
وقفات مع حديث – خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم
عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة». رواه مسلم.
قوله -صلى الله عليه وسلم -: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، هذا معيار يعرف به الأخيار من الأشرار من أصحاب الولايات. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وتصلون عليهم، ويصلون عليكم، يعني: تدعون لهم، ويدعون لكم، فإن الصلاة هنا بمعنى الدعاء، كما قال الله -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (التوبة:103)، يعني: ادعُ لهم.
مقتضيات المحبة
وقوله: الذين تحبونهم، ويحبونكم، الجالب للمحبة هو: مقتضياتها من الإحسان إلى الرعية، والتوسعة عليهم، وحفظ مصالحهم، وضروراتهم، وحاجياتهم، وتحسينياتهم، من جهة الوجود، ومن جهة العدم، فالناس جُبلوا على محبة من يعدل، ويحسن، ويرفق، ويتلطف بهم، ويرعى مصالحهم، فإن الإحسان إلى الإنسان بل إلى المخلوق -ولو كان من الحيوانات- يأسره.
الأرواح جنود مجندة
وقوله: «تحبونهم ويحبونكم فإن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»، فإذا كان هؤلاء يحسنون فإنه سيقابَل فعلهم بالإحسان والجميل والطاعة والمعروف، فيحبهم أئمتهم ومن وّلاهم الله أمرهم، فهؤلاء يدعون لهؤلاء، وهؤلاء يدعون لهؤلاء، وذلك أدل وأبلغ في المحبة، فإن الإنسان قد يعبر عن الجميل بالشكر والتقدير، وما إلى ذلك، ولربما يوصل شيئاً من فعال الإحسان، كالهدية ونحوها، ولكن إذا أتبع ذلك بالدعاء فإن ذلك يدل على تجذر هذه المحبة في قلبه والبر والمعروف، ولهذا قال الله -تبارك وتعالى-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23) إلى أن قال: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:24)، فمع إحسانه إلى الوالدين فهو مأمور أيضاً بالدعاء لهما.
وفي قوله -تبارك وتعالى- لما ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (الحشر:10)، فدل ذلك أنهم على طريقتهم وهديهم؛ لأن الذي دفع ودعا إلى هذا الدعاء إنما هو الموافقة والمحبة.
شرار أئمتكم
قال: «وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟».
ومعنى المنابذة أي القتال بالسيف إذا كانوا بهذه المثابة، قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة».
وهذا الحديث إذا انضاف إليه حديث عبادة بن الصامت، وأم سلمة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث قيد ذلك بإقام الصلاة، وفي الحديث الآخر، قال: إلا أن تروا كفرًا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان، وذلك أيضاً مقيد بالإمكان، والقدرة.
معنى إقامة الصلاة
معنى إقامة الصلاة: من أهل العلم من يقول: إذا صلوا يعني أقاموها في أنفسهم، أي أنهم يصلون، فإذا كانوا يصلون معنى ذلك أنه لا يجوز الخروج عليهم؛ لأنهم في حكم الإسلام.
ومن أهل العلم من يقول: ما أقاموا فيكم الصلاة، قال: ما أقاموا فيكم وذلك بإقامة الصلاة في الناس، بتثبيت دعائمها، وما يحصل به تحققها، وما إلى ذلك، ما أقاموا فيكم الصلاة، فهذا ضابط.
والضابط الآخر: إلا أن تروا كفرا بواحاً وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الاستقراء دل على أنه ما قام أحد على الأئمة إلا وحصل بفعله ذلك من الفساد ما هو أنكر وأعظم مما قام نصرة له.
وقال: هؤلاء غالباً يحصل بفعلهم فساد وسفك دماء وهزيمة، وإذا انتصروا فإن ذلك لا يدوم طويلاً، أو كما قال -رحمه الله.
لاتوجد تعليقات