رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
رسائل ترحيب
Responsive image
12 فبراير، 2023
3 تعليق

من حقوق الأخوة الإسلامية

     إن من أوكد حقوق الأخوة بين المسلمين وأَولاها، أن يحمل بعضهم عبء بعض، وأن يبادروا إلى مساعدة بعضهم بعضا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولا سيما إذا كان أحدٌ من المسلمين بحاجة إلى مساعدة إخوانه، فإذا حلَّت بمسلم نازلةٌ من نوازل الدهر، أو نائبةٌ من نوائب الزمان، أو اجتاحته جائحةٌ في نفسه أو عِرضه أو ماله، كان من حقه على المسلمين أن يَمدوا له يد التكافل والمرحمة، وأن يقفوا بجانبه مؤازرين له ومواسين، ووجب عليهم ألا يتركوه فريسةً للضياع والهلاك، أو غرضًا لسهام المصائب، وغوائل الفقر والبؤس، وأن يكونوا عونًا له على اجتياز المحن، والنجاة من عاديات الضراء والبأساء.

     ولقد حفلت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يؤكد هذا المبدأ، ويرسِّخه بين المسلمين، قال -تعالى-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77)، وقال -سبحانه-:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } (البلد: 11 – 18).

     وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من نفَّس عن مسلم كربة من كُرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلمٍ ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».

     ولقد شرع الإسلام الكثير من التشريعات التي تعمِّق مبدأ التكافل والتراحم والمواساة بين المسلمين، مثل: الزكاة والصدقة، وتحريم الاحتكار، ونحو ذلك من التشريعات التي تصنع مجتمعًا متكافلًا، ليس فيه جائع ولا عريان.

     ولقد قدَّم الأنصار نموذجًا للتكافل والتراحم بين المسلمين، سيظلُّ أعظم ما عرفته الدنيا وأنبله، متمثلًا فيما جادت به أخلاقهم الكريمة، وصنعته مواقفهم النبيلة مع إخوانهم المهاجرين، يوم لاذوا بهم في المدينة المنورة، مهاجرين في سبيل الله، تاركين من خلفهم أهليهم وديارهم وأموالهم.

     لقد قَدِم المهاجرون من مكة إلى المدينة وهم في حال من الفاقة والحاجة لا يُحسدون عليها، فوجدوا إخوانهم الأنصار في استقبالهم بصدرٍ منشرح، ونفوس سمحة، وأيد مبسوطة بالبر والعطاء، يواسونهم بالأموال، ويؤنسونهم بالحب والوصال، فكانوا في الكرم وحسن السجايا مثلًا يُحتذى، وبلغوا في الفضل مبلغًا استحقوا به ثناء الله -تعالى- عليهم، ومدحه -سبحانه- لهم؛ حيث قال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9).

     وهكذا رسم الأنصار صورة عملية فذَّة للأخوة الصادقة التي قامت على الإيمان، تقف الإنسانية أمامها بالتبجيل والإعظام إلى يوم الدين، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا ورضي عنهم.

     فهل يضع المسلمون اليوم هذه النماذج وأمثالها نُصب أعينهم، ويطبِّقونها فيما بينهم، فيصلوا إخوةً لهم أصابهم البلاء، ونزلت بهم المحن والشدائد، يصلونهم بما وسع الله عليهم، فيكسوا عاريهم ويطعموا جائعهم، ويجمعوا شمل المشردين منهم، ويخففوا من وطأة المصائب التي حلَّت بهم؟!

 

أضف تعليقك

التعليقات

  • لا توجد تعليقات لهذه المادة

Ads