
واجب النصرة لأهلنا في غزة
نحن نتعامل مع عدو لا يرى إلا نفسه، وأننا لا نستحق العيش في هذه الحياة! بالتالي لا ننتظر منه رأفة أو شفقة أو عطفا أبدا
خذلان بعض العلماء والدعاة، لعدم بيانهم وتوضيحهم واجب النصرة ووسائلها وأنواعها، والسكوت عن واجب الوقت
من جديد استعرت حرب شرسة ضروس ضد أهلنا في غزة، لكسر إرادتهم وإضعاف عزيمتهم، في وقت تخلت الأمة عن ثوابتها وأسباب عزتها وأضاعت بوصلتها، لينتهز هذه الفرصة والضعف الكيان الصهيوني الغاصب، ويصب جام حقده، ويظهر قذارته وإفساده وسفكه للدماء، دون حسيب أو رقيب! وصورته الحقيقية التي لطالما تبجح بخلافها ولكن هيهات!
ما يقوم به الكيان اليهودي في حربه على قطاع غزة المحاصر، من سفك لدماء الأبرياء من أطفال ونساء وكبار سن، وتدمير للمنازل على ساكنيها، واستهداف المدارس التي يحتمي بها المهجرون؛ غير مستغرب منهم ولا مستهجن، فهذه أخلاقهم وصفاتهم وأحوالهم المعهودة، بنص كتاب الله واستقراء التاريخ وشهادة من عايشهم وعاصرهم من الكفار!
يقول مارتن لوثر- زعيم الحركة البروتستانتية في ألمانيا في القرن السادس عشر-: لا يوجد شعب متعطش للدماء مثلهم- أي اليهود، إنهم لا يفكرون إلا بكيفية ذبح وسحق الأغيار!
الكاهن الفرنسي (غبرييل مابلي) بعد أن درس دور اليهود في انهيار بولندا يقول: على البولنديين تحرير اقتصادهم من أي شر يهودي، ويجب استئصالهم من جذورهم ورميهم خارج بولندا.
وأصدق من ذلك كله كلام ربنا سبحانه فيهم، كيف لا وهم قتلة الأنبياء، ناقضو المواثيق، ناكثو العهود، أهل مكر وخديعة وكذب، فمعظم الآيات التي ورد فيها لعن بحق اليهود منها قوله تعالى:
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } (البقرة:88).
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (المائدة:13).
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78-79).
نحن نتعامل مع عدو لا يرى إلا نفسه، وأننا لا نستحق العيش في هذه الحياة! بالتالي لا ننتظر رأفة أو شفقة أو عطفا أبدا، منه أو ممن ناصره وعاونه وسانده، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه في ظل هذه الظروف العصيبة والمحنة الكبيرة، من الذي يقوم بواجب النصرة لأهلنا في غزة بعد الله سبحانه؟ وكيف؟!
تكاثرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، على وجوب نصرة المسلم، وخطورة وعقوبة وخذلان وحرمان من قصَّر أو تخاذل أو تآمر، بل أساس العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم، قائمة على الولاء والبراء؛ من الأخوة والمحبة والرحمة والتآلف والنصح والإصلاح والنصرة والتأييد والإعانة والتثبيت والموآزرة، على العكس تماما من علاقته مع الكفار ولاسيما أعداء الدين والمقدسات، قال تعالى عن المؤمنين: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح:29).
من تلك الأدلة:
يقول ربنا سبحانه: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأنفال:72)، وقوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة:71)، وقوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10)، وغيرها من الآيات.
يقول عليه الصلاة والسلام (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)(1) وقول البراء بن عازب رضي الله عنه : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: - ثم ذكر منها –ونصر المظلوم...» (2)، فهذه أوامر بوجوب النصرة والمعونة لا يمكن صرفها أو تأويلها، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عظيم يؤصل لنصرة المسلمين: «ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، و ينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» (3).
الحديث عام يشمل المؤمن والكافر، البر والفاجر، العربي والأعجمي؛ لأن اللفظ جاء «ما من امرئ»، ثم قال: «وما من أحد ينصر مسلما» دل على توكيد وشمولية الخذلان والنصرة من قبل أي إنسان على وجه الأرض، لأي مسلم مظلوم، ومن باب أولى أن ينصر المسلم أخاه المسلم؛ لأن الوشائج أقوى والروابط أمتن.
يقول عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله» (4)، وفي الصحيحين: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه»، يقول ابن عثيمين: هذه الأخوة أخوة الإيمان، وأنها أقوى رابطة وأوثق من أخوة النسب.(5)
في هذا الحديث: تحريم دم المسلم وماله، وعرضه، وتحريم خُذْلانه وخيانته وحقرانه، وأن يحدِّثه كذبًا.(6)
عندما كنا نقرأ في كتب التاريخ أن بعض المسلمين خذل إخوانه، وتآمر مع الأعداء عليهم! كنا نستغرب ونقول: هل معقول ما حصل؟!! ولأي منطق يندرج هؤلاء؟!! وما هو دينهم الذي أجاز لهم ذلك؟!! لكن أن تعيش هذا الخذلان، حتى أصبح ظاهرة، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في إحدى ليالي رمضان وبعد صلاة التراويح، أتاني رجل في المسجد- انتبهوا - صلينا التراويح في المسجد وقال لي: أنتم الفلسطينيون من يبدأ المشكلات!! فلماذا تقتلون المستوطنين الثلاثة؟! فكان كلامه كالصاعقة على قلبي، قلت في نفسي: هل يعقل لمسلم في ظل ما يراه من مجازر ضد أهلنا في غزة أن يقول مثل هذا الكلام؟!!!
قلت له: لو جاء لص إلى بيتك واستولى عليه ماذا تفعل؟!! فأجاب: بصمت وسكوت بجواب المنهزم المخذول المضطرب، المتشبع بأفكار ورؤى لا يقبل غيرها!
من يظن أن الخذلان حالات شاذة أو فردية فقد أخطأ، للأسف أصبحت ظاهرة لها مؤسسات إعلامية وساسة وكتاب ومفكرون بل حتى – للأسف الشديد- بعض من يحمل في صدره العلم الشرعي!! تزداد شيئا فشيئا، ليتحقق التمايز، وتحصل الغربلة، وليظهر المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والواضح من المخادع!
النبي عليه الصلاة والسلام جعل مقياس خيرية الأمة؛ بخيرية أهل الشام وتفوقهم ورقيهم ورفعتهم؛ إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم...» (7)، ومفهوم المخالفة: إذا صلحوا دينيا وأخلاقيا وسياسيا وإعلاميا واقتصاديا وإداريا، فهو صلاح للأمة فتأملوا حفظكم الله!
لذلك بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فإن نصرة بلاد الشام وأهلها أوكد ومضاعف على غيرهم؛ لأنهم معيار الخيرية والنصر والرفعة، فكل من خذلهم أو تخاذل عن نصرتهم، فإنه متسبب - شَعَر أو لم يشعر- في خذلان الأمة جمعاء، وسيدخل مزبلة التاريخ من أوسع أبوابها، ويوم القيامة هم من المقبوحين.
يقول عليه الصلاة والسلام: «ليس المؤمن الذى يشبع وجاره جائع» (8)، يقول ابن حجر: فلو أن فقيراً مات جوعاً في حي فإني أقضي بقتل الحي جميعاً بسبب هذا الذي مات جوعاً وهو بينهم.(9)
والله لقد بلغني ممن أثق به، أن قرابة 4000 فلسطيني في غزة احتموا في مدرستين تابعة لجمعية دار الكتاب والسنة في القطاع، وعند الإفطار لم يجدوا ما يفطرون عليه غير الماء!! فوالله وبالله وتالله كل من خذل أهلنا في غزة بالكلمة أو الموقف أو التصريح أو السكوت، سيخذله الله سبحانه وتعالى عاجلا أو آجلا.
للأسف هنالك العديد من مظاهر الخذلان والخزي إزاء ما يحصل لأهلنا في غزة، من ذلك:
الخذلان الرسمي سياسيا واقتصاديا وإعلاميا ودبلوماسيا وماديا!
كم هو معيب أن دولة (المالديف) تقاطع الكيان الصهيوني اقتصاديا، وتلغي اتفاقات معها، وردود الفعل الرسمية ما زالت مخزية، مع أنه في جعبتها الكثير الكثير؛ من حيث طرد سفراء الكيان، أو سحب تلك الدول سفراءها! والمقاطعة التجارية والاقتصادية، بل هنالك مؤسسات إعلامية وصلت حد العهر والمجون، في تسويغ قتل أهلنا في غزة وتشريدهم وإهانتهم، بل بعضهم يتشفى والله المستعان.
أي الحكايا ستروى عارنا جلل
نحن الهوان وذل القدس يكفينا
من باعنا خبروني كلهم صمتوا
والأرض صارت مزانا للمرابينا
هل من زمان نقي في ضمائرنا
يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا
خذلان بعض العلماء والدعاة، لعدم بيانهم وتوضيحهم واجب النصرة ووسائلها وأنواعها، والسكوت عن واجب الوقت الآن، والأعجب من هؤلاء من يُخذل ويُثبط ويزيد الطين بلة في مثل هذه الظروف العصيبة! من خلال نظرة ضيقة للأمور.
الزهد في الدعاء الذي هو سلاح من لا سلاح له، وهو أضعف الإيمان! ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول: «هل تُنصرون إلا بضعفائكم؟ بدعوتهم وإخلاصهم» (10).
الانغماس والانشغال بالدنيا وملذاتها وزينتها، ومتابعة البرامج التافهة ومباريات كرة القدم، وإغفال معاناة أهلنا في غزة في تلك الظروف الحرجة.
الضعف الملحوظ على كثير من وسائل الإعلام العربية والإسلامية، في نشر تلك القضية وتعميمها بمختلف اللغات، كعامل ضغط كبير في زمن الثورة المعلوماتية والعولمة.
ضعف التفاعل المادي والبذل لأهلنا في غزة، مع أن واجب دعمهم ونصرتهم ليس منة ولا تفضلا بل هو واجب محتوم لما بينا من أدلة فيما سبق.
ضعف إظهار المعاناة أفرادا وجماعات ومؤسسات متنوعة، والتعاطي مع القضية برد فعل آن سرعان ما ينتهي، دون وضع خطط وبرامج مستمرة تثخن في العدو، وتخفف من أعباء أهلنا في غزة.
ومن الوسائل العملية التي ينبغي على القادة والرؤساء والحكام اتخاذها في تلك القضية كأقل تقدير وأضعف الإيمان في هذه الظروف العصيبة(11):
1- أن يتقي الله - عز وجل - جميع الحكام وأن يعودوا لرشدهم وتحكيم كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ فبهما النجاة والفلاح والعزة والتمكين والغلبة والنصر: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون}(الأنبياء: 10).
2- سحب جميع مبادرات السلام! العربية المطروحة مع اليهود؛ لأنهم أمة حرب وعداء وفتنة، ولا ينفع معهم السلام إطلاقا.
3- إيقاف جميع أنواع (التطبيع) السياسية والاقتصادية والثقافية مع الكيان اليهودي وتحريم ذلك وتجريمه، وطرد جميع السفراء وإغلاق السفارات اليهودية في الدول العربية والإسلامية.
4- إيقاف تصدير النفط وجميع أنواع التعاون الاقتصادي مع كل دولة تؤيد اليهود وتساندهم بتلك الأفعال والجرائم.
5- إلزام المدارس والكليات والمعاهد والجامعات تدريس مادة تتعلق بالقدس وفضائله وتثقيف جميع الأجيال بأسلمة القضية وأهميتها وجميع أبعادها.
6- السماح للشعوب والنزول عند رغباتهم المشروعة للتعبير والوقوف مع تلك القضية، ودعم صمود أهلنا بفلسطين ماديا ومعنويا وإعلاميا وسياسيا وبكل الطرائق.
7- العمل الجاد بكل الوسائل المتاحة لفك الحصار الظالم الآثم على أهلنا في قطاع غزة، ووالله وبالله وتالله لو وجدت عزيمة إسلامية وإرادة عربية رسمية لتحقق ذلك!
وعلى الأمة جمعاء بمقدورها القيام بالعديد من وسائل وطرائق نصرة أهلنا في فلسطين عموما وغزة خصوصا، من ذلك:
الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله بنصرة أهلنا وتثبيتهم وتسديدهم، وخذلان عدوهم.
التوبة النصوح إلى الله؛ لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، وهل من بلاء أعظم مما يحصل الآن في غزة؟!
صدق النية وإخلاص الأعمال لله سبحانه وتعالى؛ فإن من أعظم أسباب نصرة الأمة ورفعتها وتمكينها هو الإخلاص، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب».(12)
على جميع المسلمين تثقيف جميع الأجيال وغرس حب القدس وفلسطين في نفوسهم وقلوبهم، واشعارهم بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم، ونشر فضائل المسجد الأقصى وإظهار المخاطر المحدقة به، وأنه آن الأوان ليكون لكل فرد مسلم دور في هذه القضية، وألا نتواكل لأمور استهلاكية أُغرقنا فيها وأشغلنا، حتى أضعنا ثوابتنا وأساسيات ديننا.
استثمار التطور التقني والثورة التكنولوجية، من خلال استغلال مواقع التواصل المختلفة، والعمل بشقين: الأول: جانب التثبيت ورفع معنويات أهلنا في غزة الصامدين، والثاني: إظهار ممارسات العدو الصهيوني الغاصب وبيانها وفضحها بمختلف المستويات.
على المؤسسات الإعلامية عامة والقنوات الإسلامية خاصة، تسليط الضوء على أصل القضية ولب الصراع ومحور السجال على أرض فلسطين عموماً، وما يجري الآن في غزة خصوصا بمختلف الجوانب الإنسانية والحقوقية والشرعية والسياسية، من خلال تخصيص مساحات واسعة ضمن خرائطهم البرامجية، وتكثيف جهود العلماء والدعاة واستنهاض الهمم كل بحسبه.
اللهم احفظ أهلنا في غزة من كل سوء أو مكروه.
اللهم سدد رميهم وثبت قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم اقذف الرعب في قلوب الصهاينة الحاقدين واجعل تدبيرهم تدميرهم، وأرنا فيهم عجائب قدرتك.
الهوامش:
1- صحيح البخاري.
2- متفق عليه.
3- صحيح الجامع برقم 5690.
4- صحيح الجامع برقم 6706.
5- شرح رياض الصالحين.
6- تطريز رياض الصالحين، فيصل النجدي.
7- السلسلة الصحيحة برقم 403.
8- صحيح الترغيب برقم 2562.
9- نقلا من كلمة لمشهور حسن سلمان حول أحداث غزة.
10- صحيح الجامع برقم 7034.
11- مقال «القدس يا مسلمون أفلا تستفيقون»، أيمن الشعبان، مركز بيت المقدس، مع بعض الإضافات.
12- مقال «القدس يا مسلمون أفلا تستفيقون»، أيمن الشعبان، مركز بيت المقدس، مع بعض الإضافات.
لاتوجد تعليقات