رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
رسائل ترحيب
Responsive image
2 يناير، 2023
3 تعليق

منهجنا متوازن في التعامل مع غير المسلمين

     إنَّ من أهم خصائص شريعة الإسلام -التي تميزها عن غيرها من الشرائع- أنَّها شريعة سمحةٌ في اعتدال، فلا غلو ولا شطط، ولا إفراط ولا تفريط، ففي جانب المعاملة، فإن الإسلام يأمر بالبر والقسط إلى مخالفيه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. 

     والإسلام ينظر لأهل الكتاب نظرة خاصة؛ فالقرآن لا يناديهم إلا بـ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ}، يشير بذلك إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، وبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، بل إن القرآن الكريم يحث على مجادلتهم بالتي هي أحسن؛ منعا لإيغار الصدور، وإثارة العداوات: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

     وقد أباح الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم -مع ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة-، {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ}، وهذا في أهل الكتاب عامة، أما النصارى منهم خاصة، فقد وضعهم القرآن موضعا قريبا من قلوب المسلمين فقال: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}.

     ولا يخفى على كل ذي لُبٍّ أن ديننا الحنيف -على مرِّ الزمان- قد ضرب أروع الأمثلة في سماحته وحسن تعامله ويسره مع أهل الكتاب وغيرهم، وهذا بشهادة غير المسلمين أنفسهم، ومع ذلك كله، فإن الإسلام يحذر من موالاتهم ومودتهم والركون إليهم في جانب الاعتقاد، يقول -تعالى-: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، قال الإمام الطبري: «لا تجد يا محمد قومًا يصدّقون الله، ويقرّون باليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله وشاقَّهما وخالف أمر الله ونهيه».

     وإن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم الدينية كالكريسماس الذي هو عيد يحتفل فيه النصارى بعيد ميلاد يسوع، أي: بعيد  (ميلاد الرب) عند أحد مذاهبهم، أو بعيد(ميلاد ابن الرب) عند مذهبهم الثاني، تدلُّ دلالة واضحة على المودة لهم، والسرور والرضا بما عندهم من عقائد باطلة في نظرتهم إلى عيسى -عليه السلام-، وادعائهم بأنه هو الله أو ابن الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا!

     فكيف يليق بالمسلم أن يهنئهم بهذا الجرم العظيم؟ والله -تعالى- يقول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} (مريم: 88 - 92)، والمعنى: لقد جئتم في قولكم هذا شيئًا إدًّا -أي: عظيمًا- تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدًّا؛ أن دعوا للرحمن ولدًا، أي: عند سماعهن هذه المقالة المنكرة؛ إعظامًا للرب وإجلالًا له؛ لأن الله -عز وجل- لما خلقهم جعلهم مجبولين على طاعته وتوحيده، فهو الله لا إله إلا هو، لا شريك له ولا نظير له، ولا ولد له، ولا صاحبة له، ولا كفء له، بل هو الأحد الصمد.

     فأسعد الناس من قام بحق الجانبين معًا: جانب المعاملة الحسنة بشروطها لغير المسلمين ، وجانب البراء والبغض لما هم عليه من العقائد الباطلة؛ وقوفًا مع النصوص الشرعية، وحفاظًا على الدين، ومراعاةً للمصالح العامة، ودرءًا للمفاسد، وسدًّا للذرائع، وهذا المسلك المتوازن هو الذي اتفق عليه علماء الأمة قاطبة.

 

أضف تعليقك

التعليقات

  • لا توجد تعليقات لهذه المادة

Ads