناه: انقطعت بالموت.

{الموالي} هنا الأقارب وبنو العم والعصبة.

     قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: خاف ألا يرثوا ماله، فأشفق أن يرثه غيرهم وقالت طائفة: إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين فطلب وليا يقوم بالدين بعده، فهو لم يسأل من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا تورث، وإنه عليه السلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال.

     قوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليا} سؤال ودعاء، ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة. قال قتادة: جرى له ذلك وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقيل خمس وتسعين، فقد غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره.

     قال تعالى: {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة} (آل عمران: 38)، إن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة ونلاحظ تحرز زكريا عليه السلام فقال: {ذرية طيبة}، {واجعله رب رضيا} (مريم: 6)، والولد ذكرا كان أم أنثى إن كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة وخرج من الفتنة والعداوة.

وقد دعا النبي [ لأنس خادمه فقال: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته».

قوله تعالى: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى}، فيه أمور:

أولاً - إجابة دعائه وهي كرامة له عليه السلام.

ثانياً - إعطاؤه الولد وسماه تعالى بنفسه (يحيى) قال ابن عباس وغيره: لم يسم أحدا قبل يحيى بهذا الاسم.

ثالثاً - أن الله تعالى سماه بنفسه، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره.

قوله تعالى: {وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا} (مريم: 13-14) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: والله ما أدري ما الحنان.

وروي أيضا عنه، الحنان: تعطف الله عز وجل عليه بالرحمة، وقال جمهور المفسرين: الحنان: الشفقة والرحمة والمحبة. ذكره القرطبي.

قوله تعالى: {وزكاة}، الزكاة: التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر، أي جعلناه للناس يهديهم.

{وكان تقيا} أي مطيعا لله تعالى ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يُلمّ بها، قوله تعالى: {وبرا بوالديه} البر بمعنى البار وهو كثير البر.

{جبارا} متكبرا، وهذا وصف ليحيى عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح.

- ومما يستفاد من قصة زكريا عليه السلام:

1 - الخوف على الدين هاجس مهم مقدم عند الصالحين {يرثني ويرث من آل يعقوب} (مريم: 6).

2 - اللجوء والاعتماد على الله في كل الحالات الإنسانية التي يمر بها الإنسان في المنشط والمكره.

3 - أهمية الإسرار في المناجاة {نادى ربه نداء خفيا}.

4 - قدرة الله لا حدود لها تخرج على النواميس المعروفة لدى الخلائق.

5 - التأثر بالصالحين ومحاكاة أفعالهم، فزكريا لاحظ حالة مريم، عليهما السلام.

6 - شكوى الحال للمولى تعالى وهو العليم بذلك ليظهر ضعفه وقلة حيلته، وترجَّي مواطن رحمته {إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا}.

7 - اختيار الكلمات المؤثرة في الدعاء والتخاطب بغير تكلف: وهن العظم، اشتعال الرأس شيبا.

8 - فعل الصالحات ميراث يلحظه الصالحون عند الشدائد {كانوا يسارعون في الخيرات} (الأنبياء: 90).

9 - الثقة المطلقة برب العالمين {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى} (الأنبياء: 90).

10 - تحري الزمان والمكان في بث الشكوى {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} (آل عمران: 39).

11 - الدعاء للولد بالخير، وعدم الدعاء عليه مهما كانت الأحوال؛ لأن دعاء الوالد مستجاب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك