من المقاصد الأساسية للوقف الإسلامي تحقيق المعالجة الدائمة للحاجة والفاقة، بموجب تنمية الموقوف واستثماره وتكثيره، ليساير متطلبات الحياة، وميزة دوام الصرف والنفع في الوقف يعبر عن طبيعة هذا الوقف، وعن مخالفته لأوجه العطايا الطوعية الأخرى، كالصدقة والهبة والهدية.
جاء عمر - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» أي جعلتها وقفاً، ففعل عمر ما أمره، وما أشار به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصدق بها عمر، أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب، فتصدق عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف.
والوقف في تاريخ المسلمين كان له دور كبير، وكان عاملًا أساسيًا في تخفيف ضغط الحياة على الفقراء، وكانت هناك أوقاف متعددة متنوعة، واهتم المسلمون بهذا الجانب اهتمامًا كبيرًا بالغًا، فكانت هناك أوقاف لأجل بناء مساكن لمن لا سكن له، وأوقاف لأبناء السبيل والمنقطعين، وللعميان والمقعدين، وذوي العاهات، والأمراض المزمنة، وكانت هناك أوقاف لتقديم القروض للمحتاجين، ولتقديم كسوة الشتاء للفقراء والمحتاجين، ولشراء الأكفان للموتى ودفنهم، وأوقاف لسداد ديون من حبس بسبب الدين، حتى يخرج من حبسه، وأوقاف لافتداء الأسرى من أيدي الكفار.
بل كانت هناك أوقاف لإعارة الحلي والزينة، لأجل إعانة الفقراء على مصاريف الزواج، فإذا أراد الفقير أو الفقيرة أن تتزوج أخذت من هذا الوقف، حلياً وزينة، وما تحتاجه في يوم عرسها، تستخدمه ثم ترده إلى هذا الوقف، بل كانت هناك أوقاف للخدم، إذا كسر الخادم إناءً، فإنه يذهب إلى هذا الوقف، ويستبدل بهذا الإناء المكسور إناءً جديدًا، حتى لا يعاقبه سيده، وحتى لا يأخذه بهذا، وكانت هناك أوقاف للأمهات لإعطائهن الحليب والسكر لأولادهن ولأطفالهن.
كذلك راعت الأوقاف حالة المرأة إذا اختصمت مع زوجها، وخرجت من بيتها، ولم يكن لها أهل يؤوونها، كانت هناك أوقاف معدة لأمثال هؤلاء، بل كانت هناك أوقاف للحيوانات، حتى تطعم منها.
فانظروا إلى عظمة هذا التشريع، وإلى هذا الدور العظيم الذي لعبته الأوقاف في حياة المسلمين، فلو تم الاهتمام بها، وأعيدت العناية بها كما كانت من قبل، لساعدت كثيراً في تخفيف حدة الفقر ووطأته على كثير من الفقراء.
ومن الأمور المهمة -حتى يؤدي الوقف دوره المنشود منه في حل مشكلات الفقر- أن يلامسَ حاجات الفقراء الحقيقية؛ فالفقير يريد مسكنًا مناسبًا، ويريد مستشفى متطور، ومراكز صحية وقفية للأمراض المستعصية كمراكز للأورام ولغسيل الكلى ولزراعة الكلى والكبد، والفقير يحتاج إلى تعليم جيد يفيده في سوق العمل، ومن خلال الوقف يمكن تحويل الأسر الفقيرة إلى أسر منتجة لتحويلها من أسرة محتاجة إلى أسرة منتجة معطاءة، وكما قد قيل: أعطني سنارةً ولا تعطني سمكة.
التعليقات
لا توجد تعليقات لهذه المادة