رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ 1 فبراير، 2011 0 تعليق

وقفات فقهية (8)أركان (لا إله إلا الله) وشروطها

 

 أركان (لا إله إلا الله) وشروطها: فلها ركنان:

أحدهما: النفي والمراد به نفي الأُلوهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات. والآخر: الإثبات والمراد به إثبات الإلوهية لله وحده سبحانه فهو إله الحق. وأما: شروط (لا إله إلا الله) فهي سبعة قال في معارج القبول:

 

وبشروط سبعةٍ قد قُيدت

                           وفي نصوص الوحيّ حقا وردتْ

فإنه لا ينتفع قائلها

                          بالنطق إلا حيث يستكملها

بالعلم واليقين والقبول

                          والانقياد فاعلم ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة

                          وفقك الله لما يحبه

وتفصيلها كما يلي:

- أولها: العلم بمعناها، قال الله عز وجل: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} (الزمر: 9)، لا يستون.

- ثانيها: اليقين المنافي للشك قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} (الحجرات: 15)، ثم لم يرتابوا.

- ثالثها: القبول لما اقتضته، يقول الله تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} (الصافات 35-37)، يستكبرون فلم يقبلوها.

- رابعها: الانقياد لما دلت عليه قال الله عز وجل: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور} (لقمان: 22) من يسلم وجهه إلى الله (بالانقياد).

- خامسها: الصدق المنافي للكذب، قال الله عز وجل: {ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما} (الأحزاب: 8)، مسؤولون عن صدقهم.

- سادسها: الإخلاص المنافي للشرك، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة: 5)، مخلصين له الدين.

- سابعها: المحبة لها (لا إله إلا الله) ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها. وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} (البقرة: 165). والذين آمنوا أشد حبا لله؛ لأنهم لا يشركون في محبته أحدا. قال الحسن البصري وغيره من السلف: ادعى قوم محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (آل عمران: 31).

التعريف بالشرك وأقسامه

يقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء: 36).

ويقول تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).

ما يقابل التوحيد هو الشرك بالله: والشرك: هو أن يشرك العابد مع الله غيره في عبادته أي يتخذ مع الله معبودا آخر. يدعو، ويعبد ويصرف ما هو حق لله ومن اختصاصه وحده لغيره.

ينقسم الشرك إلى ثلاثة أقسام: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عدد 471-77)

فالشرك الأكبر هو:

- أولا: أن يُجعل لله ندا في عباداته بأن يدعو أو يضرع إلى غير الله تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي أو أثر لم يشرع مثلا، بقربة من القرب، كصلاة له أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أوغائب لتفريج كربة أو نحو ذلك مماهو من اختصاص الله سبحانه: {يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد، يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13). وفي الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: سألت النبي [ أي الذنب أعظم عند الله قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» قلت إن ذلك لعظيم رواه (البخاري رقم 4207 ومسلم (/86).

- ثانيا: أن يجعل لله ندا في أسمائه أو في صفاته، فيسميه بأسماء الله أو يصفه بصفاته وهو من الإلحاد في أسماء الله، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180).

- ثالثا: ومنه الذبح والنحر لغير الله، يقول الله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام: 162-163) ويقول الله تعالى: {فصل لربك وانحر}. وهو شرك أكبر وأكله محرم، يقول الله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله} (البقرة: 173) يحرم بذكر اسم غير الله عليه، وكذا: {وما ذبح على النصب} (المائدة: 3) من أجل ضريح أو وثن، أو غيره.

- رابعا: والنذر لغير الله شرك أكبر ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي [: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»، وحديث عمر ]: «سمعت رسول الله [ يقول: «ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك» رواه أبوداود وغيره.. ومن شروط النذر لله تعالى أن يكون طاعة لله، وأن يكون مما يطيقه العبد، وأن يكون فيما يملك، وألا يكون في موضع كان يُعبد فيه غير الله تعالى، أو ذريعة لشرك. ولا يعتقد الناذر تأثير النذر في حصول مراده. والنذر عموما غير مستحب لقوله [: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل» والوفاء بنذر الطاعة واجب، يقول الله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} (الإنسان: 7).

- خامسا: ومن الشرك من جعل لله ندا في تشريع: بأن يتخذ له مشرعا سوى الله، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات أو يستحل ذلك، وللترمذي وغيره في تفسير قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) عن عدي بن حاتم ] أنه قال لرسول الله [: قلت أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، «قال: أجل، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم الحرام استحلوه وإذا حرموا عليهم الحلال حرموه فتلك عبادتهم».

     تنبيه وقد يكون منه تسمية (السلطة التشريعية): ولو سميت (السلطة التنظيمية) لكان أقرب للتقوى والصدق في المعنى، يقول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم} (الشورى: 21)، فالتشريع لله وحده، يقول الله تعالى: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} (المائدة: 49-50)، بخلاف التنظيم بين العباد إذا فقهوا، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83) وكذلك الشورى، يقول الله تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} (الشورى: 38) فكل مستحدث يجب أن يرد للذين يستنبطونه وللشورى بينهم والله أعلم.

الشرك الأصغر:

- أولا: هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، وجاء في النصوص تسميته شركا. كالحلف بغير الله فعن عمر ] قال: «فإني سمعت رسول الله [ يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». وقال ابن مسعود ]: «لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق» رواه ابن أبي حاتم وغيره. فالحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم المخلوق وقد ينتهي إلى الشرك الأكبر.

- ثانيا: في قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (البقرة: 22). نقل ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «الأنداد في الآية هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء. وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي - إلى قوله - وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا؛ هذا كله به شرك». وعن حذيفة ] عن النبي [ قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أبوداود بسند صحيح وعنه: أن رجلا قال للنبي [ ما شاء الله وشئت فقال له النبي [: «أجعلتني والله عدلا (أي: ندا)؟ بل ما شاء الله وحده». وذلك سدا لذريعة الشرك الأكبر وقال رسول الله [ قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء».

الشرك الخفي:

- أولا: عن أبي سعيد ] مرفوعا قال: «الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر رجل» أي الرياء اليسير كإطالة الصلاة ليراه الناس، أو ر فع الصوت في القرآن ليسمعه الناس. ولمسلم عن أبي هريرة ] عن النبي [: قال: «قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.

- ثانيا: يقول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموا مدحورا} (الإسراء: 18). وفي البخاري وغيره، عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع» أي لا يرائي بعمله.

- ثالثا: وللوقاية من الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى، قال أبوموسى الأشعري ]: «خطبنا رسول الله [ ذات يوم فقال: «أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل» فقال له من شاء الله أن يقول وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: «قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم».

- رابعا: قسم بعض العلماء الشرك إلى أقسام أخرى: شرك في أركان التوحيد، شرك اعتقادي، وشرك عملي، شرك قولي، وشرك المحبة وشرك الخوف والخشية، وشرك القصد والإرادة، وشرك الطاعة. إلخ واستدلوا لذلك بأدلة من الكتاب والسنة، وجميع تلك الأقسام صحيحة ولكن لا تخرج عن الأقسام الثلاثة السابقة أي الشرك الأكبر المخرج من الملة، والشرك الأصغر الخفي المحبط للعمل المقترن بهما، أعاذ الله الجميع.

     وللبيان: يقول الله تعالى: {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). والمقصود هنا بأهل الكتاب اليهود والنصارى لانتحرافهم عن الحق وشركهم بالله، فاليهود اتخذوا العجل إلها من دون الله، يقول الله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} (البقرة: 93). والنصارى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) لذا أمرنا الله بأن نقول لهم: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ومن المؤلم أن بعضا من المسلمين سلك سلوك أهل الكتاب بكثرة المذاهب المختلفة، وانتشار الطرق المبتدعة، والغلو في الأموات، فمنهم من غلا في أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين، ومنهم من غلا في الأولياء وسدنة الطرق، ففي البخاري (رقم 3456) قوله [: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصاري قال فمن؟» وهذا للإخبار والتحذير. فالمسلمون أيضا أهل كتاب فلا بد من أن يقول بعضنا لبعض: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} ومن يتولى: {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). ومن عجائب الأمور: أن يظن بعض الناس أنه أكبر من أن يحذر من الشرك، بينما الله سبحانه حذر منه أنبياءه، يقول الله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر: 65). ويأمر الله تعالي نبيه: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 105-106).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك