رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر السياسي 9 نوفمبر، 2015 0 تعليق

من وعد بلفور إلى هبة السكاكين!

الخداع الذي مارسته بريطانيا لتقيم دولة يهودية على أرض فلسطين، ومن ذلك الحين وإلى الآن والشعب الفلسطيني يعاني الويلات

 

عندما نتحدث عن وعد بلفور فإننا نتحدث عن ذلك التصريح المتضمن وعداً، أصدرته الحكومة البريطانية عام2/11/ 1917م، ممثلة بوزير خارجيتها (آرثر جيمس بلفور) بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير زعيم في الاتحاد الصهيوني البريطاني، جاء فيه: تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؛ حيث أعلنت فيه عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، علماً بأن عدد اليهود في فلسطين حين صدر الوعد لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان.

     والدافع الحقيقي لوعد بلفور هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي لحماية مصالحها الاستعمارية؛ فكان الهدف الأكبر من وجود الكيان اليهودي على أرض فلسطين هو: أن يؤسس الصهاينة اليهود قاعدة للاستعمار الغربي، وتتعهد الصهيونية بتحقيق مطالب الغرب ذات الطابع الاستراتيجي، ومنها الحفاظ على تفتت المنطقة العربية، وبذلك يتم تخليص العالم الغربي من اليهود الزائدين باستيعابهم في ذلك الجيب؛ عن طريق النقل (نقل اليهود)، ستقضي الصهيونية على معاداة اليهود في الغرب ونظير ذلك، سيقوم الغرب برعاية هذا المشروع ودعمه.

وعد بلفور

     ولا شك أن بريطانيا تتحمل الوزر الأكبر في جريمة وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على ألا تمس حقوق الآخرين ومقدساتهم! وكان صدمة كبيرة للثورة العربية؛ إذ لم يتخيلوا أبداً هذه الدرجة من الخداع البريطاني؛ لذلك رفض جنود الثورة العربية الاستمرار ما لم توضح الأمور، فأرسلت بريطانيا إمعاناً في الخداع والتضليل مبعوثها (هوغارت)  في يناير 1918م لطمأنة الشريف حسين؛ حيث حمل تصريحاً بريطانياً بأن الهجرة اليهودية لفلسطين لن تتعارض مع مصالح السكان السياسية والاقتصادية.

 وإذا بالحقوق تمس والمقدسات تحول إلى زرائب للحيوانات وبيوت للخنا والفجور، والشعب الفلسطيني يشرد ويهجر ويعيش لاجئا في الدول المجاورة وما زالت معاناتهم إلى الآن..

الانتداب البريطاني

     ولتكتمل الجريمة الأولى كان لابد من خديعة ثانية تجعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني، فاحتلت بريطانيا فلسطين في 1918م وصرحوا بأن أرض فلسطين سوف تحكم وفق رغبة السكان! ونصبت اليهودي (هربرت صموئيل) في عام 1920م بوصفه مندوبا ساميا لبريطانيا في فلسطين، وأدمجت وعد بلفور في صك انتدابها على فلسطين الذي قررته لها عصبة الأمم في يوليو 1922، الذي اعترف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبضرورة إعادة إنشاء وطنهم القومي فيها وتسهيل هجرتهم وتمكينهم في الأراضي الأميرية والأراضي الموات! ففتحت الأبواب للهجرة اليهودية فتضاعف عدد اليهود من 55 ألفاً سنة 1918 إلى 646 ألفاً سنة 1948، كما دعمت تسليم الأراضي فتزايدت ملكية اليهود للأرض من نحو نصف مليون دونم - 2% من الأرض-، إلى نحو مليون و 800 ألف دونم - 6.7% من أرض فلسطين- وتمكن اليهود تحت حماية الحراب البريطانية من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية. وأسسوا 292  -مستعمرة- مغتصبة، وكونوا قوات عسكرية من الهاغاناه الأرغون وشتيرون يزيد عددها عن سبعين ألف مقاتل، واستعدوا لإعلان دولتهم.

قرار التقسيم

     والجريمة الثالثة تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 حين أصدرت قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية: نحو 54% للدولة اليهودية و 45% للدولة العربية و 1% منطقة دولية - منطقة القدس- لفترة مؤقتة تعود بعدها القدس للسيادة العربية. وكانت النتيجة: ظلم فادح أعطى الأقلية اليهودية الدخيلة المهاجرة الجزء الأكبر والأفضل من الأرض الفلسطينية، وخالف الأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة وهو حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها، والشعب الفلسطيني المعني أساساً بالأمر لم تتم استشارته ولا استفتاؤه بهذا الشأن. أما بالنسبة للقدس فقد احتل اليهود غربي القدس في حرب 1948 م - وهي تساوي حوالي 85% من المساحة الكلية للقدس - وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للعرب وبناء أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها، وأعلن عن توحيد شطري القدس تحت الإدارة اليهودية في 27/6/1967م، ثم أعلن رسمياً في 30 يوليو 1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان اليهودي.

     والخديعة الرابعة حين أعلنت القوات البريطانية إنهاء انتدابهم على فلسطين وانسحابهم منها في مساء 14 مايو 1948م، وبعدها بسويعات أعلن المجلس الوطني اليهودي في 15 مايو 1948 «قيام دولة إسرائيل»! وبدأت الحرب بين العصابات الصهيونية من جهة وبين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة أُخرى، والتي لم تكن مستعدة لهذه الحرب؛ مما سبب هزيمتها وسُميت بنكبة فلسطين.

إنشاء كيان يهودي

     والنتيجة كانت إنشاء كيان يهودي على مساحة أكبر بكثير من المساحة المقررة لها في قرار التقسيم التي كانت أقل من 55% وإذا بها نشأت على 77% من أرض فلسطين ولم يبق سوى الضفة الغربية، التي ألحقت بالأردن، وقطاع غزة الصغير الذي ألحق بالإدارة المصرية، وشردوا بالقوة 800 ألف فلسطيني خارج المنطقة التي أقاموا عليها كيانهم ومن أصل 925 ألفاً كانوا يسكنون في المنطقة، ودمر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة،  وارتكبوا 34 مجزرة؛ واحتلوا غربي القدس وهي تساوي حوالي 85% من المساحة الكلية للقدس، وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للمسلمين والعرب، وبنوا أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها.

     هذا هو الخداع الذي مارسته بريطانيا لتقيم دولة يهودية على أرض فلسطين، ومن ذلك الحين وإلى الآن والشعب الفلسطيني يعاني الويلات من ذلك الاحتلال الذي مكنته بريطانيا على أرض فلسطين، فمنذ وعد بلفور إلى هبة السكاكين، والدماء التي سفكت والمقدسات التي انتهكت، والممارسات التي آلمت الشعب الفلسطيني تتحمل في الدرجة الأولى مسؤوليتها بريطانيا التي وعدت ثم احتلت تحت مسمى الانتداب، ثم مكنت اليهود على أرض فلسطين ليمارسوا إجرامهم على أهل فلسطين وأرضها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك