تربية الأولاد في الإسلام أمر واجب، وهي مسؤولية الأسرة في المقام الأول، ولو تأمَّل المسلم قليلاً في حال الأجيال الناشئة في مجتمعنا، لرأى نسبة عالية من الإيجابيات في أخلاقهم وطرائق تفكيرهم، غير أنهم لا ينقصهم إلا تعديل البوصلة لديهم كلما حادت عن الجادة؛ بما يعتريهم من فتن ومغريات لم تكن موجودة من قبل.
وقد بين الله -تعالى- في كتابه وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الأسرة هي أصل التربية للأجيال وعمودها، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).
قال العلاَّمة ابن سعدي - رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية: «أي: يا مَن منَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه؛ فـ{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمرَ الله، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عمَّا يُسخط الله ويوجِب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلاَّ إذا قام بما أمَر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد، وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرُّفه».
وقال العلاَّمة الشوكاني - رحمه الله تعالى-: «{وَأَهْلِيكُمْ} بأمرهم بطاعة الله، ونَهْيهم عن معاصيه، {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}؛ أي: نارًا عظيمة تتوقَّد بالناس وبالحجارة، كما يتوقَّد غيرها بالحطب.
وينبغي للوالدين إذا أرادا صلاح أبنائهما، فعليهما أن يلتزما تقوى الله -عز وجل- في كل شؤون حياتهم؛ فصلاح الأبناء من صلاح الآباء، قال-تعالى-: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } .
فالأسرة مسؤولة عن تربية الأولاد وتنشئتهم، فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته» متفق عليه.
كل هذه النصوص القرآنية والنبوية وغيرها، تُلقي بالتبعة والمسؤوليَّة التربوية في أصلها على عاتق الوالدين، على الأسرة المسلمة، وتحمِّلهم هذا العبء الثقيل، ورحِم الله أيَّامًا كان الناس فيها يقدِّرون هذه الرسالة، فيذهبون بأولادهم إلى المربِّين والمعلِّمين؛ ليهذِّبوا أخلاقهم، ويُرشدوا عقولَهم، ويَشحذوا هِمَمهم.
التعليقات
لا توجد تعليقات لهذه المادة