رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
21 أبريل, 2025 0 تعليق

حاجتنا إلى الحِلم والأناة

لا شك أن من أعظم القيم التي نحتاجها في هذا العصر -الذي تتسارع فيه الأحداث، وتتبدل فيه المفاهيم، وتتغير فيه المعايير-، قيمتا الحِلم والأناة، فهما خصلتان من خصال الأنبياء، وصفتان من صفات الصالحين، ومفتاحا للسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.

أما الحِلم: فهو ضبط النفس عند الغضب، والتجاوز عن الزلات، والتصرف بحكمة والتعقل في المواقف الصعبة، وأما الأناة: فهي التروّي وعدم العجلة، والتفكير قبل اتخاذ القرار أو الحكم على الأمور.

هاتان الخصلتان إذا اجتمعتا في إنسان، ملك قلبه وعقله، وكان ممن يسيرون في الحياة بثبات واتزان.

وقد ورد الحِلم في مواضع متعددة من القرآن الكريم، منها في وصف الله -تعالى- نفسه بالحِلم، كقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة: 235)، كما أثنى الله -تعالى- على نبيه إبراهيم -عليه السلام- بهذه الصفة، فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (التوبة: 114)، وفي ذلك إشارة إلى أن الحِلم صفة عظيمة من صفات أولي العزم من الرسل، وعلينا أن نقتدي بهم.

كما جاءت السنة النبوية معززة لهاتين الصفتين؛ فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لِأَشَجِّ عبدِ القيسِ: «إنَّ فيك خُلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلْمَ والأَناةَ…».

وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أَحلَمَ الناس وأصبرهم، ومن أشهر مواقفه – صلى الله عليه وسلم – ما فعله مع الأعرابي الذي جاء وبال في المسجد، فغضب الصحابة، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لهم:«دعوه، وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذَنُوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين»، هذا الحلم والتروّي علّم الأمة كلها كيف تتعامل مع الجهل والخطأ بالصبر والرحمة لا بالعنف.

وفي هذا العصر؛ حيث تنتشر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصاعد الانفعالات بسبب الضغوط اليومية، صار الحِلم والأناة ضرورتين لازمتين لا يمكن الاستغناء عنهما، ولاسيما مع كثرة الفتن والجدالات التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، التي لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهاتين الصفتين الحِلم والأناة.

فمن أعظم ثمرات الحلم والأناة التثبت قبل اتخاذ المواقف، والتروّي قبل إطلاق الأحكام، ولاسيما مع تسارع الأحداث واختلاف الآراء؛ فالتثبت صمام أمان، يمنع من التسرع والانجرَاف خلف العواطف اللحظية، وكم من موقف اندفع فيه المرء بردة فعل متعجلة، ثم تبين له لاحقًا أنه أساء الظن أو ظلم غيره! لذا فإن من الحكمة والرجاحة أن يكون رد الفعل نابعًا من عقل هادئ، لا من لحظة انفعال عابرة.

ختامًا .. علينا أن ندرك أن الحِلم والأناة ليستا ضعفًا، بل هما منتهى القوة، وذلك مصدقا لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، فلنحرص في زماننا هذا المتسارع أن نكون من أهل الحِلم، وأن نتحلى بالأناة، حتى نعيش في سلام مع أنفسنا ومجتمعنا، ونكون قدوة لغيرنا في أخلاقنا وسلوكنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك